تجتمع أسرة أم أمين المُكونة من (9 أفراد) في بيتٍ لا يصلح للعيش الآدمي على مائدة الإفطار الرمضانية الأرضية التي تضيق بهم وتتسع لطبق الفول، كطبقٍ رئيسي ووحيد.
وقد يبدو طبق الفول صحياً ومتكامل العناصر وسريع التحضير لمُتَبِعي الحميات الغذائية، لكنه ليس الخيار الأمثل لعائلة السيدة أم أمين وأبنائها التي تُعاني ظروفًا اقتصاديّة سيئة ونادرًا ما تجتمع على مائدة واحدة.
وإذا فكرت هذه السيّدة بتنويع وجبات الطعام في شهر رمضان فهي ما بين وجبات المعلّبات أو وجبة مقالي البطاطس والباذنجان ومقلى البندورة الفلسطينية الشهيرة بجانبها قرون الفلفل الأخضر كطبق رئيسي في حال كانت الخضار زهيدة الثمن في السوق.
تقول أم أمين لـ "آخر قصّة": "تجمعنا مائدة رمضان مثل أيّ عائلة غزية على غير أي وقت في العام، فزوجي يعمل في حراسة أرض جيراننا من الصباح وحتى ساعات الليل، وكذلك أبنائي الشباب يخرجون فجرًا ويعودون مساءً بحثاً عن لقمة العيش".
أما في رمضان تلتف أسرة أم أمين على مائدة واحدة خالية من الأصناف، ويقول ابنها: "نظلّ نتابع الشاشات التي تتسابق على تقديم أشهى الأطباق الرمضانية وما يُزينها بما غلا ثمنه وعزّ اقتناؤه، فيبقى منظر اللحم الشهي يراودني في أحلامي حتى أستيقظ على طبق الفول".
وعلب الفول هي واحدة من مواد التموين ضمن المساعدات الإنسانية "كبونات" التي يستلمها اللاجئون الفلسطينيون من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين حيث يتواجد جزءٌ منهم في قطاع غزة ويتوزعون على ثمانية مخيمات في مجمل محافظات القطاع.
وكانت أشارت الأونروا في إحصاءاتٍ لها إلى أنَّ 81.8% من الأفراد في غزة، 71% بالمئة منهم من لاجئي فلسطين، يعيشون تحت خط الفقر الوطني، ويعاني 64% من انعدام الأمن الغذائي.
تُحضِر السيدة أم كريم الطعام على مرقة أرجل الدجاج ليُضيف نكهةً تُشبه طعم الدجاج لمأكولات شهر رمضان، وتقول: "لا نستطيع شراء اللحم أو الدجاج؛ لذا أحضر من بائع الدواجن أرجل وظهور دجاج حتى يتوقف أبنائي عن الشكوى من أن الوجبات بلا طعم أو نكهة".
وتضيف في حديثٍ لـ "آخر قصّة": "لو كان الأمر بيدي لاشتريت لهم جميع الأصناف التي يشتهونها، لكن الوضع تغير في بيتنا، كان زوجي محاضراً بالجامعة ويُحصل دخل معقول، أما الآن مع إصابته بمرض القلب والمضاعفات التي حدثت له اضطر للتوقف عن العمل، وليس لدينا دخل آخر".
ويؤكد بائع الدواجن العمّ أبو إسماعيل أنّ أم كريم ليست الحالة الوحيدة التي تشتري بقايا الدجاج ويقول: "بالفعل يأتي بعض الزبائن على المحل لأخذ المتبقي من أرجل الدجاج أو شراء كمية من ظهور الدجاج بمبلغ زهيد، ويحدث ذلك الأمر طوال العام لكنه يزداد بشكل ملحوظ خلال شهر رمضان".
وعلى الرغم من اكتظاظ الأسواق الغزيّة بمختلف أصناف البضائع في شهر رمضان، من مواد أساسية ومواد غذائية كالأجبان والألبان ومُعلّبات وتمور وفواكه مُجففة ومخللات وحلويّات، إلى جانب الزينة الرمضانيّة، إلا أنّ حركة البيع ضعيفة، بجانب ازدياد تعامل الزبائن بالديون بدلاً من الدفع الفوري. وفقًا لتاجر المواد الغذائية أبو فادي الحلو.
يتقاطع ما أشار إليه الحلو مع ما يُوضحه الخبير الاقتصادي مازن العجلة بأنَّ الوضع الاقتصادي بغزة هذا العام في غاية التعقيد، ورغم أنَّ الغلاء يجتاح غزة منذ سنين طويلة لكنه هذا العام أشدَّ وأعقد فلا يقتصر الغلاء على المنتجات الكمالية بل طال المستلزمات الأساسية أيّضًا.
وقال العجلة لـ "آخر قصَّة"، "ما يدفع المواطنين لتناول الأطباق البسيطة زهيدة السعر في رمضان، هو ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية في شهر رمضان من كل عام، بينما حلّ رمضان هذا العام والأسعار مرتفعة من الأساس".
وارتفعت الأسعار هذا العام نتيجة الضرائب الجديدة التي فرضتها الحكومة على السلع بمختلف أنواعها، وخاصّة الزيوت والقمح والدقيق، بسبب أزمة الحرب الروسية الأوكرانية، بحسب العجلة، الذي أشار إلى الأسعار ظلّت محافظة على ارتفاعها ولم تنخفض أسوةً بالانخفاض الحاصل عالمياً.
وتُشير نسبة الفقر في قطاع غزة المُقدّرة بـ 65%، وفقًا للعجلة، إلى أنّ كل هؤلاء الفقراء لا طاقة لهم للشراء وتنويع أصناف الطعام والتفنن بأنواعها، فقد أصبح شراء السلع عامّةً والمواد الغذائية خاصّةً عبئاً يُثقل كاهل المواطن الغزي.
وفي إجماله لمستقبل واقع قطاع غزة القريب، قال الخبير الاقتصادي: "لا يمكننا توقع الأسوأ لأنه بالفعل حدث، واقع مرير يحاوط غزة، أزمات اقتصادية متتالية بدايةً من خصم الرواتب وقطعها، واشتداد الحصار، مروراً بارتفاع معدل البطالة وتدني الأجور وازدياد جشع التجار، وانتهاءً بارتفاع نسب الفقر المدقع والضرائب والانهيارات المالية".