احتكامًا لمعايير الجمال في المجتمع التي ترى في الشَعر المُجعد مظهرًا غير جميل، تلجأ الكثير من الأمهات إلى اصطحاب بناتهن الصغيرات لصالونات التجميل؛ بغرض فرد شعورهن وتحويلها من الشكل المجعد المموج إلى شكلٍ أكثر نعومة واستقامة لاعتقادهن أنه الأجمل والأكثر انسجاما مع الموضة.
تشهد الصالونات النسائية في قطاع غزة، حركة غير مسبوقة في فترة المواسم كالأعياد ويزداد الطلب بصورة لافتة على فرد الشعر تحديدًا، فتجد العديد من الفتيات الصغيرات في العيد يُسرحن شعورهن بشكلٍ ينساب على الأكتاف وبنعومةٍ تبدو بوضوح غير طبيعية.
داخل أحد الصالونات بحيّ الصبرة وسط مدينة غزة، انشغلت العاملات بطلبات فرد الشعر، إذ تضع مادة على طول الشعر من الجذور حتى الأطراف، ومن ثم تقمن بفرده خصلة تلو الأخرى بأداة كي متخصصة، تحت درجة حرارة عالية حيثُ تكون الخصلات رفيعة للغاية وتنتهي العملية بعد عدة ساعات متتالية تتغلغل فيها المادة داخل الشعر وتثبت عليه.
إحدى الزبونات كانت الطفلة رغد "6 أعوام" التي جاءت بصحبة والدتها سعاد سالم، تقول الأم، "ابنتي تُحِب جداً الشعر الناعم وأمنية حياتها أن تفرد شعرها كبقية صديقاتها، خاصّة أن معظم الجارات ذهبن لذات الصالون خلال فترة العيد لأنه عمل عرض تخفيض سعر على فرد الشعر".
لم تُقاوم سعاد شعورها بالذنب تجاه طفلتها التي أرادت الاقتداء بصديقاتها وكانت تنام باكية وهي تريد شعرا ناعمًا كالأميرات وكدميتها الشقراء، وتجاهلًا للضرر الذي قد يقع على طفلة بعمرها، قالت، "كنت أشعر بالحزن على ابنتي وهي تبكي وحاولت إقناعها لكنها أصرت فرضخت لرغبتها وقلت في نفسي دعيها كغيرها من الفتيات".
أجرت "آخر قصة" جولة على عدد من صالونات التجميل في مناطق مختلفة من قطاع غزة، هذه الأيام التي تشهد ازدحاماً في الصالونات تزامناً مع تحضيرات عيد الأضحى، واستطلعت آراء أكثر من 40 سيدة من مناطق مختلفة من القطاع، جميعهن أكدن رفضهن لممارسة تَمْلِيسُ الشعر، وبخاصة على الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً. لما يشكله من أذى باستخدام أداة كي بدرجة حرارة عالية تتسبب أحيانا ببعض الحروق لفروة الرأس.
واحدة من أولئك النسوة المستطلعة آراؤهم، هي أم مجدي (37 عاماً) والتي قالت إنها ترفض هذا الأمر حتى وإن كان يحقق للفتيات الصغيرات مظهرا أكثر جمالاً. ورغم هذا إلا أنها اضطرت تَمْلِيس شعر ابنتها ذات الأعوام الثمانية، بعد تعرضها للتنمر من قبل معلمتها في المدرسة.
وأشارت أم مجدي وهي من سكان المحافظة الوسطى بقطاع غزة، إلى أن معلمة طفلتها كانت تناديها بـ"كنيش"، وهذا كان يسبب لها إيذاءً بين زميلاتها، وكانت تطالبها بأن تصحب أمها إلى صالون التجميل من أجل تَمْلِيس شعرها، موضحةً أن ما فعلته لطفلتها يتعارض مع قناعتها، ولكنها اضطرت إليه.
وبعد معاينة في أحد صالونات التجميل بغزة، تبين أن المعاناة التي تواجهها الطفلات واحدة، إذ إن بعضهن يبكين من حدّة الحرارة التي تلسع رؤوسهن، وأخريات لم يستطع التعبير عن الأذى ولاذوا إلى الصمت خشية من ردات فعل الأمهات اللواتي يطالبن باحتمال الألم من أجل مظهر جميل.
وتستخدم في عملية تمليس الشعر مواد يصطلح عليها (بروتين، كيراتين، وغيرها)، والتي لا يعرف حقيقة إن كانت أمنة وصحية أم لا. وتشير سلمى نجيب (اسم مستعار) وهي صاحبة صالون تجميل إلى أنها تبتاع تلك المواد التجارية من تجار الجملة والطلب يزداد عليها يومًا بعد يوم خاصّة بعد الإعلانات التي يشاهدونها على منصات التواصل الاجتماعي وإدمان على عالم "التيك توك"، وفق قولها.
