عند طلوع شمس صباح السابع من حزيران يونيو الحالي، وقبل أن تشرع الحياة في الاستيقاظ، كانت السيدة نادية تنهض من سريرها بكل نشاط وحب. فهذا اليوم يومًا مهمًا بالنسبة لابنتها سهى، فهو اليوم الأول لامتحان الثانوية العامة التي من المفترض أن تُحدد نتيجتها مستقبل ابنتها الأكاديمي.
ولأنَّ نادية (38 عاماً) أم مخلصة ومهتمة بتحقيق أحلام ابنتها، قررت أن تكون إلى جانبها في هذه اللحظات الحاسمة. وبينما كانت الطالبة "سهى" تحضر نفسها للاختبار وترتدي ملابسها الزرقاء- وهو اللباس التقليدي لطالبات الثانوية في قطاع غزة- باشرت الأم نادية في تحضير الفطور وأضافت إلى الأطباق الزيت والزعتر، على اعتبار أنَّ للزعتر فوائد لتحسين الذاكرة، كما تقول.
في غضون دقائق، انتهت الأم وابنتها من تناول الفطور، ثم جمعت أوراق المادة العلمية، والوثائق الضرورية ووضعتها في حقيبة سهى، ثم قالت بابتسامة: "أنا هنا لدعمكِ يا ابنتي، سأكون بانتظارك أمام بوابة المدرسة". وذهبتا سويًا، محملتين بالأمل والتفاؤل.
عندما وصلتا إلى المدرسة، لاحظت السيدة نادية أن الأمور لم تكن كما توقعت. لقد كان هناك انتقاد مجتمعي لهذا السلوك الذي يعتبر غير تقليدي، إذ واجهت نظرات حادّة وتعليقات مُستفزة تتردد في الأروقة. وعلى الرغم من ذلك، استمرت نادية في انتظار خروج ابنتها من قاعة الامتحانات.
وواجهت نساء عديدات الانتقاد ذاته، على مواقع التواصل الاجتماعي في أعقاب انتشار صور لأمهات وآباء يُشاركون أبناءهم من طلبة الثانوية العامة في رحلة الذهاب والإياب لقاعة الامتحانات.
ومن الواضح أنَّ من بين الأسباب التي تدعو للانتقاد، أنَّ مجتمع قطاع غزة المعروف بمُغالاته في العادات والتقاليد، ينتقد تبعية الأبناء للأمهات، إذ يعتبر البعض أنَّ مشاركة الأم تعكس تبعية الطالب للأم وعدم استقلاليته في إدارة أموره اليومية؛ مما يقلل من قدرته على تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات بنفسه في المستقبل.
ومن جملة الانتقادات التي وُجِهَت عبر مواقع التواصل الاجتماعي- في اليوم الأول لامتحانات الثانوية العامة التي يشارك فيها 38 ألف طالب وطالبة من قطاع غزة- هو أن هذا السلوك يُضعِف الثقة في القدرات الذاتية للطلبة، إذ إن مشاركة الأم على وجه الخصوص لابنتها يعكس أن الطالبة لا تمتلك القدرة على التعامل مع الظروف وحلَّ المشكلات بمفردها.
وقال البعض إنَّ هذه المشاركة هي مصدر تشويش وتوتر للطلبة أنفسهم، وأنَّ على الأهالي تعزيز الاستقلالية والمسؤولية لأبنائهم، والإسهام في تنمية مهاراتهم في اتخاذ القرارات وتحمل المسؤولية.
ومع ذلك، يُلاحَظ أنَّ هذه الآراء لا تعكس وجهات نظر الجميع، فهناك أيضًا أشخاص يرون أنَّ دعم الأم لابنتها في رحلة الامتحانات يُعزز الراحة النفسية والاطمئنان وبالتالي يؤدي إلى أداء أفضل للطالبة في الامتحانات.
لكن في المقابل، ومن ناحية تربوية فإنَّ الأكاديمي والباحث في علم الاجتماع عرفات حلس، يقول عن سلوك قراءة الأمهات القرآن أمام أبواب المدارس وظهور علامات الخوف والتوتر على وجوههن "هو سلوك ضدَّ مصلحة الطالب".
وحول كيفية تأثير هذا السلوك على الطالب، أوضح حلس لـ"آخر قصة"، أنَّ الأمهات بهذا الفعل تجعل من أجواء التعليم مُرعبة ومخيفة، والإخفاق والتراجع ولو بالقليل من الطالب وهو أمر طبيعي، سيجعله يشعر بأنه شخص مخيب للآمال، وأنَّ تراجع المعدل العلمي أمر مُعيب، وهذا قد يزيد من حالة الضغط النفسي الذي يتعرض له".
وقال الأكاديمي حلس: "لو اكتفت الأمهات بتوديع أبنائهن بابتسامة قبل التوجه إلى الامتحانات، مع إمطارهم بالدعوات والكثير من التشجيع والتحفيز، فإن هذا السلوك سيرفع من معنوياتهم أكثر ويزيد ثقتهم بأنفسهم".
وعلى العكس قالت المختصة النفسية فلسطين ياسين في تعبيرها عن حجم تضحيات الأمهات وتفانيهن من أجل مستقبل أبنائهن، إنه سلوك يشكل مصدرا كبيرا للدعم النفسي.
وقالت ياسين في سياق حديثها لـ"آخر قصة" : "إنَّ طالب التوجيهي من الطبيعي يكون متوترا وقلِقًا في هذه الفترة بالذات، وهنا يكون دور الأهل في التخفيف عن أبنائهم ودعمهم نفسياً، وصور الأمهات وهن يجلسن أمام المدارس هي صورة جميلة جداً، ولكن الوسطية مطلوبة في كل مناحي الحياة".
وأضافت ياسين "أحياناً يخلق الأهل أجواء مليئة بالتوتر لأبنائهم الطلبة، وهذا شيء مرفوض، يفترض أن يكونوا أكثر تماسكاً وضبطاً للأعصاب، على الأقل أمام الأبناء وبخاصة خلال اليوم الأول للاختبارات النهائية والذي يعد من أكثر الأيام تحديا".
ثم عادت المختصة النفسية وأشارت إلى أن مشاركة الطلبة في اليوم الأول هو عامل مساعد للتخفيف من التوتر، مع ضرورة عدم المبالغة في إثارة القلق والخوف في نفوس الأبناء.
وقدَّمت المختصة ياسين نصيحة للأهالي بأن يقدموا العبارات التحفيزية لأبنائهم الطلبة، وأن يحافظوا على تقديم وجبات الفطور وتعزيز النوم الكافي، والاهتمام بالصحة النفسية للطلبة، وعدم دفعهم لمراجعة إجابات الاختبار بعد الخروج من قاعة الامتحانات.