خريجو كليات الإعلام يبحثون عن حقهم في العمل

في اليوم العالمي لحرية الصحافة

خريجو كليات الإعلام يبحثون عن حقهم في العمل

يُصادف الثالث من أيار/ مايو اليوم العالمي لحرية الصحافة، إنه يوم كفيل بفتح الباب على الانتهاكات التي تُمارَس ضدّ الصحفيين/ات الفلسطينيين/ات، في سبيل نقل رسائلهم إلى العالم. ومع هذا إلا أن هؤلاء الصحفيين/ات يُغبطون على تمتعهم بالعمل، مقابل آلاف الخريجين/ت من كليات الإعلام الذين لم يحظوا على فرصة عمل واحدة بسبب البطالة ومحدودية الشواغر الحكومية، فضلاً عن تحديات التمويل التي تواجهها المؤسسات الإعلامية المحلية.

وتغفل عمليات التوثيق لواقع الصحافة والإعلام في الأراضي الفلسطينية التي تنحصر غالبا بالانتهاكات، ما يتعرض له زهاء (2500) خريج/ـة من كليات الإعلام في قطاع غزة سنويًا، يُواجهون خطر البطالة أو الاستغلال على بند التدريب أو التطوع في المؤسسات المحلية، وفق إفادات نقابية.

ووفق دراسة محلية عن أعداد الخريجين من الصحافة في فلسطين خلال العام 2021، فقد بلغ عدد خريجي الماجستير 21 طالباً وطالبة، أما البكالوريوس فوصل عدد الخريجين إلى 1528 طالباً وطالبة، أما الدبلوم بلغ عدد الخريجين فيه 25 طالباً وطالبة في قطاع غزة.

هذا العدد من الخريجين/ات، يعكس شكل المستقبل المجهول الذي يواجهه هؤلاء، تماماً مثلما يواجه زملاؤهم في الميدان أخطاراً كبيرة قد تزهق أرواحهم. وبين المستقبل المجهول وإزهاق الأرواح، تطرح الكثير من الأسئلة حول واقع الإعلاميين/ات والصحفيين/ات في الأراضي الفلسطينية بما فيهم الخريجين، والدور المبذول تجاه حمايتهم وتوفير فرص عمل لهم، وضمان بيئة إعلامية حرة. 

وينصّ إعلان "ويندهوك" التاريخي الذي تحدَد على إثره تاريخ الثالث من أيار/1991 يومًا لحرية الصحافة، على أنّه لا يمكن تحقيق الحرية إلا من خلال ضمان بيئة إعلامية حرّة ومستقلة وقائمة على التعدّدية، وهو شرطٌ مُسبَق لضمان أمن الصحفيين أثناء تأدية مهامهم. 

واحدة من أهم التحديات التي يُواجهها خريجو الصحافة يُلاقيها محمد أسامة (27 عامًا) من خلال تنقله بين عدد من المؤسسات الصحفية، يقول، "يريدون شخصاً واحدا أشبه بالجوكر، يعمل في الكتابة والتحرير والتصوير والتصميم مجانًا أو بعائدٍ مادي لا يتعدى 100 دولار".

وأردف الخريج محمد في حديثه لـ "آخر قصّة"، "المؤسسات تستغل حاجة الخريج وتعتمد عليه كليًا، نحن بحاجة لمؤسسات تعمل على تدريبنا بكفاءة ونفتقد ذلك مما يجعل من الصعب علينا تطوير وتحسين مهاراتنا الصحفية".

أما زميلته مريم حمادة (26 عامًا) التي تطوعت لثلاث سنوات في مؤسسةٍ صحفية حكومية، وعلى الرغم من استفادتها من التجربة التي صقلت شخصيتها وساعدتها على الاندماج في سوق العمل حسبما أوضحت، إلا أنّها تقول: "كانت تجربة ثرية لكنها ليست وردية البتة، كنت أعاني نفسيًا في التفكير من أنني متطوعة بلا حقوق".

وعن صراعها خلال السنوات الثلاث تلك في تمكين نفسها داخل المؤسسة، تحدثت مريم، "واجهت استنزافًا كبيرًا للقدرات والأفكار من أجل إثبات الذات، وكان ذلك على حساب وضعي والنفسي والاقتصادي، وبخاصة أنني تكبدت عناء تكاليف المواصلات اليومية ذهاباً وإياباً".

