يُضفي مجتمع قطاع غزة المحافظ بعض القيود على علاقة الرجل والأنثى، التي تضع المرأة في قوالب تفرض عليها تحمل الأعمال المنزلية كاملة وترى في إشراك الرجل لها ما يُنقص "رجولته".
تحت وطأة ثقافة "العيب" يتراخى ويتراجع الكثير من الرجال عن المشاركة في أعمال البيت؛ خضوعًا لتعبئة فكرية تربوية مغلوطة ورثوها من المجتمع المحيط.
ورغم ما يقتضيه الواجب الأخلاقي والديني الذي يدعم فكرة مشاركة الذكور من أفراد الأسرة في المهام والأعمال؛ إلا أنَّ سطوة أفكار المجتمع ما تزال غالبة. وذلك على الرغم من أنّ نسبة الذكور (50.7%) في المجتمع، تزيد عن الإناث (49.3%) أو توازيها؛ مما يعني تثاقل المهام والحاجة المُلّحة للمشاركة.
ويرى البعض أنَّ أولئك الرجال الذين يُساندون زوجاتهن/أمهاتهم/ أخواتهن قد أحدَثوا خرقًا في المنظومة المجتمعية، خاصّة عندما يمارس الرجل أعمالًا ظاهرة للعلن كـ "نشر غسيل الملابس على الشرفة أو سطّح البيت" وتنهال عليه تعليقات الجارات بـ "المحكوم".
الشاب خليل الرحمن جميل (23 عامًا) قال إنَّ هناك أعمال بيتية مخصصة للذكور دون الإناث في العائلة، وذكر منها "نشر الغسيل وجمعه" تحديدًا إلى جانب "تنظيف الجدران والنوافذ خاصّة في المناسبة".
وعلى مبدأ أنَّ "المسؤولية في توجيه سلوكيات الأفراد تقع على الأسرة أولاً"، قال جميل لـ "آخر قصّة"، "اعتدنا في عائلتي أن يرتب كل شخص فراشه وينظف مكانه، ويغسل أطباقه في حال لم يوجد عذر لذلك، وتربينا على أساس أنَّ العمل المنزلي تشاركي وليس للفتاة فقط".
يردف جميل، "عوّدتنا والدتي منذ الصغر على تقاسم المهام المنزلية مع أخواتي الإناث ومساعدتهم في الأعمال التي تُثقل عليهم كحمل الأشياء الثقيلة من جرّة الغاز أو سجاد المنزل وخلافه".
ولا يجد الشاب العشريني حرجت في مشاركة أعمال المنزل أمام المعارف والأصدقاء، وهو حسب تعبيره واجب على الأفراد طالما يعيشون معاً في أسرة واحدة حتى وإن تمسك البعض في نظرته العنصرية تجاه ذلك الأمر.
على نحوٍ مُتشابه، عاشت بيان رزق في بيئة متعاونة داخل بيت أهلها، فكان والدها وإخوانها يشاركون في إعداد بعض الأطباق لا سيما السلطات ووجبات الإفطار التي كانت من تخصص شباب البيت، حسب قولها.
ولمّا تزوجت رزق عكست الصورة على أسرتها الصغيرة خاصّة عندما وجدت زوجها متعاون ومتفهم للأمر، تقول، "من أجمل النِعم أن تُرزق الفتاة زوج متعاون وشريك يساعدها دونما تطلب المساعدة، خاصّة في بعض المراحل الحرجة كبداية الحمل وبعد الولادة عندما تكون في أمس الحاجة لهذه المساعدة".
وهو تمامًا ما أشار إليه المختص الاجتماعي والنفسي عرفات حلس، إذ أكّد على أهمية المشاركة المنزلية بين الزوجين، وقال، "إننا في زمن تضاعفت فيه حجم الأعباء ومتطلبات الحياة الحديثة وأصبح من الصعب على المرأة إنجاز جميع الأعباء منفردة".
