تعرفوا على ملامح حرية الزوجة داخل العائلة 

تعرفوا على ملامح حرية الزوجة داخل العائلة 

عن أحلامهن المكبوتة، عن خصوصيتهن الضائعة، عن استقلاليتهن الواهمة، نساء تحدثن عن زواجهن واضطرارهن للسكن في بيت العائلة، إحداهن قالت، "بحس إنّي ضيّعت أحلى فترة بحياتي، كبرت سنين بعمر العشرين، لا بعرف ألبس براحتي ولا اتمكيج"، وأخرى "الشغل 24 ساعة ولما تيجي أخته المتزوجة وأولادها بتكون نظرتهم إني خدامة البيت".

حرية المرأة في بيت العائلة أو خط الدخان الذي تقول الكنائن أنّهن يُطاردنه في بيت الحما، فالكثير منهن تحمل في خلدها أحلاماً ورديّة عن الزواج والحب والعائلة وتجربة الأمومة الأولى، وما أن تسكن في غرفة داخل بيت العائلة مع أهل الزوج تجدها تصطدم بالواقع بعدما أدركت أنّها مواطن درجة ثانية لا يملك الكثير من حقوق اتخاذ القرارات، حسب تعابير الكثير منهن.

أمل (29 عامًا) التي فقدت أملها في بيتٍ مستقل وتشوهت أمامها صورة العائلة الصغيرة المتحابة والزوجين المتوافقين، بعدما فرضت عليها ظروف زوجها الاقتصادية السكن في غرفة داخل بيت حماها، تقول، "سبع سنوات من "حاضر ونعم"، لم نحرك ساكنًا، رغم أنّ زوجي موظف يتقاضى راتب جيد لكن والده يأخذه ويهبه مصروف، وعندما اعترض قالوا زوجتك سحرتك وغيّرتك لم يفهموا أنّ الانسان وأنا طاقتي فرغت".

"أول درس تتعلمينه في بيت الحما ألا تقولي "لا"، فالاعتراض ممنوع والسمع والطاعة قانون"، قالت أمل، التي وجدت من الصعب وصف شكل إقامتها في بيت أهلِ زوجها، وأردفت، "الأكل على ذوقهم، اللبس باختيارهم، الخروج من البيت برضاهم، استقبال الضيوف بعلمهم، وهكذا حتى تلغى شخصيتك وحضورك".

ما أصعب موقف واجهتيه في بيت العائلة؟ أجابت أمل "آخر قصّة" ساخرة، "إذا لم يحدث موقف اليوم، يحدث غدًا، بعد ساعة، بعد ساعتين، وهكذا دواليك، فالسكن في بيت الحما كالقنبلة الموقوتة لكن هناك موقف مررتُ به قبل 6 سنوات لا أستطيع نسيانه حتى اليوم وما زال تأثيره النفسي عليّ كبير".

كانت أمل قد أنجبت طفلها الأول بولادة قيصرية وبعد مرور نحو ثمانية أيام اختلطت فيها مشاعر الألم والعملية الجراحية مع الإنجاب وتجربة الأمومة ووجود الطفل في حياتها، جاءتها حماتها تناديها لمساعدتها في إعداد أكلة "فطائر السبانخ"، فذهبت وجلست على كرسي بينما حماتها تجلس أرضًا وهنا تفجرت مشكلة من حماها الذي قالت أنّه يتدخل في أدنى تفاصيلهم.

ربما أكثر ما آلم أمل هو عدم تقدير أهل زوجها لوضعها الصحيّ وطبيعة التجربة التي تمر بها لأول مرة من تحمل مسؤولية الطفل، رغم إثبات الدراسات العلميّة أنّ الصحة النفسيّة للأم المُرضِع تُعكَس إيجابًا أو سلبًا على صغيرها إذ ترتبط بالغدّة النخامية في الدماغ التي تشمل كافة هرمونات الجسم.

