تشهد البضائع التجارية في شهر رمضان من كل عام ارتفاعاً ملحوظاً بالأسعار لاسيما أسعار الملابس، وفق ما أفاد به مختصون، ويتسبب ذلك في إرهاق المواطنين اقتصاديًا؛ ما يجعل البعض يضطرون لاقتناء ملابس العيد قبل دخول شهر رمضان.
السيدة سميرة إبراهيم (40 عاماً) هي واحدة من النساء اللواتي فضلن شراء كسوة العيد لأبنائها الأربعة قبل دخول شهر رمضان حتى تقي نفسها من غلاء الأسعار.
تقول سميرة وهي سيّدة مُطلقة وتعمل موظفة في القطاع الحكومي لـ "آخر قصة": "بعد طلاقي أصبح راتبي المحدود هو العائل الوحيد لأسرتي وأبنائي، لم أكن أهتم لتوقيت شراء ملابس العيد لأبنائي قبل ذلك، لكن عندما لاحظت ارتفاع جنوني في أسعار البضائع خاصّة في رمضان قد يكلفني كل راتبي لكسوة العيد، بات قرار شراء الملابس قبل رمضان هو الأنسب لي".
تشير السيدة إلى أن استمرار المواطنين بقبول شراء الملبوسات رغم ارتفاع الأسعار، خلال موسم رمضان، يعطي مجالاً أكبر للتجار في الاستمرار برفع الأسعار، حسب قولها.
تفعل آمال سمير الشيء ذاته، حيث اقتطعت جزءا من راتب زوجها وهو موظف في القطاع الخاص، وقامت بشراء كسوة العيد لأطفالها الخمسة، قائلةً: "من يضمن.. تعودنا دائما أن يقوم التجار برفع الأسعار مع دخول موسم عيد الفطر (العشر الأواخر من رمضان)، وهو أمر يزيد من التكلفة الملقاة على عاتقنا كأسرة محدودة الدخل".
تصف آمال في الثلاثينات من عمرها، رفع قيمة أسعار الملبوسات خلال رمضان، بأنها محاولة لاستغلال حاجة الناس الذين يعانون الأمرين في ظل الحصار المفروض على القطاع للعام السادس عشر على التوالي.
في المقابل، تبرر منى أحمد وهي صاحبة متجر لبيع الملابس في مدينة غزة، ارتفاع أسعار الملابس التي جرى استيرادها استعدادا لموسم عيد الفطر، بالقول: "نستورد بضاعتنا من تركيا وبالفعل أسعار البضائع هذا العام ارتفعت بسبب ارتفاع سعرها في بلدها الأصلي، نتيجة انخفاض قيمة الليرة التركية، وارتفاع قيم الجمارك والضرائب التي تفرض علينا".
وعبرت أحمد عن استغرابها من نشاط حركة البيع قبل أيام من دخول شهر رمضان، مشيرة إلى أنه الحركة النشطة للسوق لم تكن معتادة في المواسم السابقة.
وتتنافى زيادة الأسعار استغلالاً لحاجة الناس، مع ما نصّ عليه قانون حماية المستهلك رقم (21) لسنة 2005، في المادة (2) والمادة (22) منه. وتقول المحامية ملاك السكني "التجار يتعمدون انتهاج سياسية إخفاء البضائع قبل رمضان من أجل استغلال حاجة السوق ورفع قيمتها خلال الموسم".
وأضافت السكني لـ "آخر قصّة"، "يخفي التجار في قطاع غزة البضائع قبل بدء شهر رمضان وخلال الأسابيع الأولى منه ثم يعرضونها بسعرٍ مرتفع قبل قدوم عيد الفطر بأيامٍ معدودة".
ونصّت المادة (2) على "ضرورة توفير السلع والخدمات ومنع الاستغلال والتلاعب في الأسعار"، فيما أشارت السكني إلى أنَّ القانون يحمي المواطنين من الوقوع ضحيةً لاستغلال التجار وتلاعبهم وذلك في المادة (22) التي تحظر امتناع التجار عن بيع سلعة أو تقديم خدمة للمستهلك دون سبب مشروع، كما يفرض القانون غرامة مالية قدرها خمسمائة دينار عقوبةً للمخالفين.
ومن الواضح، أن الغلاء طال سلع عديدة غير الملبوسات في السوق المحلي، وفق شكوى الكثير من المواطنين.
على ضوء ذلك، توجهت "آخر قصَّة" لمدير عام الإدارة العامة لحماية المستهلك بوزارة الاقتصاد الوطني في غزة عبد القادر بنات، لسؤاله حول إجراءات الوزارة لحماية المواطنين من الاستغلال والغش التجاري خلال شهر رمضان.
