لم يكن قرار ديما عايدية مقبولاً في محيطها عندما وافقت على الارتباط بالشاب مؤمن قريقع الذي أصبح أحد ذوي الإعاقة بعدما بترت ساقيه على إثر استهدافٍ إسرائيلي له، حسبما تقول، وأضافت: "الناس صاروا يقولوا كيف بتوافقي على هيك زواج، انتِ مجنونة، انتِ ذاهبة للموت، ولكن أنا كنت مطمئنة, وبالفعل تزوجنا".
وكان الزوجان الثلاثينيان قد قررا الارتباط بعدما أصيب "مؤمن" وهو مصور صحفي إصابة بليغة عام 2008 نقل على إثرها للعلاج في المملكة العربية السعودية حيث تقيم ديما، وتقول "في ذلك الوقت ذهبت لإجراء مقابلة صحافية معه وأعجبت جدًا بصبره وقبوله بكل رضا بتر قدميه وبعد فترة تقدم للزواج منّي فكان الدعم من والداي كبيرًا لكن صديقاتي والجميع حولي أنكروا عليّ ذلك".
ليست ديما فقط التي عانت من نظرة المجتمع وإنكاره عليها الارتباط بأحد الأشخاص ذوي الإعاقة كونها فتاة سليمة بدنيًا، إذ بلغ عدد الأفراد ذوي الإعاقة (55.023 شخصًا) في قطاع غزة، جاء عدد المتزوجين منهم (20.189 شخصًا)، بينما بلغ عدد الذين حصلوا على صفة "مطلق/مطلقة" (1008 شخصًا)، بحسب دراسة بحثية للمختص في قضايا الإعاقة مصطفى عابد.
وعلى الرغم من أنّ القانون الفلسطيني رقم (4) لسنة 1999 بشأن حقوق المعوقين، يضمن في المادة رقم (2) حقوق ذوي الإعاقة، إذ نصّت على أنّ "للمعوق حق التمتع بالحياة الحرة والعيش الكريم والخدمات المختلفة شأنه شأن غيره من المواطنين له نفس الحقوق وعليه واجبات في حدود ما تسمح به قدراته وإمكاناته، ولا يجوز أن تكون الإعاقة سبباً يحول دون تمكن المعوق من الحصول على تلك الحقوق".
غير أن، فئة ذوي الإعاقة تعاني من وطأة أفكار نمطية رسمها المجتمع عن اختيار شريك الحياة، ومنها أنَّ الأشخاص ذوي الإعاقة لا يصلحوا للزواج وإذا ما قرروا الارتباط فعليهم الاختيار من ذوي الإعاقة مثلهم.
وهنا طرحت "آخر قصة" سؤالاً حول مدى تأثير الإعاقة على العلاقة الزوجية؟، وهل هي عائق أمام الزواج والإنجاب فيما بعد؟ إذ أفاد المدير التنفيذي للمركز الوطني للتأهيل المجتمعي وائل أبو رزق بأنَّ الإعاقة لا تمثل أي عائق أمام الارتباط، مشيرًا إلى أنّ بعض الإعاقات بحاجة إلى تأهيل ما قبل الزواج.
ومن الأمثلة على بعض الإعاقات التي تحتاج إلى عملية تأهيل قبل الزواج وفقًا لأبو رزق، هم الأشخاص الذين يعانون من إعاقةٍ حركية بحيث يكون التأهيل للزوجين مع التوعية في التعامل بينهما، أما الذين يعانون من إعاقاتٍ بصرية أو سمعية ليسوا بحاجةٍ لذلك، مبينًا أنَّه فيما يتعلق بالإنجاب فذوي الإعاقة كالأصحاء تمامًا وإذا لم يكن لديهم موانع طبية يتم الإنجاب بشكلٍ طبيعي جدًا.
بدورها، أكّدت الأخصائية الأسرية عروب الجملة على وجود نماذج مجتمعية ناجحة لارتباط الأصحاء بذوي الإعاقة، وقالت "إذا كانت الإعاقة جسدية وحصل الزواج فهناك الكثير من الأمور كالاحترام والحب والانسجام تغطي على وجود الإعاقة، كما أن حديث الناس لا يؤثر في الأشخاص الواثقين من سلامة فِكرهم ومشاعرهم وطريقة تعاملهم مع الآخر".
وبالتأكيد فإنّ أفكار المجتمع و أعرافه وتقاليده حول القوالب النمطية للزواج الناجح بأنّ يكون من فئات مجتمعية متماثلة صحيًا وطبقيًا وغيرها لا يؤثر إلا في الأشخاص المتضعضعين فكريًا، بحسبِ الجملة التي ضربت مثالًا على أن يتزوج شاب سليم بفتاة من ذوي الإعاقة فيما هو يحبها ويحترم إنسانيتها ولديه قناعة عميقة بأنّ إعاقتها ليست عائقًا أمام نجاح زواجهم.
ويُمثل زياد ولينا (أسماء مستعارة) أيضًا نموذجًا لشابين تحديا الكثير من الانتقادات المجتمعية عندما قررا الزواج، وكان التساؤل كيف يرتبط شاب من الأصحاء بفتاة تعاني من بترٍ في كفة يدها؟ دون أن يلتفت المجتمع إلى أنّ هذه الفتاة متعلمة وتعمل في سلك التدريس ومتميزة في مجالها، فكانت النظرة فقط من الإعاقة التي تعاني منها، وفقًا لزياد.
وقال الشاب في حديثٍ لـ "آخر قصة"، "في بداية زواجنا واجهنا الكثير من الصعوبات نتيجة كلام الناس وكانت زوجتي خجولة جدًا من وضع يدها وعندما تقابل أي شخص تضع يدها في جيبها أو ترتدي الطرف الصناعي، لكن أنا رفضت هذه الفكرة وطلبت منها التخلص من الطرف وبدأت أعزز من ثقتها بنفسها لتتقبل إعاقتها بقناعة".
قد تكون "لينا" حظيت بشابٍ ساعدها على تخطي الآثار السلبية التي تركتها انتقادات المجتمع اللاذعة لزواجها من شابٍ سليم، لكن الكثيرين غارت تلك الكلمات الجارحة عميقًا في أسبارِ أرواحهم، إذ يشير المختص النفسي ضياء أبو عون إلى أنّ هناك الكثير من الصعوبات يواجهها الأشخاص الأصحاء وذوي الإعاقة إذا ما قرروا الارتباط ببعضهم بعضًا خاصة إذا لم يكن لديهم قدرة على تحمل القرار.
وأكّد أبو العون على ضرورة أنّ يحترم كل فرد في المجتمع مشاعر الآخرين وقراراتهم الشخصية إزاء أنفسهم والوعي بأهمية ما نتحدث به، إضافة لمراعاة الحساسية الانفعالية للأشخاص ذوي الإعاقة من خلال تقديرهم وتكريم إنسانيتهم بالإشادة بقدراتهم ومهاراتهم وقوتهم دائمًا.