يعيش قطاع غزة تحت الظلام، ليس فقط بسبب القصف الذي يمزق سماءه ليلة السادس عشر من رمضان، ولكن أيضًا بسبب انقطاع التيار الكهربائي الذي يدوم منذ سنوات.
مع بداية شهر رمضان، كان هناك بعض الأمل في قلوب الناس الذين يزيد عددهم عن 2 مليون مواطن غزي، فقد شعروا بأن هذا الشهر المبارك سيجلب لهم السلام والنور، لاسيما مع التحسن التدريجي لحركة الأسواق المحلية.
مساء الخميس (15 رمضان) كانت غالبية الأسر تزور أقاربها، وآخرون في الأسواق وفريق ثالث في المطاعم والمقاهي المطلة على شاطئ البحر، وعندما بدأت الطائرات الإسرائيلية القصف على القطاع تدافع الناس عائدين إلى مساكنهم.
ظلام دامس يخيم على غالبية محافظات القطاع، يتحدث الجميع بصوت خافت ترقباً لسماع أصوات القذائف.
وبينما كان شريف عبد الواحد (35 عاماً) يجلس بالقرب من النافذة متفقداً مجموعات واتساب الإخبارية لمتابعة مجريات العدوان، كان في الركن الآخر من البيت أطفاله الثلاثة يحتضنون بعضهم البعض وهم يحاولون النوم.
بين الحين والآخر، كان القصف يتجدد، وتسقط القذائف، بينما يحاول عبد الواحد تفقد أطفاله ومعه زوجته التي ارتدت غطاء رأس، تحسباً من عمليات إخلاء مفاجئة للمسكن.
وفي غمرة القلق الذي يسيطر على غالبية سكان القطاع، كان هناك شيئا ملهمًا، وهو كيفية تعامل الأطفال مع الأمر. فعلى الرغم من كونهم في أحد أخطر المواقف التي يمكن أن يعيشوا فيها، فإنهم كانوا يعرفون كيفية التعامل معها بشجاعة، يقول عبد الواحد.
على مائدة السحور، اجتمع أطفال عبد الواحد متناسين الأجواء المشحونة، وتحدثوا عن العيد وتحضيراته، وكأنهم يستعيدون ثقتهم في الحياة بعد كل قصف.
كان الأطفال يخلقون طقوسًا خاصة بهم، يتحدثون بصوت منخفض تاركين مساحةً من الهدوء لأبيهم الذي يتابع الأخبار عن كثب، وهم يحكون القصص والأحلام التي يريدون تحقيقها عندما ينتهي العدوان.
يأتي هذا التصعيد بعد يومين من يوم الطفل الفلسطيني الذي يصادف الخامس من إبريل من كل عام. وتشير التقديرات الإحصائية الصادرة عن المركز الفلسطيني للإحصاء إلى أن الأطفال يشكلون ما نسبته 47% من سكان قطاع غزة.
ووفقا لبيان الجهاز المركز للإحصاء الفلسطيني، فقد ارتقى خلال عام 2021، 56 طفلاً شهيداً و17 طفلاً شهيداً حتى الأول من نيسان من العام الجاري في الأراضي الفلسطينية.
يسأل أطفال أسرة عبد الواحد أبيهم، عما إذا كان هناك أنباء عن قرب وقف العدوان، غير أن الأب لا يملك إجابة، لاسيما أنه لا حديث إلى الآن عن وساطات خارجية تضمن عودة الأمر إلى نصابها السابق بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية.
والتزم المسحراتي خالد ياسين بيته ولم يخرج إلى أداء مهمته الليلية التي اعتادها منذ مطلع شهر رمضان، وقال الرجل إنه لم يخرج من البيت خشية من تعريض حياته للخطر في التجول ليلاً بين المساكن.
وأضاف ياسين (27 عاماً) اعتقد أن غالبية السكان لم يناموا هذه الليلة بسبب التوترات العسكرية الحاصلة.
وفي اللحظة التي تجدد فيها القصف قبل موعد الإمساك، عاد أطفال "عبد الواحد" إلى غرفتهم يحتضنون بعضهم البعض، ووضعوا رؤوسهم على الوسائد مخبئين أحلامهم طمعاً في صباح هادئ.