ابتسامة واسعة ترتسم على وجه سلسبيل حسونة وهي تمسك بين يديها قطعة إكسسوار معدنية لخارطة فلسطين بعد ساعات من العمل عليها لتسليمها لإحدى الزبائن، فتجدها تتنقل بين كومة من الأوراق التي تحمل تصاميم معينة وبين أدواتها بعد انتظارها الطويل لعودة التيار الكهربائي بعد ثمانِ ساعات على انقطاعه.
تخرجت سلسبيل (23 عاماً) من كلية التمريض ونتيجة لعدم قدرتها المالية، لم تُمكّنِها من استلام شهادتها الجامعية وبذلك لم تستطع الحصول على فرص عمل تتلاءم مع دراستها الجامعية، فاضطرت للبحث عن فرص أخرى عبر الانترنت هربًا من الوقوع بين فكيّ البطالة التي تجاوز م عدلها 45% في قطاع غزة، واستثمرت الفتاة وقتها بالحصول على تدريب على (صياغة المعادن الثمينة)، الأمر الذي فتح أمامها باباً جديداً للعمل والإبداع.
تقول حسونة في حديثٍ لـ "آخر قصة"، "انتقلتُ بتلك الدورة التدريبية من استعمال الأدوات الطبية كالإبر وموازين الحرارة في تخصصي الطبي إلى استخدام أدوات أكثر خشونة "كالمقدح" والمنشار وهي الأدوات الأساسية المستخدمة في صناعة الاكسسوارات اليدوية التي تعتمد على تفريغ ونشر المعادن كالفضة والنحاس والألمونيوم".
وحول صعوبة استخدام هذه الأدوات على فتاة في مطلع العشرين، قالت: "تخطيت رهبة استخدام الأدوات الحادة بعد دخولي قسم التمريض فأصبحت لدي الشجاعة على التعامل مع كل الأدوات دون رهبة خاصة بعد التدرب الطويل عليها وشعوري بالاستمتاع عند استخدامها".
وقررت الشابة العشرينية على إثر هذا التدريب الذي امتد لـ 7 شهور افتتاح مشروعها الخاص الذي أطلقت عليه اسم "جولدن سلسبيلا"؛ لتصبح بعده قادرة على الاعتماد على نفسها وفتح باب رزق يُمكّنها من إعالة نفسها كما ساعدها على تسديد رسومها الجامعية واستخراج شهادتها.
تصف سلسلبيل مشغلها بـ"غرفة العمليات" وعنها تقول: "داخل غرفة في منزلي مخصصة للعمل أقضي معظم الوقت لصنع قطع جميلة تتزين سيدات المجتمع وتتباهى بها، وأكثر ما يشجعني على هذا العمل هو عائلتي التي تهتم بالفن لاسيما التطريز وتشارك في الكثير من المعارض الخاصّة به".
وتمر عملية صناعة قطعة اكسسوار معدنية بعدة مراحل تبدأ بطلب الزبون تصميما معينا، يرسمه خطاط معين ويسلمه إلى سلسبيل التي بدورها تحول التصميم إلى قطعة معدنية من نحاس أو فضة.
تخطّت الشابة مخاوف البدايات وأسست اسمها وكوّنت زبائن دائمين خلال مشاركتها في عدة معارض للأعمال اليدوية وكذلك أوجدت لأعمالها نقاط بيع في أماكن متفرقة خاصة في محيط الجامعات، إذ تنال مثل هذه القطع وخاصّة المحفورة بالأسماء منها إعجاب الكثير منهن.
وتشير حسونة إلى أن أكثر المشغولات التي تطلب منها هي خارطة فلسطين بكل أشكالها، وتقول، "هذا الأمر يُشكل لي نوعاً من الفخر والاعتزاز، وأشعر بالسعادة مع كل خريطة أنفذها وأسلمها للزبون".
تتراوح أسعار القطع الإبداعية التي تعمل على إنتاجها سلسبيل حسونة ما بين ٢٠ إلى ٨٥ شيكل حسب نوع المعدن وتفاصيله، وحول خيار العمل بالذهب تقول، "إنّه خيار بعيد فهو مُكلف وحساس لكن ربما أفكر فيه خلال الأعوام القادمة".
وعبر حسابها على الانستغرام تُروّج سلسبيل لمنتجاتها، ولكن زبائنها لازالوا من داخل قطاع غزة، عدا بعض القطع التي يهديها بعض المسافرين لأقاربهم في الخارج إذ عبرت الفتاة عن أمنيتها بوصول قطعها إلى كل العالم وأن يصبح اسم (جولدن سلسبيلا) ماركة عالمية لاسيما أنّه يحظى بقدرٍ عالٍ من الاتقان والدقة.
كان تشجيع عائلة الفتاة لها وايمانهم بموهبتها وتحفيزها لخوض كل جديد، هو أكثر ما ساعدها على التطور في العمل، وهي تسعى حالياً للحصول على المزيد من الدعم من الجهات المانحة والجهات المعنية لتستطيع تطوير مشروعها وتحسين دخلها وتشغيل آخرين معها في هذا المجال.