إلى أيّ حدّ تُشكِّل عدم الاستقلالية ضغط نفسي على الزوجة التي تعيش في بيتٍ مشترك مع أهل زوجها، خاصّة عندما تُمارِس العائلة دور سلطوي على الكنّة؟ تُشير المختصة الاجتماعية نسرين بشيت، إلى أنَّ الزوجة تتضرر كثيرًا عندما ترى الحياة كئيبة وتشعر بالعجز وعدم القدرة، وقد ترفض استقبال ضيوف فهي لا تملك شيء في البيت وحياتها الاجتماعية لا تسمح لها بذلك، فتقاطع الناس وتنحسر علاقاتها على علاقات أهل زوجها وتُفضل العزلة في غرفتها، بينما تُفرِغ ضغوطها في أبنائها".

هذا ما أكّدته نغم (27 عامًا) التي تعمل معلمة بعقدٍ مؤقت في مدارس وكالة غوث اللاجئين "الأونروا"، وتقطن وزوجها وابنها في غرفة ضيقة داخل بيت حماها دون توفر حمام شخصي للغرفة، فتواجه الكثير من المشكلات بأبسط حقوقها وتعكس الكثير منها على سلوكياتها مع ابنها، كما تقول.

"قيود كبيرة لدرجة ما بقدر أضحك براحتي، غير التعب والارهاق والمشاكل بيني وبين حماتي فهي فضولية جدًا بطبعها ودائمًا ما تضعني تحت المراقبة على تصرفاتي وكلامي وأفعالي، ومنذ أن أصبحت معلمة لم يهدأ لها بال، فأنا في نظرها فتاة فاشلة لا تصلح إلا للخدمة رغم أنّها تؤول عليّ القصص أنّي لا أشاركهم الأعمال في البيت"، قالت نغم لـ "آخر قصّة".

تصف البيت أنّه "خالٍ من الراحة"، وتقول، "أقضي وقتي فيه كعاملة تنظيف ولبسي المعتاد هو ملابس الصلاة الفضفاضة" ففي الكثير من بيوت غزة اعتادت النساء على استخدام "غطاء الصلاة" كزيّ شائع في البيت أمام الرجال من غير المحارم، وبما أنَّ الكنة تقطن غالبًا في ظلّ وجود الأسلاف فهي مُضطرة لارتدائه معظم الوقت، في المطبخ، الصالون، وحتى في غرفة نومها، فقد أصبح جزءًا من تفاصيلها اليومية.

ونغم واحدة من عشرات بل مئات النساء اللواتي اضطرتهن الظروف الاقتصادية للسكن في بيت عائلة الزوج، فقد أفاد الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2022، بأنّ ما يزيد عن 71% من الأسر في قطاعِ غزة تسكن في مساكن ملك لأحد أفراد الأسرة التي يُقيمون فيها.

ويُعاني الكثير من الشبان في غزة ظروفًا اقتصادية سيئة فما أن يصل الشاب العمر الافتراضي للزواج يجد نفسه لا يستطيع بناء بيت بسبب تكلفة ارتفاع مواد البناء، فالكثير يتزوجون في بيوت مُستأجرة، وفقًا لما أشارت إليه المختصة الاجتماعية نسرين بشيت التي قالت إنهم يُكابدون لدفع الإيجار بسبب أزمة تقليص الرواتب فيضطرون للعودة والسكن في غرفة داخل بيت الأهل.

وبطبيعة الحال فإنّ قطاع غزة تتكالب عليه الظروف من أوضاع سياسية متأرجحة تتسبب في عدوانات إسرائيلية متكررة على القطاع ينتج عنها ارتفاع أسعار مواد البناء بعد قصف الكثير من المنشآت، إضافة إلى ذلك يُعاني قطاع الموظفين سواء كانوا يتقاضون رواتبهم من سلطة رام الله أو حكومة غزة ظروفًا مترديّة بسبب تقليص الأخيرة منهم والخصومات الواقعة على الفريق الأول نتيجة تجاذبات سياسية مختلفة.