واتفق نائب نقيب نقابة الصحفيين تحسين الأسطل مع كلٍ من الخريجين "محمد ومريم" على أنّ واقع غزة يُظهِر استغلالاً واضحاً للخريجين/ات تحت بند التدريب، وقال: "إنّ فترة التدريب القانونية تمتد من 3-4 شهور، وما بعد ذلك بساعةٍ واحدة يجب أن يكون موضحًا بعقدٍ رسمي بين الخريج والمؤسسة حول طبيعة العلاقة".

في المقابل، يطرح سؤال نفسه: هل يوجد في القانون الفلسطيني ما يضمن حقوق الصحفيين/ات؟. وهنا يُجيب المحامي عبد الله شرشرة مدير الوحدة القانونية في مؤسسة بيت الصحافة: "القانون الفلسطيني المتعلق بالصحافة خاص بالمطبوعات والنشر ويتطرق لحقوق الصحفيين في بعض مواده لكنه لا يحمي الموظفين الصحفيين".

وأوضح شرشرة في حديثه لـ "آخر قصة"، أن القانون لم يُنظم مسألة التطوع والمتدربين/ات الصحفيين/ات من جانب الأجور وتغطية تكاليف المواصلات، مشيراً إلى أنّ القانون لم يتضمن أيّة آلية تتعلق بالحدّ الأدنى للأجور؛ "لذلك هناك العديد من الصحفيين/ات لا يحصلون على رواتبهم بانتظام ويتلقون أجورًا زهيدة" حسبما قال.

وأضاف المحامي شرشرة، "للأسف جميع النصوص القانونية غير منسجمة مع بعضها بعضًا؛ ما يتسبب في عدم حصول الصحفيين على حقوقهم بشكلٍ قانوني يتفق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان".

وفي استطلاعٍ للرأي أجرته "آخر قصّة" لعددٍ من خريجي/ات الصحافة والإعلام والتخصصات ذات الصلّة، اتضح أنَّ الكثير من الخريجين/ات يُعانون في سبيل الحصول على فرصةٍ للتدريب في المؤسسات الإعلامية في ظلّ ارتفاع معدل البطالة. 

وفي سؤالنا لنائب نقيب نقابة الصحفيين، حول مؤشر البطالة بين الصحفيين/ات وخريجي كليات وأقسام الإعلام بقطاع غزة، قال "يُعاني القطاع اكتظاظاً في صفوف العاطلين عن العمل في غزة عامة وفي مجال الإعلام خاصّة إذ قُدِّرت نسبة البطالة فيه بـ 90%، وهو معدل مرتفع للغاية ويترتب عليه ضرورة وضع استراتيجية واضحة لتقنينه".

وأشار الأسطل إلى أن الاستراتيجية يجب أنّ تكون مبنية على تقنين الكمّ الكبير من الخريجين/ات الصحفيين/ات، وبخاصّة أنه يرى أن البرامج الإعلامية المطروحة في الجامعات "غير مهنية ولا تراعي حاجة السوق كما أنّ الهدف منها ربح مالي فقط"، حسبما قال.

ووجه نائب نقيب الصحفيين تساؤلات إلى من أسماهم أصحاب القرار: "من هو الصحفي؟ أين يذهب خريجو الإعلام والذي يقارب عددهم 2500 خريج سنوياً؟ ما هي الفرص المتاحة لهم؟ هل يوجد في مؤسساتنا الإعلامية 2500 وظيفة يمكن الاستفادة منها للخريج؟". 

في المقابل وعلى نحوٍ متناقض، قال مدير عام التعليم العالي في غزة علي أبو سعدة، إنّه يوجد استراتيجية لكل التخصصات وهناك ضبطًا لأعداد الخريجين مع ما يُناسب احتياجات سوق العمل.

وأشار أبو سعدة في سياق حديثه مع "آخر قصة"، إلى عدم إمكانية تقنين أعداد الطلبة الجدد في تخصصات الإعلام، مبينًا أن سوق العمل مفتوح وأنّهم يدعمون التخصصات المهنية والتقنية التي تعتمد على العمل الحر كل عام، مُتجاهلًا الإحصاءات التي تظهِر الارتفاع الحادّ لمعدل البطالة في صفوف خريجي/ات كليات وأقسام الصحافة والإعلام بقطاع غزة!. 

يتضح من هذا أنّ تطبيق استراتيجية تُعين السوق على استيعاب الصحفيين/ات الجدد هو أمر أبعد ما يكون عن التطبيق الفعلي، وهذا يعني أننا سنكون على الأقل بعد خمس سنوات أمام أكثر 12 ألف خريج عاطل عن العمل في مجال الإعلام وحده، ما لم تُعد الجهات المسؤولة النظر في رؤيتها تجاه الفهم الحقيقي لاحتياجات سوق العمل.