في الوقت الذي أطلقت فيه شركة الكهرباء في قطاع غزة حملة تحويل العدادات الكهربائية الميكانيكية إلى عدادات ذكية وفق ما يعرف بنظام (SMART)، اشتكى العديد من فقراء القطاع، أنهم أصبحوا يقضون أياما دون كهرباء بسبب سرعة نفاد رصيد العداد؛ مما يؤثر بالسلب على حياتهم اليومية.
وبما أنَّ نسبة الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر الوطني في غزة تتجاوز الـ 81% وفقًا لإحصاءات (الأونروا)، فإنَّ الأسر المتضررة من هذا القرار عددها كبير جداً، رغم ما تُشير إليه شركة كهرباء غزة بأنَّ العدادات الذكية تُساعد المشترك على المحافظة على فاتورة شهرية مناسبة للوضع المادي الخاص به.
وتعد هذه الخطوة -وإن بدت أنها محاولة لمواكبة التطور الحاصل في العالم وتقليص حجم الاستهلاك- محاولة لإجبار المواطنين على الدفع المسبق لفاتورة الكهرباء الشهرية. وقد جاءت هذه الخطوة بعدما تخلف عدد كبير من المواطنين عن دفع الاشتراك الشهري لفاتورة الكهرباء بفعل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها غزة بفعل الحصار المستمر منذ 16 عاماً، الأمر الذي دفع إلى تراكم الديون المستحقة على المواطنين لصالح الشركة.
المواطن علاء محمدين (50 عاماً) القاطن في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، يعمل في محل للمأكولات الشعبية بأجرٍ يوميّ يُقدّر بـ (20 شيكلا) أيّ (5 دولارات)، قال "إنَّ العداد الذكي فاقم أزمته المادية، حيث أنه عاجز عن مواصلة شحن رصيد العداد.
يعيل محمدين أسرة مكونة من (7 أفراد)، ويتمكن من شحن رصيد بقيمة (50 شيكلا) كحد أقصى خلال الشهر الواحد، غير أن هذه القيمة لا تدوم سوى أيام محدودة تِبعا لطبيعة استهلاك أسرته؛ وفي الغالب تقضي الأسرة الثلث الأخير من الشهر دون كهرباء وتضطر إلى مكابدة الحر والعتمة.
ويعد الدفع المسبق للاستهلاك أمرا إلزاميا للمواطنين بصرف النظر عن مستوى الدخل، الأمر الذي يمكن الشركة من تحصيل نسبة رسوم الكهرباء الشهرية كاملة، فضلا عن استقطاع ربع قيمة رصيد الشحن الشهري لسداد الديون المتراكمة.
ولو افترضنا أن مواطناً يستهلك طاقة كهربائية بقيمة فاتورة شهرية (100 شيكل)، تقوم الشركة تلقائياً وعبر خاصية العداد الذكي بخصم 25 شيكلاً، كسداد للديون القديمة المتراكمة على كاهل المواطن. أي أن الشركة تقوم بتحصيل 125٪ من المواطنين كإيرادات للسحب الشهري وجزء من المديونية القديمة، ما يثير الكثير من الأسئلة حول قدرة الأسر الفقيرة على احتمال الأمر، وأين آليات الدعم الحكومي؟.
على ضوء هذه الخطوة التي اتخذتها شركة توزيع الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة، تزايدت مطالب المواطنين بضرورة تجميد الديون المستحقة خلال الفترة الحالية، بسبب تردي الأوضاع المعيشية، غير أن شركة الكهرباء لم تستجب لذلك.
يقول مدير العلاقات العامة والإعلام في شركة توزيع الكهرباء محمد ثابت، إنّ شركته قامت بتركيب العدادات الذكية للأسر محدودة الدخل المستفيدة من مخصصات وزارة التنمية الفلسطينية بالمجان، إلا أن الأسر الفقيرة ترى أن المشكلة لا تكمن في تكلفة تركيب العداد، وإنما في انعدام الدخل الذي يساعدها على شحن الكهرباء بطريقة الدفع المسبق.
واستطلعت "آخر قصة" آراء عددٍ من الفقراء في مناطق متفرقة في قطاع غزة، وبخاصة المستفيدون من مخصصات وزارة التنمية الاجتماعية والذين يبلغ عددهم (81 ألف) أسرة، واشتكى جميعهم من قرار شركة الكهرباء بفرض العداد الذكي، إذ يقولون إنه لا يراعي مستوى الفقر الذي يعانونه ولا حتى الظروف التي يمرّ بها القطاع.
وتعاني هذه الفئة التي تعتبر من الفئات الأشدَّ فقرًا في قطاع غزة ظروفًا إنسانية قاسية بفعل عدم توفر مصدر دخل لها، وذلك نتيجةً للأوضاع الاقتصادية السيئة في القطاع عامّة بفعل الحصار الإسرائيلي والتصعيد العسكري المتتالي والذي ضاعف من نسبة البطالة أيضاً.
