من العدوان إلى الشفاء: قصة التعافي من آثار القصف

من العدوان إلى الشفاء: قصة التعافي من آثار القصف

بعد مرور بضعة أيام على وقف العدوان الإسرائيلي على غزة الذي امتد من 9 إلى 13 مايو الجاري، ما بين قصف وتدمير وتهجير، ما زالت الآثار النفسية عالقة في نفوس السكان، وربما ازدادت عمقاً في تحولها من ترقب وقلق وخوف، إلى اضطرابات نفسية.

وبلا شك فإنَّ التأثيرات النفسية السلبية للعدوان وقعت على الصغار والكبار على حدٍ سواء، حسب تقدير المختصين، وإن كانت تتفاوت بين الفئتين بدرجاتٍ متعددة، إذ تظهر على شكل عزلة واضطرابات في النوم وأرق واكتئاب وتوتر عصبي كبير قد يصل إلى اضطرابات ما بعد الصدمة.

هلا ناهض (24 عامًا) واحدة مما يزيد عن مليوني وأربعمئة ألف مواطن في غزة تعرضوا للعدوان الإسرائيلي الأخير وعانوا من آثاره النفسية، إلا أنّ هلا التي يعمل والدها مزارعًا في الأراضي الزراعية شرق غزة لم تزل تُقاسي تقلبات نفسية جمّة بفعل خوفها وترقبها طوال فترة العدوان.

تقول ناهض في حديثٍ لـ "آخر قصّة"، "بعد وقف إطلاق النار قررت اعتزال الناس بسبب ما أصابني من ضغط نفسي خلال التصعيد من قلق على والدي فمع كل صاروخ يهبط أو انفجار يحدث كانت تراودني عشرات السيناريوهات وأشعر بتوتر شديد وهذا ما أثر على نفسيتي بالسلب حتى فكرت بعدما توقف القصف في ملازمة غرفتي".

وعلى نحوٍ قريب عبّر طارق حسن (34 عامًا) عن تردي حالته النفسية بعد انتهاء العدوان، وقال: "خلال فترة التصعيد كنت متحمسًا جدًا وأتابع الأخبار لحظة بلحظة، غير أنه بعد إعلان الهدنة بين الطرفين.. شعرت بنوع من القلق الكبير ولست أدري لماذا".

حسن الذي يعمل في أحد المكاتب الهندسية بغزة، قال إنه بدأ يشعر بتقلبات نفسية سيئة انعكست على سلوكياته في شراهة التدخين والأرق الشديد وفقدان الرغبة في العمل والإنجاز.

وربما جاء هذا العدوان ليزيد الطين بلّة على أوضاع الناس في قطاع غزة، فقد أظهرت نتائج إحصاءات محليّة أنَّ 71% من سكان قطاع غزة مُصابين بالاكتئاب؛ ما يعني أكثر من نصف المجتمع الفلسطيني داخل قطاع غزة.

وفي خضم المتابعة الحثيثة للخروج من الحالة النفسية التي تمر بها قامت رزان محمد (30 عامًا) التي ظلّت تُعاني من العصبية خلال فترة العدوان وبخاصة أنها كانت تبكي طوال الوقت دون سببٍ مباشر؛ قالت إنها توجهت إلى الطب النفسي لتجاوز هذه المحنة.

وتسببت الحرب للشابة رزان، باضطراباتٍ في النوم، وقالت "خلال العدوان كنت لا أطيق أن يُحادثني شخص بشيء وحتى كلمة مرحبا كانت تؤذيني، وبعد انتهاء التصعيد مباشرة توجهت إلى مراجعة مختصة نفسيّة لمواجهة أزمتي".

وحول قيامها بهذه الخطوة، عقبت رزان، "أعصابي تعبت ولم أعد أحتمل الألم الذي يراودني؛ لذلك توجهت لمختصة وبالطبع لم تهمني نظرة الناس للطب النفسي فأنا وحدي المتضررة والعلاج أو الدعم النفسي لم يعد رفاهية البتة بل هو أكثر من ضروري".

اتفقت المختصة النفسية هند بركة مع ما أسلفت به رزان حول ضرورة القيام ببعض إجراءات تساعد على رحلة التعافي وتجاوز الظروف الصعبة والضغط النفسي الناتج عن العدوان، لا سيما تقبل الفرد بأنّ السلوكيات التي تصدر عنه بسبب الضرر هي غير طبيعية ومؤقتة.

بالإضافة إلى اتباع بعض الاستراتيجيات التي بإمكانها إعادة بناء الحياة النفسية من جديد وتقويتها، وفقًا لبركة، التي نصحت بممارسة الرياضة لما لها من دور كبير في تخفيف الإجهاد النفسي، و حذرت من الإفراط في تناول السجائر أو اللجوء لتناول حبوب منومة، وضرورة تجنب اتخاذ أيّ قرارات فردية دون استشارة طبية.

وعن تأثير الحرب على الأطفال تحديدًا، نشر مركز حقوقي عام 2021، بياناً جاء فيه أنَّ 91% من أطفال غزة أُصيبوا بصدماتٍ نفسية بعد عدوان مايو (أيار) 2021، وذكر أنّ 9 من بين كل 10 أطفال يُعانون أحد أشكال الصدمة المتصلة بالعدوان.

وحول الأساليب المفضل اتباعها لإعادة تهيئة الأطفال بعد العدوان، قالت بركة لـ "آخر قصّة"، "من المهم توفير الدعم النفسي والعاطفي للأطفال بوجود بيئة آمنة من خلال الحديث معهم والاستماع لمخاوفهم وانطباعاتهم ومحاولة الترويح عن أنفسهم وعدم كتمان مشاعرهم وتجنب تأنيبهم على مشاعر الخوف أو الصراخ عليهم".

كما نبّهت إلى ضرورة استخدام تقنيات الاسترخاء المخصصة لتفريغ الضغط النفسي التي تساعد في إعادة بناء الروتين اليومي الذي يشمل جدولا زمنيًا منتظمًا يتضمن الوقت المخصص للنوم والأكل واللعب والتعلم وهو ما يعزز صحة الأطفال.

ومما لا شك فيه أنَّ الغزيين عايشوا ظروفًا نفسية استثنائية خلال العدوان الإسرائيلي خلّفت ندوبًا واضحة يصعب تجاوزها بسهولة وانقضائها بمجرد الإعلان عن سريان الهدنة وتحتاج إلى فترة نقاهة حتى يتم الوصول إلى التعافي التام.