تزوجت المعلمة هدى أحمد (اسم مستعار) بعدما قضَت سنواتٍ في التدريس بإحدى المدارس الخاصّة بقطاع غزة، وعندما أنجبت طفلتها الأولى فوجئت بأنّ إجازة الأمومة التي منحتها إياها المدرسة لم تتجاوز الأسبوعين فقط.
تقول هدى (35 عامًا)، "مدة الإجازة قصيرة وغير مدفوعة أيضًا فكل يوم قضيته في إجازة الأمومة كان قد ُخصم من راتبي، كما أنّ مديرة المدرسة لم تُوظِّف معلمة بديلة خلال فترة إجازتي بل اكتفت بتوزيع الحصص الدراسية على باقي المعلمات حتى لا تتكبّد راتب معلمة جديدة".
أمام ذلك الوضع المتمثل في إجازة وضع غير مدفوعة وكافية قررت هدى ترك العمل مرغمةً رغم النفقات الجديدة التي أُضيفت على كاهل أسرتها الصغيرة بقدوم طفلتها البكر، وعقّبت على هذا القرار بالقول: "كان من الصعب ترك ابنتي بعد أسبوعين فقط على ولادتها واستئناف العمل، لذلك آثرت تقديم الاستقالة والاهتمام بأسرتي ورعايتها رغم الحاجة الماسة إلى مصدر دخلٍ مساند".
وترى هدى أنّ أرباب العمل في القطاع الخاصّ يُفضّلون توظيف النساء "المطلقات والأرامل" عِوضًا عن الآنسات والمتزوجات حتى لا يضطروا للدخول ضمن ما وصفته بـ "دوامة الحمل والإنجاب وإجازات الأمومة"، وقدمت مثالاً على ذلك مديرة مدرستها التي قالت إنها كانت تستبعد توظيف النساء اللاتي أمامهن فرص للزواج والإنجاب.
سعاد مصطفى (اسم مستعار) هي الأخرى واجهت تحدي ترك رضيعها بعد أسبوعين من عملية الولادة نتيجة عدم تضمين إجازة الأمومة في النظام الداخلي لدى الشركة التي تعمل لديها بوظيفة رئيسة قسم.
ولم تجد سعاد في العقد الرابع من العمر، بُداً من مواصلة عملها نتيجة الافتقاد إلى مصدر دخل آخر، وتصف تلك الأيام الصعبة التي عايشتها في الابتعاد عن صغيرها في أيامه الأولى قائلة: "خلال حملي صُنفت ضمن دائرة الحمل الخطر، ومع ذلك لم أتلقَ إجازات، وعلى الرغم من أنّ ولادتي قيصرية إلا أنّي استأنفت عملي بعد 14 يومًا من الإجازة ولم أكن قد استعدت إلا جزءًا بسيطاً من عافيتي".
بالإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من مركزها في العمل تقول سعاد، "أنا رئيسة قسم لكن ذلك لم يثني المؤسسة عن قرارها بمنح إجازة لمدة أسبوعين فقط ولم أحصل أيضًا على الإجازة الساعيّة التي تُمنح للأم المُرضع، والمتمثلة في ساعة رضاعة يوميًا، فاضطررت إلى وضع طفلي في حضانة وتكّبد تكاليفها".
لم تكن هذه التجارب وقفًا على المعلمتين الآنفتين؛ فغيرهن الكثيرات ممن يعملن في القطاع الخاصّ لم يحصلن على حقوقهن فيما يتعلق بإجازة وضع كافية، إذ تُقدّر نسبة النساء العاملات في فلسطين 17% من مُجمل النساء في سن العمل للعام 2021، بينما ترأس النساء ما نسبته حوالي 11% من الأسر في قطاع غزة للعام 2022.
ووفقًا لأقوال الأمهات العاملات فإنّ الكثير منهن تُنتهك حقوقهن عَيانًا في بيئة العمل بما يتعلق بمدة إجازة الأمومة تحديدًا، وبلا شك فإنّ لهذا الوضع أبعادًا نفسية مُرهقة للنساء في فترة إجازة الأمومة أو ما يليها، حسبما أفادت المختصة النفسية فلسطين ياسين.
وقالت المختصة ياسين في حديث مع "آخر قصة"، "إن من المتوقع للمرأة أن تستعيد صحتها الجسدية في فترة لا تقل عن أربعين يوم من ولادتها، وفي تلك الفترة تواجه الأم الجديدة صراعات داخلية بشأن ترك طفلها الذي يحتاج إلى رعاية الأم واهتمامها وهذا ما يضع عليها عبئاً نفسياً يؤثر بطبيعته على أدائها الوظيفي".
بجانب ذلك، فإنّ الأم حديثة الولادة عُرضة للإصابة بما يُسمى اكتئاب ما بعد الولادة وهو ما يتسبب في إحداث توترات وضغوطات نفسيّة عليها وخاصّة إذا كانت عاملة، وفقًا لياسين التي أشارت إلى أنّه قد يتهم البعض تلك الأم بالأنانية وإهمال طفلها في حال اختارت العودة للعمل وسيُعكس ذلك سلبًا على شعورها بالإهمال الوظيفي والتقصير وربما الخوف من خسارة الوظيفة أو المساومة على أمومتها.
