تَتدلى الأزهار والمزروعات على حافةِ جدار فاطمة أبو حليب (30 عامًا) في مخيمِ الشابورة بمدينة رفح جنوبَ قطاع غزة، وتنتشر في المكان الروائح العطرية من الريحان والنعناع والزهور وغيرها من النباتات المزروعة في أوانٍ بلاستيكية مُعادة الاستخدام وملونة بألوانٍ جذابة، استخدمتها الشابة في محاولةٍ منها للحفاظ على صحة البيئة.
تعمل أبو حليب على إعادة استخدام الأوعية البلاستيكية المتبقية من المستلزمات المنزلية كجالون سائل التنظيف وزجاجة زيت القلي ووعاء ألعاب الأطفال وغيرها، وقد استعاضت بهم عن شراء أصص الزراعة؛ بغرض التقليل من التلوث البيئي الناتج عن التخلص من هذه النفايات، إذ تُشكّل نسبة البلاستيك من النفايات الصلبة في قطاعِ غزة 12.0% فيما تُقدَّر قيمة هذه المُخلفات في القطاع بـ 16 طنًا يوميًا، وفق ما ورد عن وزارة الاقتصاد الوطني.
وكان وراء توجه الفتاة لإعادة تدوير استعمال هذه الأواني بأشكالٍ جميلة ومفيدة، موقف تذكره وتقول: "حدث ذلك قبل عشرة سنوات، عندما كنت أنتظر حافلة تقلني من بوابة الجامعة إلى البيت ورأيت مجموعة من الشبان يحرقون الأواني البلاستيكية للتخلص منها تاركين ألسنة الدخان تتصاعد بكثافة والرائحة الكريهة تنتشر في المكان".
كما تُعيد أبو حليب استخدام هذه الآنية لأكثر من مرة حتى في مجال الزراعة، وعن ذلك قالت لـ "آخر قصة"، "أزرع الزهرة وعندما تكبر قليلًا أزرعها في الأرض ثم أعود لاستخدام الإناء في نبتةٍ أخرى". ولا تكتفي باستعمال هذه الأدوات البلاستيكية في الزراعة، فتعمل أيضًا على الاستفادة منها كعلب لحفظ الأدوات المتنوعة مثل أدوات الخياطة وغيرها من المستلزمات، بعد طلائها بألوانٍ ملفتة وتزيينها بشرائط الساتان.
وفي محاولةٍ أخرى للحفاظ على صحة البيئة والمظهر الجمالي للأماكن العامة، تعمل سحر عبد العال (27 عامًا) على التقليل من إهدار الكثير من أكياس النايلون التي تبتاع فيها احتياجاتها في التسوق من خلال غسلها وتنظيفها لإعادة استخدامها عدة مرات، حيث تعمل على اصطحاب عربة صغيرة للتسوق وتضع فيها مستلزماتها.
تقول عبد العال في حديثٍ مع "آخر قصة"، "قرأت دراسات عديدة حول موضوع التلوث البيئي وتأثيره على المناخ، ومخاطر استخدام هذه الأكياس؛ لذلك حاولت التقليل من اقتنائها واستبدالها بما هو مفيد".
وأبدت الفتاة استيائها من مظهر الأكياس المُلقاة في الشوارع العامة؛ الأمر الذي يتسبب بالتلوث البيئي والبصري على حدٍ سواء، كما يؤثر على صحة الإنسان نتيجة صعوبة التخلص منه سواء حرقًا أو دفنًا وما ينبثق عن ذلك من إشعاعات سامة في الحالتين، وفق قولها.
ووفقًا لقانون الصحة العامة الفلسطيني رقم (20) لعام 2004، في المادة (40) منه فإنّه على كل شخص المحافظة على البيئة بعناصرها المختلفة، وذلك بعدم التسبب بأي من المكاره الصحية، وعلى كل شخص إزالة المكرهة الصحية التي تسبب بها، أو كان مسؤولاً عنها.
كما نصَّت المادة (39) من قانون الصحة نفسه على أنّ "الوزارة تحدد المكاره الصحية التي تؤثر سلبًا على الصحة العامة أو تُهدد صحة البيئة بأي وجهٍ كان وذلك بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة".
بلا شك فإنَّ القانون الفلسطيني جاء بغرض الحفاظ على صحة البيئة والإنسان معًا، ووفقًا لما أفاد به المختص البيئي عبد الفتاح عبد ربه، فإن أضرار استخدام هذه الأوعية تمتد من صحة الإنسان إلى التأثير على المناخ حيث تؤدي الغازات الضارة الناتجة عن حرق المواد البلاستيكية أو دفنها في التربة إلى أضرار وتغييرات مناخية.
وأشاد عبد ربه في حديثه مع "آخر قصة" بمبادرات النساء الفردية المنزلية في إعادة الاستخدام الإيجابية للمنتجات البلاستيكية أو النايلون التي يصعب تحللها في التربة.
وقال: "تسهم هذه الجهود في التأثير بتغييرات المناخ والحدّ من المنتجات الضارة بصحة البيئة لاسيما البلاستيك الذي يؤثر على التربة عند دفنه وعلى الهواء في حال حرقه، بينما يتخلص منه الكثير من الناس بهذه الطرق دون وعي كامل بأضراره على البيئة".
وكبديل عن البلاستيك والنايلون وعوضًا عما يتسببان به من مشكلات صحيّة جسيمة، دعا عبد ربه لاستخدام الأوعية الورقية "فهي صديقٌ جيّد للبيئة ويَسهُل تدويرها والتخلص منها، وأيَضًا لا تنبثق عند تحللها أيّة غازات ضارة، بالإضافة إلى انعدام مضارها البيئية والمناخية".