تُثير الأنباء المتواترة عن احتمالات مضاعفة أزمة انقطاع التيار الكهربائي نتيجة العجز الحاصل في إمدادات الوقود اللازم لتشغيل محطة توليد الطاقة الوحيدة في قطاع غزة، مخاوف المواطن محمد عايش (55 عاماً) والذي يعتمد اعتمادا رئيسياً على جهاز الأكسجين المشغل بالكهرباء.
ويعاني عايش وهو من سكان محافظة شمال القطاع ضيقاً في التنفس، ولا يجد غير الجهاز المشغل بالطاقة بديلاً للحصول على الأكسجين اللازم للاستمرار على قيد الحياة. ويقول الرجل إن انقطاع التيار الكهربائي يشكل خطراً على حياتي.
ويعتمد الرجل على خطين رئيسيين مغذيين لشقته السكنية بالكهرباء، الأول المزود من شركة الكهرباء، بينما الثاني عبر مولد الكهرباء التجاري، وهو بذلك يضطر لتحمل عناء فاتورتي كهرباء رغم تردي وضعه الاقتصادي، غير أنه يقول إنه مضطر لهذا الأمر من أجل استمرار حياته.
وأشار إلى أن نقص الوقود المشغل لمحطة التوليد الوحيدة في القطاع، من المؤكد أنه سيؤثر أيضا على تشغيل مولدات الكهرباء التجارية، وإذا وقع ذلك فإن حياته وحياة مرضى آخرين ستكون في خطر.
ويُنذر الوضع الحالي الذي يعيشه زهاء مليونين وأربعمئة ألف نسمة في قطاع غزة تحت العدوان الإسرائيلي الحاصل منذ فجر التاسع من مايو الجاري وحتى مساء الثالثة عشرة، بكارثةٍ إنسانية في ظلّ مؤشرات نبّه إليها بيانٍ صادر عن مرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان من أن توقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع وسينتج عنه "مخاطر كارثية".
وأغلقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء العدوان جميع المنافذ الحيوية لقطاع غزة التي يسيطر عليها، وفقًا للأورومتوسطي؛ مما تسبب في تعطيل كافة الإمدادات الحيوية التي ترد للقطاع بما فيها المستلزمات الغذائية والطبيّة الأساسية وإمدادات الوقود.
فيما يُتوقَع إذا لم يتم إدخال الوقود أن تتوقف المحطة عن العمل يوم غد الإثنين 15/5/2023، بحسبِ بيانٍ صادرٍ عن شركة كهرباء غزة، نتيجة قرب نفاد كميات الوقود الذي يرفع نسبة العجز الكهربائي إلى نحوِ 70%، مما يعني أن يعتمد قطاع غزة على مصدر كهربائي واحد وهو بطبيعة الحال لن يغطي الحد الأدنى من احتياج الطاقة.
ويُهدد نفاد الوقود في محطة الكهرباء العديد من القطاعات خاصة القطاع الصحي بما فيه من مستشفيات، ومراكز الصحيّة، ومرضى، ويمتد التهديد أيضًا للقطاع البيئي إذ يشمل مضخات المياه العادمة ومحطات المعالجة وآبار المياه الصالحة للشرب ومحطات التحلية، وكافة المرافق الخدمية الأخرى.
وحذرت شركة كهرباء غزة من تداعيات النقص الحادّ والوشيك في إمدادات الطاقة في ظلّ انعدام الخيارات والبدائل، داعيةً المجتمع الدولي والمؤسسات الأممية والحقوقية بضرورة التدخل العاجل للسماح بإدخال شحنات الوقود اللازمة لتشغيل محطة الكهرباء.
يأتي ذلك في سبيل وقف التدهور الخطير المتوقع على مستوى الخدمات الحيوية المقدمة للسكان، والحيلولة دون انهيار قطاع الخدمات، بحسب ما ورد في البيان، ومن بينها القطاع الصحي الذي يحتاج لكهرباءٍ مستمرة.