تأتي هذه الانتهاكات لحقوق العاملات الأمهات على الرغم مما حفظه لهن قانون العمل الفلسطيني رقم (7) لسنة 2000، في المادة (103) التي نصّت على أنّه "للمرأة العاملة التي أمضت في العمل قبل كل ولادة مدة مائة وثمانين يوماً الحق في إجازة وضع لمدة عشرة أسابيع مدفوعة الأجر منها ستة أسابيع على الأقل بعد الولادة، كما لا يجوز فصل المرأة العاملة بسبب الإجازة المذكورة إلا إذا ثبت أنها اشتغلت بعمل آخر خلالها".
أيّضًا حفظ قانون العمل الفلسطيني في المادة (104) حقّ الأم المُرضِعة، إذ نصّت المادة على أنّه "للمرأة المرضع الحق في فترة أو فترات رضاعة أثناء العمل لا تقل في مجموعها عن ساعة يوميًا لمدة سنة من تاريخ الوضع. وتحتسب ساعة الرضاعة من ساعات العمل اليومية".
بالإضافة إلى هذه النصوص القانونية المُنصفة للأم العاملة، كان قد أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية في جلسة مجلس الوزراء رقم (149) في الأول من مارس 2022، إقرار (14 أسبوعًا) عوضًا عن عشرة أسابيع كإجازة مدفوعة للأمهات العاملات عند الولادة، وإقرار إجازة مدفوعة (3 أيام) للأب عند ولادة مولود.
وتعقيبًا على قرار اشتية، صرّحت وزيرة شؤون المرأة آمال حمد، بأنّ قرار تمديد إجازة الأمومة جاء في إطار ضرورة منح الأم العاملة الراحة اللازمة لها وتربية جيل سليم صحياً واجتماعياً ونفسياً، وأشارت إلى أنَّ القرار يمنح المرأة العاملة نوعًا من الأمن الوظيفي ويحافظ على استمرار عجلة العملية الاقتصادية.
أمام هذه المواد القانونية والقرارات الوزارية يقفز سؤالٌ إلى السطح: ما مدى اعتماد القرار الوزاري لإجازة الأمومة ذات الأربعة عشر أسابيع. وهنا قالت منى رستم منسقة مركز الديمقراطية وحقوق العاملين بغزة "إنّ ما تم تعديله فيما يخص رفع إجازة الأمومة هو قانون الخدمة المدنية، أما في قانون العمل فلم يزل للمرأة إجازة وضع مدتها 10 أسابيع (70 يوماً) فقط حيث لم يتم تعديل القانون بعد".
وأضافت رستم "نحن في المركز طالبنا في عدة مناسبات وزارة العمل والجهات ذات الصلّة بضرورة تعديل إجازة الامومة، لكن قانون العمل بكافة بنوده ومن ضمنها إجازة الوضع غير مطبق في قطاع غزة، كما أنّ معظم أماكن العمل تنتهك ذلك القانون ولا يوجد إجراءات رادعة من قبل وزارة العمل بحق المشغلين وأصحاب العمل".
في هذا الإطار، ساءلت "آخر قصة" وزارة العمل حول مدى اهتمامها بتفعيل مواد إجازة الأمومة القانونية والرقابة على تطبيقها لدى جميع مؤسسات العمل في القطاعين العام والخاص، فقال المستشار القانوني في الوزارة محمد الحداد: "إنّ نص القانون واضح وصريح فيما يتعلق بإجازة الأمومة التي تُقدر بعشر أسابيع مقسمة بين 4 أسابيع قبل الولادة و6 أسابيع بعد الولادة"، متجاهلاً نيتهم في تطبيق القرار الوزاري رقم (149) المذكور آنفًا.
وحول سؤاله عن شمولية القانون للقطاع الخاص، أكّد الحداد أنَّ القانون بالفعل يشمل القطاع الخاص وأنَّ وزارته تقوم بدور الرقابة على تطبيق أحكام القانون بالنسبة للعاملين وأرباب العمل على حدٍ سواء، من خلال المفتشين الذين من مهامهم النزول على الميدان ومراقبة مدى التزام أصحاب العمل بالقانون، وفي حال ثبوت أي تجاوز تُبلَغ الجهات المُختصة لإنذار الشركة المخالفة، وعندما يتم التمادي تؤخذ الإجراءات العقابية.
لكن المختصة النفسية فلسطين ياسين أكّدت على أنّ الكثير من النساء العاملات يخشين الإبلاغ عن هذه الانتهاكات خوفًا من فقدان فرصهم في العمل، وهكذا تبقى شهادات النساء العاملات اللواتي برهانًا على أنّ الواقع يختلف كثيرًا عما أشار إليه الحداد رغم أنّ الكثير من النساء يُعانين دون أن تلقى أنّاتهم صدىً فتصبح المرأة مُساوَمة ما بين نيل حقوقها أو خسران وظيفتها دون أي عقاب رادع.