يتقاطع ما أكّد عليه حلس مع تجربة حنان نائل، وهي سيدة أربعينية تعمل معلمة في الفترة الصباحية فيما زوجها عاطلٌ عن العمل. وتعد هذه الأسرة واحدة من 10% من الأسر الذين ترأسهم نساء في قطاع غزة.
تقول السيدة لـ "آخر قصة"، "زوجي هو شريكي في كل أعمال المنزل. يُقدّر عملي واستيقاظي المبكر وعند عودتي للبيت غالبًا ما أجده قد طهى الطعام فهي هوايته وفي ذات الوقت يخفف عني العبء بعد عودتي متعبة".
ينعكس تعاون الشريكين إيجابًا على الأسرة عامّة لا سيما على المرأة، تُعقّب حنان، "أشعر بقيمتي عند زوجي وحبه لي وتقديره لعملي وتعبي، وأنا أيضًا عندما كان يعمل لفترات طويلة ومُرهقة لم أكن أُثقِل عليه في طلب المساعدة؛ بل ادعمه وأخفف عنه".
كما تضطر الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها قطاع غزة، من تفشي البطالة والفقر العديد من الأسر الاعتماد على مصدري دخل في حال توفر ذلك من خلال عمل الشريكين والذي فرَض على المرأة في بعض الأحيان النزول إلى سوق العمل للبحث عن فرص مناسبة.
تمامًا كما حدث مع فؤاد حامد الموظف في إحدى الدوائر الحكومية وزوجته نسمه وادي وهي معلمة، وعندما يعود كلٍ منهما من عمله يتقاسمان العمل داخل البيت، فهي تهتم بالطهي والترتيب، بينما يتركز عمل زوجها أكثر على الاهتمام بالأطفال من ناحية التعليم والترفيه والخروج للتسوق.
وقالت وادي "في أيام العطل نتقاسم الأعمال الكبيرة كالتنظيف العميق للمنزل وإن كان زوجي غير راغب بالمساعدة يُعوض ذلك بإحضار مساعدة من إحدى الشركات المشهورة في قطاع غزة كنوع من توفير الوقت والجهد عني؛ مما يُشعرني بنوع من الراحة والدعم الذي تحتاجه كل أنثى".
لا شك في أنَّ هناك تغيُّر في بعض القناعات تجاه مشاركة الذكور في أعمال المنزل، خاصّة بعد الانفتاح الحاصل في المجتمعات العربية، لكن هذا التغير من منظور المختص الاجتماعي عرفات حلس يبقى في طي الكتمان غالبًا، ويكون في الإفصاح عنه ما يتسبب بالحرج للرجل ويُقلل الهيبة والاحترام.
يتقطع ذلك مع ما أشارت إليه السيدة وادي في حديثها عن معاناة صديقاتها من عدم مشاركة أزواجهن لهن في أيٍّ من الأعباء المنزلية؛ متمسكين بتلك النظرة الذكورية السائدة في مجتمعنا وهي أنَّ عمل الرجل خارج المنزل وعمل المرأة داخله.
يتفق حديث نسمة مع ما أشار إليه المختص حلس في أنَّ المجتمع العربي تطغى عليه الذكورية، ويتصف بنوعٍ من النمطية الثقافية ثوابتها أنّ الرجل يعمل خارج المنزل لكسب المال ويتولى أمور أسرته المادية فيوفر احتياجاتها، فيما تتحمل المرأة أعباء المنزل وأدواره الاعتيادية.
غير أنّ لمشاركة الذكور في أعمال البيت أهمية وضرورة في عملية التنشئة والقدوة الحسنة في العائلة، وفقًا لحلس الذي أفاد أنَّه من الجيد تعود الأطفال كجيل جديد على رؤية والده ووالدته يتشاركون المهام داخل المنزل وخارجه؛ ما يسهم في أن يصبحوا أزواج متعاونين مستقبلاً ويُكوِنوا عائلات سعيدة قائمة على مبدأ التشارك الذي يُفسِح مساحة للتوازن النفسي.