في تمام الساعة الثانية بعد منتصف الليل، أبدأ بتحضير نفسي فأرتدي السترة والكوفية الفلسطينية، والسروال وأتخصر بالحزام (الشداد)، ثم أضع على رأسي الطربوش الأحمر وأنطلق إلى عملي في إيقاظ النّاس لتناول وجبة السحور بالدق على الطبول، أنا المسحراتي إبراهيم القريناوي من مخيم البريج وسط قطاع غزة.
على مدار عشرة سنوات قضيتها في العمل كمسحراتي اعتاد الناس في هذا المخيم على صوتي لإيقاظهم في رمضان، على وقع موال "اصحى يا نايم وحد الدايم، رمضان كريم" بصوتٍ رنان يعود صداه في الأزقة النائمة، فأقطع مسافة تزيد عن 7 كيلو مترًا سيّرًا على الأقدام في الحيّ الذي أقطنه ومحيطه.
أحب هذا العمل وأشعر أنّي أقوم بإحياء عادة من التراث التاريخي الإسلامي التي ظلّت إلى اليوم ولم تندثر في كافة دول بلاد الشام والمغرب العربي، كما أرى أنّها تمتاز ببهجتها الخاصّة كعادةٍ رمضانية قديمة تعود في ذاكرة المسلمين إلى الحارات المترابطة الدافئة كما صوّر لنا مسلسل باب الحارة الشامي.
خلال عملي، أستشعر محبّة الناس خلال عملي بشكلٍ مباشر فأرى الرجال يرسلون التحايا من نوافذ شققهم، ويلتقطون مقاطع الفيديو القصيرة، فيما يرافقني أطفالهم مع فوانيسهم في مشواري بالطبل والنشيد وترديد المدائح النبوية والابتهالات الدينية في رحلةٍ روحانية قصيرة وممتعة.
وفي العيد أزور الشوارع التي قضيت 30 يومًا في جوبها ليلًا مرتديًا ذات الملابس، فيما يحتفي بي الأطفال وهم يرتدون ملابس العيد الملونة والزاهية ويقدمون لي العيديات في سعادةٍ تغمر الأحياء والناس.