المواطن علي عواد (35 عامًا) أكّد على أنّ الدخل الشهري الخاصّ به والمُقدّر بـ (700 شيكل) شهريًّا نحو (190 دولار) الذي يجنيه من عمله في أحد محالّ بيع مساحيق التجميل، لا يكفي لتلبية الاحتياجات الأساسية وكذلك لتعبئة عداد الكهرباء الذكي لديه بقيمة (50 شيكلا) شهرياً على الأقل.
يعيل عواد الذي يقطن في مخيم النصيرات وسط القطاع (6 أفراد)، ويُعاني من عدم مقدرته على توفير رصيد يضمن وصول الكهرباء طيلة الشهر، وقال لـ "آخر قصة"، "نعاني مع العداد ونقضي عدة أيام في الشهر دون كهرباء واضطر للاستدانة حتى أجمع مبلغ شحنه إلى أن يتوفر الراتب مع نهاية الشهر".
وعن مدى تأقلمه مع العداد الذكي، أفاد الرجل أنّه لم يتمكن وأسرته من التأقلم، لأنه يصعب عليهم خفض مستوى الاستهلاك في ظلّ الاحتياجات المتعددة لاستخدامات الكهرباء.
في المقابل، قال المتحدث باسم شركة الكهرباء "ثابت"، إن شركته وفي محاولتها إسناد الأسر الميسورة ومحدودة الدخل، عملت على شحن العدادات الذكية لمدة ستة أشهر بقيمة (50 شيكلا) قابلة للتجديد كرصيد إقراض لهذه الأسر، إلى جانب إعفائها من دفع (6) أشهر من المتأخرات المتراكمة على كاهلها، لحين الاتفاق على صندوق مساهمة يضمن سداد القيمة، سواء من شركة الكهرباء أو وزارة التنمية الاجتماعية أو عبر مقاصة من الحكومة.
ووفقاً لما قاله ثابت، فإن شركة توزيع الكهرباء، تهدف من تركيب العدادات الذكية، إلى التحول نحو الشبكة الذكية أيّ التحكم الكامل في الشبكة من المصدر حتى المستهلك النهائي عن بُعد، ويأتي هذا في إطار مواكبة التطور العالمي والاستثمار الأمثل لكميات الكهرباء المتوفرة في القطاع.
وأضاف "اتجهت شركة الكهرباء لخيار استبدال العدادات التقليدية بالذكية لأسباب أخرى أيضًا منها أنه يصعب على مصادر الكهرباء المتوفرة لديها مُجاراة الطلب المتزايد من المواطنين".
ويعتمد قطاع غزة على ثلاثة مصادر أساسية للحصول على الكهرباء: أولها محطة توليد الكهرباء التي توفر في أقصى طاقة إنتاجها 70 ميغاوات، وخطوط الكهرباء الإسرائيلية التي توفر طاقة كهربائية تبلغ 120 ميغاوات، فضلا عن الخطوط المصرية التي توفر طاقة تبلغ 23 ميغاوات؛ وهذه الخطوط تتعرض للأعطال بشكل مستمر، وتحتاج إلى صيانة دائمة.
ورغم تنوع مصادر الحصول على الكهرباء في القطاع إلا أنَّ متوسط الاستهلاك للسكان يصل إلى (450 ميجاوات)، وفقًا لثابت الذي أكّد على أنّ هذا الاستهلاك يتعدى (650 ميجاوات) في أوقات الذروة، بينما الكهرباء المتوفرة من المصادر تصل إلى (200 ميجاوات) فقط.
يشير ثابت إلى أن الشركة قامت بتركيب أكثر من (50 ألف) عداد ذكي في القطاع لنحو (300 ألف) مشترك، وقال إنّ العدادات الذكية تدفع المواطن لتقنين استخدامه للكهرباء، إذ إنَّ الشركة وبناء على دراسة أجرتها، تبين أنّ الاستهلاك انخفض لحوالي (35-40%)"، مما يعني أنَّ العداد أثبت جدواه، بحسب رؤية الشركة.
من جهة أخرى، تعمل شركة الكهرباء على توفير ما يعرف بـخط (2 أمبير)، للمواطنين المعتمدين على العداد الذكي، للاستفادة منه خلال ساعات انقطاع التيار الكهربائي، وهي خطوة استثمارية من جانب الشركة، وبخاصة أن فاتورة هذا الخط تزيد بقيمة أربعة أضعاف قيمة الكهرباء في الوقت الأصلي.
على ضوء ذلك، تتزايد تساؤلات المواطنين حول سبب توفير طاقة من قبل الشركة بقيمة مالية تزيد أربعة أضعاف سعرها الأصلي، بدلاً من أن يجري التخفيف من الأعباء الملقاة على كاهلهم في ظلّ الظروف المعيشية القاهرة التي يعيشونها تحت الحصار؟
"آخر قصّة"، حاولت أن تنقل هذه الأسئلة وغيرها إلى طاولة وزارة التنمية الاجتماعية للتعرف على دورها تجاه دعم فاتورة كهرباء الأسر الأشد فقراً، لكنها لم تتلق أي ردود. وعليه، ستبقى الأسر الفقيرة تعاني العتمة أو البحث عن خيارات أخرى كالاستدانة من أجل توفير كهرباء تخفف من سخونة أجواء الصيف.