بلا شعورٍ مني رفعت شارة النصر وشعرت أني أحمل الوطن وأنا أخرج للمنصة مرتدية الثوب الفلسطيني والكوفية حينما ارتفع صوت مُقدِم الحفل باسمي "الفائزة بالمركز التاسع لمناظرات آسيا هذا العام هداية عصمت حسنين" نعم هذا هو اسمي ورغم أن فريقي لم يفز في التحدي إلا أنني كنت من المتميزين على صعيد الأفراد المتحدثين.
ربما لم يسمع البعض عن مصطلح المناظرات من قبل ولكنه بالنسبة لي أساس نشأت عليه منذ كنت طفلة أحب إبداء رأيي في العديد من القضايا، لأن الحياة بالنسبة لي ليست مُسلمات بل وجهات نظر وأنا دائماً أُفَضل أن يكون لي رأي بعد فهم وعلم سواء اختلفت مع الآخرين أو اتفقت وكانت هذه البيئة التي عشت فيها ثرية لتُهيئني للقادم من حياتي.
وتعد المناظرات أسلوب للحوار في قضايا مختلفة فكرية وثقافية وعلمية وسياسية واقتصادية وكذلك رياضية تكون بين فريقين يختلفان بوجهة النظر فيبدأ الأمر بوضع نص قضية او ما يسمي المقولة ويتم طرحها، وبالاقتراع يتم اختيار الفريق المؤيد والمعارض ويتكون كل فريق من ثلاثة اشخاص لكلٍ منهم دور منوط يجب عليه القيام به.
جاءت انطلاقتي في عالم المناظرات خلال دراستي الجامعية في تخصص الدعوة والإعلام عندما سابقت للتسجيل في تدريب عقدته مؤسسة فلسطينيات الإعلامية وأبديتُ تميزًا واضحًا فيه حتى أنني حصلت على مرتبة المُناظِرة الأفضل لعام 2019 على مستوى جامعات قطاع غزة.
وتطور الأمر عندما اختارت مؤسسة فلسطينيات المناظرين الأفضل لتدريبهم وتهيئتهم ليكونوا مدربين مستقبليين لغيرهم في مجال المناظرات وتطورت تدريجياً كمدربة مناظرات على مدار عامين ونصف ابتدأت بتدريب يافعين ومن ثم شباب واعلاميين متخصصين.
أنا كهداية أجد أنَّ أهمية هذا الفن تكمن في كونه وسيلة مُجدِية لاحترام اختلافنا فالحل حسب وجهة نظري مع الاختلاف ليس بالقتال ولا الكره بل في كيفية الاحتواء، لأن الكون قائم على التناقض والتضاد وهو مهم للجميع لتعلم ثقافة الاختلاف.
كانت أجمل تجربة لي في عالم المناظرات منذ انطلاقي فيه هي البطولة الدولية للمناظرة التي يُنظمها مركز مناظرات قطر الراعي لفكرة المناظرات في الوطن العربي، وهي المرة الأولى التي ناظرت فيها بمناظرة دولية على مستوى قارة آسيا وكنت أول شخص من غزة يشارك فيها.
الفوز كان يعنيني جدًا لأن هذه المناظرة كانت حالة ثرية إذ كنا حوالي 44 دولة آسيوية وقرابة 180 متناظر وجرى اختيار أفضل 10 متناظرين على صعيد الأشخاص فقط، ففزت كمتحدث في المرتبة التاسعة من بين نخبة النخب الذين صفقوا لي ونادوا باسم فلسطين وكنا كلنا تحت مظلة الضاد في هذه المناظرة.
أما الجانب الآخر الذي وجدته أهم من الفوز هي حالة التنوع الثقافي الفكري التي تتيحها أجواء المناظرة، إذ تعرفنا على ثقافات الشعوب وعرّفناهم على قضية غزة وما تمر به من ظروف وتفاصيل تغيب عن غير ساكنيها.
وكان الحضور الفلسطيني والتحام الوطن في منافسة كهذه هو الأجمل فقد جمعتني سلطنة عمان التي أقيمت فيها المنافسة بأشقاءٍ لي من فلسطين، القدس وجنين والخليل وعكا فكانت سعادة ما بعدها سعادة في ظل انغلاق قطاع غزة على نفسه وعدم إمكانية تواصلنا مع الأشقاء في الداخل الفلسطيني بسهولة.
أمام مشاركاتي في هذه المناظرة وما سبقها من مناظرات نمى طموحي في أن أصبح مدربة ومُحكِمة مناظرات دولية كما آمل أن أصبح أناظر بلغات غير العربية كالإنجليزية مثلا يومًا ما وإنّي لأراه قريب.