وكانت أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية صباح اليوم السبت، عن ارتفاع حصيلة الشهداء نتيجة العدوان إلى (33) شهيدًا منهم (6) و(3) سيدات، و(147) جريحًا، مُوزعين على كافة محافظات القطاع الخمسة.
ويوجد في قطاع غزة (706 مركزًا) تتبع 64% منها لوزارة الصحة الفلسطينية، فيما يوجد (89 مستشفى) من بينهم (35) في غزة ما بين مستشفيات تخصصية وعامة، بحسب تقريرٍ سنوي صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
وتبذل الطواقم الطبيّة جهودًا لتقديم الرعاية الصحية للمرضى والجرحى على حدٍ سواء مع تفاقم أزمة نقص الإمكانات الضرورية لاستكمال التدخلات العلاجية والجراحية، وفقًا لمدير عام مجمع الشفاء الطبي د. محمد أبو سلمية.
ودعت شركة كهرباء غزة كافة المواطنين والمؤسسات بضرورة أخذ الاحتياطات اللازمة والضرورية تحسباً لاحتمال حدوث تغيرات محتملة قريبة على جدول توزيع الكهرباء بسبب توقف محطة التوليد أو أي أعطال في شبكات الكهرباء قد تحدث نتيجة العدوان.
فيما تُعد أكثر الأقسام تضررًا بفعل توقف محطة توليد الكهرباء في المراكز الصحية والمستشفيات هي الأقسام التي تعمل في مجملها على أجهزة مثل قسم غسيل الكلى والعناية المركزة وحضانات الأطفال؛ مما يؤدي إلى تأثيرات شديدة قد تصل إلى التسبب في الوفاة.
من ناحية أخرى، يمتد تأثير توقف محطة الكهرباء إلى مشكلات في الوضع البيئي، وفقًا لمدير مصلحة مياه بلديات الساحل في غزة منذر شبلاق، الذي أكد على أن انقطاع التيار الكهربائي يتسبب في عدم توصيل مياه الصرف الصحي إلى أماكن معالجتها أو التخلص منها بعد المعالجة.
وقال شبلاق إن نفاد الوقود يؤدي إلى أضرار كبيرة جدًا على مياه الصرف الصحي التي قد تحمل الكثير من الأمراض.
بالإضافة إلى ذلك قد يؤدي انقطاع الكهرباء إلى تعطيل مضخات المياه العادمة، إذ يوجد في مدينة غزة لوحدها 8 محطات ضخ رئيسية وفرعية للصرف الصحي، تضخ المياه العادمة القادمة من المباني والمنشآت السكنية والتجارية عبر شبكات التصريف باتجاه محطة المعالجة في حي الشيخ عجلين.
كما يتسبب أيضًا بتقلص استخراج المياه الجوفية من الآبار، ويعوق تشغيل المعدات اللازمة لضخ المياه من خلال الشبكة، ومنها إلى خزانات المياه على أسطح المنازل بسبب انخفاض الضغط، وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون المدنية (أوتشا).
ويُستعمل الماء المنقول عبر شبكات البلديات في معظمه لأغراض منزلية أخرى غير الشرب والطهو لأنه يحتوي على نسبة عالية من الملوحة بسبب الاستخراج الجائر من الخزان الجوفي في غزة، والذي يُعَدّ المصدر الوحيد للمياه الطبيعية.
ويتخوف مختصون من أن يتسبب انقطاع التيار الكهربائي بتوقف عمل محطات التحلية المقدّر عددها بـ (97 محطة) في قطاع غزة ويعمل فيها (320) عاملا فلسطينيًا.
وحتى لحظة كتابة هذا التقرير لم ترد أيّة معلومات عن إمكانية تقديم الاحتلال الإسرائيلي أيّة تسهيلات لإدخال الوقود رغم كل التحذيرات التي أعلن عنها القطاع الصحي وشركة كهرباء غزة.