يرتاد أحمد سعيد -اسم مستعار- (خمسون عاماً) الصيدلية الأقرب لبيته شهرياً لشراء أدوية مزمنة له ولزوجته التي تعاني السكري والضغط، ليصدم لاحقاً بأن فاتورة الأدوية ذاتها التي اشتراها من صيدلية أخرى أقل بقيمة ثلاثين شيكل.
لم تكن هذه المرة الأولى التي يلاحظ بها الرجل فرق الأسعار في الأدوية بين صيدلية وأخرى، لكنه لم يكن يلق بالاً في السابق.
ووصف أحمد في سياق حديثه لـ"آخر قصة"، ارتفاع أسعار الأدوية بـ"الكارثي" باعتبار أن الأدوية التي يعتاد شراءها تتعلق بأمراض أسرته المزمنة وبحاجة ماسة لتعاطيها باستمرار، مبيناً أن هذا الارتفاع في الأسعار يشكل استغلال لظروف الناس الذين يعانون من أزمتي الفقر والبطالة، بالإضافة إلى انخفاض قيمة الرواتب وانعكاس ذلك على ضعف القدرة الشرائية.
وليس ببعيد عن قصة أحمد، تقول الحاجة أم محمد (75عاماً) لـ "آخر قصة": "أعاني منذ أكثر من عشرين عاماً من أمراض الضغط والعظام وضعف المناعة، وأحتاج لشراء أدويتي شهريًا، وبالفعل أصبح ارتفاع أسعار الأدوية يزيد من أعبائي، خاصةً بعد الخصم الذي طال راتب معاش زوجي الذي يذهب جزء كبير منه لإعالة أسرة ابني العاطل عن العمل، ما يدفعني ذلك في كثير من الأحيان لطلب شراء أدويتي مع المسافرين للخارج، حيث تكون بالعادة الأسعار خارج القطاع أقل إلى حد معقول".
وبصرف النظر عما إذا كان الصيدلي اتخذ قرارا بخفض قيمة الدواء أو رفعها، فإن ذلك يتناقض مع ما نص عليه نظام مزاولة مهنة الصيدلة في فلسطين، وتحديدا في المادة (61) التي تحظر على الصيدلي الامتناع بقصد الاحتكار عن صرف أي وصفة أو بيع أي مستحضر صيدلاني جاهز إذا كان متوفرا لديه، كما لا يجوز له تجاوز أو تخفيض السعر المقرر.
في المقابل، تقول الصيدلانية هناء حرارة، إن عملية تحديد أسعار الأدوية تتم بالتشارك بين اللجنة الفنية الدوائية المنبثقة عن وزارة الصحة، ونقابة الصيادلة والضابطة الجمركية ودائرة حماية المستهلك واتحاد الموردين واتحاد الصناعات الدوائية.
غير أن "حرارة" لم تفصح عن هامش الربح الذي تخضع له عملية تسعير الأدوية من قبل الجهات المختصة، وما هي النسبة القيمية للربح لكل نوع من الدواء. بيد أنها عادت وقالت: "إن الصيدليات لا تلتزم بقانون الأسعار المعتمد من النقابة".
وأرجعت الصيدلانية حرارة في سياق حديثها لـ"آخر قصة"، سبب التذبذب في الأسعار إلى مجموعة من الأسباب، يأتي في مقدمتها الركود الاقتصادي، وغياب الرقابة المطلوبة على تطبيق قوانين تسعير الأدوية باستثناء بعض أنواع الأدوية التي تتم الرقابة المباشرة على أسعارها من قبل نقابة الصيادلة مثل الأدوية المخدرة.
في الوقت نفسه قالت الصيدلانية إن هناك أنواعاً من الأدوية المستوردة غالية الثمن، يتم تحديد سعرها من قبل الشركات الأجنبية المصدرة لها، مبينةً أن هامش الربح في تداول الأدوية يعتبر بسيطاً.
وأوضحت حرارة أن الأزمة تتفاقم مع وجود عدة صيدليات منافسة بنفس المنطقة الحي مثلاً، ما يدفع بعضها للقيام بعملية مضاربة وعمل خصم للزبائن، وخفض أسعار أدوية معينة من أجل تنشيط عملية البيع واجتذاب الزبائن، "وهو في واقع الأمر سلوك يضر بالصيدليات الأخرى الملتزمة بالأسعار الرسمية للأدوية" حسبما قالت.
وفي عام 2016 تعاونت وزارة الصحة مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لإطلاق النسخة الاولى من تطبيق "دواء" على الأجهزة الذكية العاملة بنظام التشغيل "أندرويد"، حيث يتيح هذا التطبيق للمواطنين المجال للاستعلام عن أسعار الأدوية المتاحة ضمن التسعيرة المعتمدة في وزارة الصحة، ويتم تحديث البيانات الخاصة بها من قبل الجهات الفنية المختصة في وزارة الصحة.
خلال مقابلة أجريناها مع مدير عام الصيدلة بوزارة الصحة في قطاع غزة الدكتور أشرف أبو مهادي قال: "إننا كقطاع حكومي نحدد أسعار الأدوية بشكل مدروس ونلزم بها شركات الأدوية، وذلك من خلال معادلة رياضية تراعي سعر الدواء بالنسبة للمواطن والشركة والصيدلية على حد سواء، ولا نسمح بأي مخالفات ترتكبها شركات الأدوية للتغيير بتسعيرة الدواء المحددة".
ووضح أبو مهادي أنه فيما يتعلق بالرقابة على الصيدليات ومنعهم من التلاعب والمضاربة بالأسعار واتخاذ إجراءات قانونية رادعة، فتلك من ضمن مسؤولية نقابة الصيادلة التي من مهامها منع استغلال المريض والحفاظ على جودة وسعر ثابتين بالنسبة للدواء.
من هذا المنطلق توجهت "آخر قصة" لمساءلة نقابة الصيادلة حول الدور الذي تلعبه في هذا الإطار، لكن بعد محاولات عديدة لم نتمكن من الحصول على رد من النقابة.