خاص-آخر قصّة
تستعر أسعار السيارات في قطاع غزة هذه الأيام على نحو غير مسبوق رغم تضخم نسبيتي الفقر والبطالة، إذ تشكل تجارة السيارات مصدر دخل للمئات من التجار والسماسرة.
يستغل بعض التجار والسماسرة الطلب المتزايد على السيارات وبخاصة القديمة منها، لكونها يمكن أن تشكل مصدر دخل للكثير من أرباب الأسر في ظل انعدام فرص العمل، ويرفعون أسعارها بشكل لافت، وسط انعدام كامل للرقابة الحكومية.
"مصاريك في جيبك ..عاجبك الكحل تكحل"، تلك ديباجة يرددها سماسرة وتجار سيارات على الزبائن كلما استهجنوا الغلاء الفادح لأسعار السيارات المستخدمة والتي يزيد عمرها عن عقدين من الزمن. وهي بمعنى آخر تفيد أنه إذا لم يكن باستطاعتك اقتناء السيارة فلا حاجة للدخول في جدال حول الثمن.
يقول المواطن جهاد سالم، لـ(آخر قصّة)، تعتبر السيارة ضرورة ملحة في وقتنا الحاضر على اعتبار أنها تختصر الزمان والمكان، وإذا كان العلم فكر في هذه التقنية لتحقيق رفاهية الإنسان وتلبية مطالبه فلماذا يحرص آخرون على جعلها موجودة في خيال وأحلام البسطاء الذين لا يملكون سوى القليل؟".
وأضاف سالم مخاطباً التجار "قد حالت الظروف الصعبة للكثير من الناس وقلة ذات اليد ، دون تحقيق حلم اقتناء السيارة، فلا تغيروا الهدف الذي من أجله صنعت تلك المركبة ألا وهي راحة الإنسان!".
ويدو واضحاً أن الحداثة لم تقض على تجارة السيارات البالية في قطاع غزة، إذ تحتل السيارات التي تجاوز عمرها (20-30) عاماً، حيزاً كبيراً في الشوارع والطرقات، بشكل يفوق حجم امتلاك السيارات الحديثة.
ويعود التمسك بهذه السيارات إلى أمر أساسي متعلق بتدني مستوى دخل الأفراد، والعجز وعدم القدرة على امتلاك سيارات حديثة، وفق إفادة مُلاكها، وتجار أيضاً.
لا يوجد في القانون الفلسطيني نصاً يمنع هذه الفئة من السيارات من السير على الطرقات أو تجارتها، إذ أن قانون المرور رقم (5) سنة 2000، ينص على أنه لا يجوز لأحد اتلاف سيارة طالما حالتها تسمح لها بالسير على الطرقات.
ووفق آخر احصائية صادرة عن وزارة النقل والمواصلات بغزة، خلال النصف الأول من العام الحالي، فإن إجمالي عدد المركبات في قطاع غزة، بلغ أكثر من 75 ألف مركبة. فيما جرى منح الترخيص لـ(128) معارضاً للمركبات.
وبموجب متابعة حثيثة لعروض السيارات القديمة عبر الأسواق الإلكترونية على فيسبوك، تبين أن بورصة الأسعار تبدأ من (2-6 آلاف دولار)، لموديلات (1990-2002). فيما تزيد الأسعار وفقاً لحداثة الموديل والطراز.
سيارة مثلاً من طراز (Daewoo) موديل 2002، يتراوح سعرها من (3500-4500$)، في حين أن مثل هذه الموديلات انقرضت في مناطق أخرى من العالم.
وتشير تقديرات تجار إلى أنه يوجد في قطاع غزة ما بين (30-40) ألف سيارة متهالكة بحاجة إلى إعدام، غير أن قرار اعدامها يمكن أن يؤثر على قوت الكثير من الأسر.
ويذهب المواطن سامح سليم، في وصف عملية البيع والشراء المتعلقة بالسيارات القديمة، بأنها "أفعال مافيا"، قائلاً: "ما يحدث في أسواق السيارات من مافيا تجارة السيارات أصبح غير مقبول، ولا يعقل أن يدفع المستهلك ضريبة فشل المنظومة وعدم توفر الرقابة".
واعتبر سليم في سياق حديثه لـ(آخر قصّة) أن ما يجري في عملية البيع هو احتكار السلعة في ظل تزايد الطلب عليها، ولهذا طالب الزبائن بمقاطعة هؤلاء التجار والسماسرة لوضع حد لما اسماه "مهزلة تجارة السيارات".
ويجري الترويج لحملة على فيسبوك تحت اسم (#خليها_تصدي) يقودها مواطنون من قطاع غزة، لمحاربة احتكار السيارات سواء القديمة أو الحديثة.
وسام قائد الحملة قال: "الارتفاع الملحوظ في أسعار السيارات في قطاع غزة في ظل الظروف المعيشية الصعبة، كان محركاً اساسياً وراء هذا الحملة"، مؤكداً أن التجار والسماسرة استغلوا الظروف التي صنعتها أزمة كورونا في القطاع، وقاموا برفع أسعار السيارات بشكل مبالغ فيه.
وأضاف وسام عبر مقابلة إذاعية "قبل فترة كانت أسعار السيارات أقل من موديل 2010 تتراوح بين (4-5) آلاف دولار، فيما تفاجأنا في ظل أزمة كورونا وإغلاق المعابر أن أسعار هذه السيارات زادت الضعف تقريباً".
وأوضح أنه في ظل تضخم حالتي الفقر والبطالة في قطاع غزة، أصبحت تعتبر السيارة فرصة للعمل بالنسبة للمئات من المواطنين المتعطلين عن العمل، سواء كسائقي أجرة أو حتى لاستخدامها في نقل بضائع، ولكن بفعل الارتفاع الباهظ لأسعار السيارات القديمة، انعدمت الفرصة أمام الشباب وأرباب الأسر الفقيرة.
ويناصر المواطن أبو هاشم سعيفان الذي لا يملك سيارة ولا يطمح إلى ذلك، الحملة الإلكترونية التي انطلقت قبل أقل من شهر، وقال: "يجب ألا تكون المركبات حكراً على فئة دون أخرى، ويشرفني التحدث باسم البسطاء الذين أثق بعدالة قضيتهم".
في المقابل، أنبرت أصوات أخرى، للدفاع عن التجار والسماسرة، متهمين دائرة الترخيص في وزارة النقل والمواصلات بأنها السبب في رفع قيمة أسعار السيارات القديمة، من خلال فرض قيمة تراخيص سنوية على السيارات التي تعمل بالسولار بقيمة تزيد عن ثمن السيارة نفسها، على حد قولهم.