وقالت صاحبة الصالون في حديثها مع "آخر قصّة"، "هذا هو عملي وباب رزقي وأنفذ ما تطلبه الزبونة ولم تأت أي سيدة تشتكي منه ولكن قد يتسبب الفرد بتساقط للشعر في الأيام الأولى، إلا أنّ السيدات لا يأبهن بهذا الأمر جرياً منهن خلف الموضة ومعايير الجمال".
في مقابل ذلك، لم يتسنَ لنا معرفة حقيقة مخاطر هذه الأدوات المستخدمة وانعكاساتها السلبية على الأطفال الذين تعرضوا لها، والدور الحكومي المبذول من وزارتي الصحة والاقتصاد الوطني، تجاه الرقابة على هذه العملية.
وترجع بعض الأمهات اللواتي استطلعنا آراءهم، تعلق الأطفال في بعض الأحيان بفكرة تمليس الشعر بالحرارة، إلى متابعة ما يروج على منصات التواصل الاجتماعي، موضحات أن هناك مساحة فتحت أمام الأطفال في الفضاء الإلكتروني ساهمت التأثير على أفكارهم، دون إدراك مدى المخاطر التي من الممكن أن يتعرضوا لها.
بموازاة ذلك، تقول المختصة النفسية رولا الشريف إنّ المسؤولية الأولى تقع على الأسرة عامة والأم بوجه خاص، وهي التي تستطيع غرس قيم الجمال والاختلاف في أذهان أطفالها وتربيتهم على برمجة عقلية معيارها أن الجمال في الاختلاف فتصنع منهم أطفال أقوياء يستطيعون مواجهة التنمر بتقبل ملامحهم وصفاتهم وحبهم لأنفسهم.
وأشارت الشريف إلى ضرورة مدح الأبوين لأطفالهم والتعبير الواضح لهم عن مشاعرهم إزاءهم ومدح جمالهم، فإذا ترسخت هذه القيم من العائلة سيكون من الصعب أن يزعزعها الآخرون، وفق قولها، ودعتهم لإخبار أطفالهم أنهم الأجمل وأن شعرهم المجعد رائع وبشرتهم السمراء مميزة وابتسامتهم مشرقة.
وكانت الشريف قد طوّرت استراتيجية "60" التي تتحدث عن أهمية تقبل الشكل من خلال وقوف الشخص أمام المرآة عشرين مرة يوميًا لمدة 60 يومًا متتالية، يخاطب فيها نفسه بالعبارات التفاؤلية مثل "أنا جميلة، بشرتي رائعي، ابتسامتي ساحرة"، وغيرها من الكلمات التي تعزز ثقة الفرد بجسده ونفسه، إذ تعمل هذه الاستراتيجية على تعديل البرمجة اللغوية والعصبية للدماغ من خلال إرسال الرسائل للجسد، حسبما قالت، وهي من الطرق التي تمارسها مع بعض المراجعين لديها والتي أظهرت نتائج رائعة في تقبل الاختلاف والشكل.
آخر قصة، قامت بالبحث حول توجهات الأطباء والدراسات البحثية حول العالم المتعلقة بتمليس الشعر بالحرارة، ووجدت أن هناك مخاطر مرتبطة بعملية تمليس الشعر بالحرارة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالأطفال الصغار، إذ أكدت الدراسات العلمية أن استخدام أدوات الكي الساخنة والمنتجات الكيميائية لتمليس الشعر يمكن أن يسبب أضرارًا جسدية وصحية، ومن بين المخاطر المحتملة:
1- حروق فروة الرأس والبشرة: درجات الحرارة العالية المستخدمة في عملية التمليس يمكن أن تتسبب في حروق لفروة الرأس والبشرة إذا لم تتم بطريقة صحيحة.
2- تلف الشعر: الحرارة العالية قد تتسبب في تلف بصيلات الشعر وتسبب جفافه وتكسره.
3- مشاكل التنفس: بعض المنتجات المستخدمة في عملية التمليس تحتوي على مواد كيميائية ضارة مثل الفورمالين، والتي يمكن أن تتسبب في التهابات الجهاز التنفسي والحساسية.
4- تغير طبيعة الشعر: عملية تمليس الشعر بالحرارة لا تغير طبيعة الشعر الجينية، وقد يعود الشعر إلى حالته الأصلية بعد مدة قصيرة، مما يتطلب إعادة تكرار العملية وزيادة التعرض للحرارة.
لذا يجب على الآباء والأمهات أن يكونوا على علم بالمخاطر المحتملة ويفهمون التأثير السلبي الذي يمكن أن يكون لتمليس الشعر بالحرارة على صحة وسلامة أطفالهم. يُفضل استخدام بدائل طبيعية وآمنة للعناية بالشعر وتجنب التعرض للحرارة العالية والمواد الكيميائية الضارة.