وأكّد بنات على أنّ حماية المستهلك ومحاربة الغش خلال شهر رمضان هي مهمة وزارته الأولى، وإن الوزارة لن تسمح بحدوث عمليات احتكار السلع واستغلال حاجة المواطنين.
وحول الإجراءات التي يتبعونها قال بنات: "نتابع بشكل دوري ومباشر المخزون السلعي في كافة المحافظات، ولا نكتفي بإصدار تعليمات للتجار وإلزامهم بها فحسب، بل نُشكِّل حملات تفتيش ورقابة على مدى تطبيق المحلات التجارية والأسواق وكذلك المولات لتعليمات الوزارة".
وفي حال ثبتت أي عملية احتكار أو غش تجاري واستغلال لحاجة المواطنين، فإن الوزارة تقوم باتخاذ الإجراءات اللازمة لمعاقبة المخالفين، وفقًا لبنات التي جاءت تصريحه بشكل يخالف واقع السوق الذي يعاني من رفع الأسعار، وفق إفادة عدد من المواطنين.
وفي تناقض لما أشار إليه مدير عام "حماية المستهلك"، وصف الخبير الاقتصادي مازن العجلة جهد دائرة حماية المستهلك بأنه غير فاعل، وبجانب تأكيده على التقصير الحكومي بما يخص الرقابة على الأسعار، فإنّه حمّل الحكومة مسؤولية رفع الأسعار.
وقال العجلة لـ "آخر قصَّة"، "الحكومة تتحمل ارتفاع الأسعار بعدما فرضت ضرائب جديدة على السلع بمختلف أنواعها..المشهد معقد بما يتعلق بالنشاط الاقتصادي، وحسب التجارب السابقة فإنٍّ وزارة الاقتصاد لن تستطيع القيام بعمل حقيقي وفاعل لخفض الأسعار".
وأعاد الخبير الاقتصادي السبب الرئيس لارتفاع الأسعار إلى ما وصفه، بجشع التجار واحتكارهم، مشيرًا إلى أنّ ذلك لم يكن ليحدث في حال كان هناك نظام مراقبة حقيقي وفعّال من قبل الجهات الحكومية، بالإضافة إلى ضعف القدرة الشرائية للمواطنين نتيجة عدم تناسب دخولهم مع المستوى المعيشي ومع أسعار السلع حتى قبل ارتفاعها، وفق قوله.
ويزيد هذا الأمر العبء على المواطن وعلى اقتصاد القطاع عامةً بحسب العجلة، الذي أفاد أنّ "زيادة الأسعار تنعكس سلباً على المواطنين والتجار على حدٍ سواء؛ ما يعني حدوث انخفاض في حجم المبيعات، وبالتالي اشتداد الأزمة المالية لدى التجار وعجزهم على دفع المستحقات المالية عليهم، ما يزيد ذلك من معدلات التضخم".
وكانت كلٍ من سلطة النقد والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني قد أصدروا تقريرين حول التنبؤات الاقتصادية للعام 2023، تضمنت التنبؤ بأهم المؤشرات الرئيسية في الاقتصاد الفلسطيني خلال العام 2023، واستمرار موجة التضخم العالمية، والتشدد في الأوضاع النقدية، وتفاقم المشاكل المتعلقة بسلاسل التوريد، خاصة من السلع الأولية والأساسية، جراء استمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
وتشير نتائج هذه التنبؤات إلى استمرار التباطؤ في أداء الاقتصاد الفلسطيني للعام الثاني على التوالي، مدفوعاً بتزايد حالة عدم اليقين الناتجة عن الوضع المالي للحكومة، والارتفاع الملحوظ في مستويات الأسعار المحلية، وتراجع القوة الشرائية للدخل الفردي.
وبالعودة للخبير الاقتصادي العجلة، فإنّ الحل الوحيد لعلاج أزمة ارتفاع الأسعار يكمن في تفعيل حملات التفتيش والرقابة الحكومية على الأسعار دوريًّا ومهنيًّا بعيداً عن الشعارات والتصريحات الصحفية، حسب تعبيره.
وقال العجلة، "أتعجب مما يصدر عن الوزارة من تصريحات حول الجهود المبذولة لخفض الأسعار، فإذا كانت هذه التصريحات حقيقة، لماذا لا تزال الأسعار في ارتفاع؟"، مؤكدا على ضرورة تعيين عدد أكبر من المفتشين للميدان التجاري، مبينًا أنّ عدد العاملين في تلك الدوائر لا يتناسب مع عدد المحال التجارية والأسواق داخل قطاع غزة.