كل تلك الظروف تتداخل بشكلٍ أو بآخر لتُشكِّل عوامل تقييد على حريات النساء في تكوين أسرة مستقلة، تقول المختارة فاتن حرب، التي واجهت الكثير من المشكلات العائلية إزاء عملها وصل الكثير منها إلى الطلاق، "الزوج لا يستطيع اتخاذ قرار حاسم بالاستقلال عن بيت أهله بسبب وضعه المادي وهناك الكثير من النساء لا يحتملن المعيشة داخل بيت الحما وتصل قضياهم للهجر والطلاق وتشتت الأسر".

من هؤلاء كان حسام (35 عام) الذي تزوج مرتين وخطب مرة وباءت محاولاته الثلاث بالطلاق بسبب تدخلات والدته، حسبما قال، وأضاف، "تزوجت أول مرة من فتاة توظفت معلمة خلال زواجنا وهنا تفاقمت مشكلاتها مع أمي التي رأتها مقصرة في البيت والأولاد بعدها أصبحت تخرج كل يوم للعمل، فلم يستمر زواجنا 6 سنوات حتى طالبت زوجتي بالطلاق".

كانت تدخلات والدة حسام تصل إلى تفاصيل تتعلق بتربية الأبناء على اعتبار أنّها جدتهم ومن حقها البت في مأكلهم ومشربهم وملبسهم، وهو ما أشار إليه المختص التربوي أدهم البعلوجي، الذي قال إنّ من أبرز مشكلات العيش في بيت العائلة هو اقحام أهل الزوج آرائهم الكنة نفسها وفي تربية أولادهم وزوجاتهم لأبنائهم.

وقال البعلوجي في حديثٍ لـ "آخر قصّة"، "تجد المرأة وزوجها أنفسهم ليسوا الوحيدين المتحكمين في تربية الأبناء فهناك الجد والجدة والعمات والأعمام، ما يعني ضعف في إمكانية ممارسة الأم لأدبيات التربية الخاصة بها على أبنائها ومنا هنا تتفق المشكلات ويتعرض الأطفال لسلوكيات متناقضة ومُتعارِضة تجعلهم يضطربون".

وبالعودة لحسام الذي وصف شخصية أمه وهي أيضًا معلمة "هذه هي طبيعتها ونحن في البيت تعودنا ألا نعترض على قرارتها في أيّ شيء حتى لو كان خطأ"، وهكذا لم تحتمل زوجته الأخرى طِباع والدته وخلال 9 شهور طلبت الطلاق، وأما محاولته الثالثة، يقول، "كنت متفق مع أهلي أن أسكن في بيت مستأجر وبناءً على ذلك خطبت فتاة لكن والدتي رفضت فقررت فسخ الخطبة قبل إتمام الزفاف".

وربما تُثير تجربة حسام في الزواج طرح تساؤل عن رأي الشرع في هذه القضية في مجتمعٍ يحتكم للمعايير الدينية إلى حدٍ ما، تقول الداعية شيماء علي، إنّ نصوص الدين واضحة فيما يتعلق ببرّ الوالدين لكنها أيضًا منصفة تجاه الزوجة وعلى الرجل أن يكون عادلاً منفقًا ومحسنًا لزوجته، ومن حقها أن يوفر لها مسكن مستقل وألا يُلزمها قبول السكن مع أهله.

وماذا عن وجوب طاعة الزوجة لأهل زوجها وخدمتهم؟، تُجيب علي، "لا يجب على المرأة خدمة أهل زوجها لكن إنّ تفضلت بذلك فهو من الإحسان الذي تُشكَر عليه، ولا يجب على الزوجة الإقامة مع أهل زوجها وإذا امتنعت فلا يجوز إجبارها قسرًا وليس في الأمر عقوق والدين لكن عليه أن يبرهما بما يقدر عليه ويحسن إليها بما يستطيع".

قد تجهل الكثير من العائلات لنصوص الشرع وتقع ضحية عادات وتقاليد مجتمعية بالية تتعامل مع المرأة كأداة لا شخصية لها ولا رأي؛ ما يتسبب في تفكك الكثير من الأسر وارتفاع حالات الطلاق وتزايد المشاكل الأسرية والاجتماعية.