غزة: تحديات أمام ذوي الإعاقة في التعليم والعمل

غزة: تحديات أمام ذوي الإعاقة في التعليم والعمل

عَمِل الشاب الكفيف طارق النمنم (23 عامًا) جاهدًا للحصول على فرصةِ عملٍ بعد إنهائه رحلة دراسية لم تكن هينة بالمطلق، حسبما وصفها، وذلك بعد دراسته تخصص التعليم الأساسي في الجامعة الإسلامية بقطاع غزة.

وكان النمنم قد أصيب بحمى شديدة في صغره أتلفت عصب العين لديه؛ مما أدى إلى فقدانه البصر، وهو واحدٌ من أصل (9704) من الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية الذين يُشكّلون ما نسبته (17.6%) من مجمل الإعاقات الأخرى في القطاع، وفق دراسة محلية. 

ويشتكي الشاب الكفيف من محدودية فرص التعليم والعمل بالنسبة للأشخاص ذوي الإعاقة وبخاصة في ظل انعدام الاندماج داخل مؤسسات التعليم والعمل على حدٍ سواء، كما قال. 

ويواجه ذوي الإعاقة على اختلاف أسباب وأشكال إعاقاتهم مشكلة دمجهم في المجتمع، بسبب تعرضهم للتنمر ونعتهم بمصطلحات غير لائقة كـ "أعمى، أطرش وغيرها"، كما يعانون معضلة الدمج في مؤسسات التعليم العالي نتيجة عدم وجود مواءمة لدراسة معظم التخصصات الدراسية في الجامعات أو تَعذُر استقبال غالبية الجامعات لذوي الإعاقة بسبب افتقادها لآليات الدمج.

وعن تجربة الدراسة قال النمنم لـ "آخر قصة"، "تخرجت من الجامعة بدرجة امتياز في رحلة كفاح تحديت خلالها معيقات عديدة مثل تعطل آلة برايل التي تساعدنا كمكفوفين على قراءة النصوص المكتوبة، إضافة للكثير من الكلمات الجارحة حول وضعي الصحي، كل ذلك في سبيل تحقيق طموحي بفرصة عملٍ تليق بمعاناتي".

وأرجع الشاب الكفيف- الذي لا يزال يواجه مشكلة إنعدام فرصة عمل-  محدودية فرص العمل المتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة، "نتيجة عدم وجود مؤسسات تدعم ذوي الإعاقة بما يتواءم مع احتياجاتهم"، وفق قوله إذ قدَمَ أوراقه الرسمية للكثير من طلبات العمل لكن غالبًا ما كان يُقابَل بالتجاهل أو يأتيه الرد سلبيًا.

ويُعد رفض المؤسسات الرسمية والأهلية استيعاب ذوي الإعاقة ضمن كوادرها أمرًا مخالفًا للقانون الفلسطيني رقم (4) لسنة 1999 بشأن حقوق المعوقين، الذي نصَّ في المادة رقم (10) على "إلزام المؤسسات الحكومية وغير الحكومية باستيعاب عدد من المعوقين لا يقل عن 5% من عدد العاملين بها، يتناسب مع طبيعة العمل في تلك المؤسسات مع جعل أماكن العمل مناسبة لاستخدامهم".

وقال المحامي المختص في قضايا ذوي الإعاقة حمزة دردس، إنّ الأشخاص ذوي الإعاقة باختلاف نوع إعاقتهم يُعانون من الوصول إلى حقوقهم في التعليم والعمل، رغم حق العمل الذي كفله لهم القانون قبل 24 عام بينما لم يتم إعمال المادة المُتعلقة بتشغيل ذوي الإعاقة بنسبة 5% على الأقل حتى الآن.

وانضمت فلسطين للاتفاقية الدولية لحقوق ذوي الإعاقة عام 2014 التي نصّت في المادة (27) منها على ضرورة حصول الأشخاص ذوي الإعاقة على الحق في العمل انطلاقًا من كونهم مواطنين.

غير أنَّ، دردس قال: "رغم هذه القوانين مجتمعة، لاتزال هذه الفئة تعاني مجموعة من التحديات في المؤسسات الحكومية أو القطاع الخاص والمجتمع المحلي عامة، والتي في مجملها تحدّ من حقهم في الحصول على فرص العمل رغم الطاقات والإمكانات الهائلة التي يمتلكونها".

لا يتوقف الأمر عند فرص العمل بحسبِ دردس الذي أشار إلى أنّ الأشخاص ذوي الإعاقة يواجهون صعوبات في نيل حقهم في التعليم أيّضًا نتيجة عدم مواءمة الأماكن التعليمية سواء كانت جامعات أو كليات ومعاهد أو مدارس أو رياض أطفال. 

وفي ظروفٍ مُشابهة للخريج النمنم، طرقت فداء أبو ندى (30 عامًا) أبواب العمل لكنها أوصدت في وجهها، رغم أنها تملك خبرة واسعة في مجال الإرشاد النفسي. وأبو ندى هي واحدة من أكثر من 55 ألف شخص من ذوي الإعاقة،  بلغت نسبة الذكور منهم (55.4%) أما الإناث جاءت نسبتهم (44.6%) وفق دراسة أعدها الباحث في شؤون الإعاقة مصطفى عابد.

الفتاة أبو ندى حاصلة على بكالوريوس بتقدير جيّد جدًا؛ ومحاولاتها في إيجاد عملٍ مستمرة منذ ثمانية أعوام ولكن دون جدوى. وقالت في سياق حديثها مع "آخر قصة"، "قضيت السنوات بعد التخرج في التطوع ما بين الدوائر الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني، ولم أدخر فرصة للتقديم على أي وظيفة شاغرة لكن عبثًا أحاول".

كانت أشدّ المرات وقعًا على نفسِ الفتاة عندما تقدمت لوظيفةٍ في احدى المؤسسات وأثناء المقابلة استهزئ بها المسؤول قائلاً، "هل أنتِ قادرة على مساعدة نفسك بنفسك حتى تستطيعي العمل؟"، تُعقِّب، "لم تكن كلمته هينة على نفسي لقد قالها بطريقةٍ مُهينة أشعرتني بالعجز والإهانة". 

وقد يبدو للوهلةِ الأولى أن تلك الكلمات الجارحة التي يتلقاها الأشخاص ذوي الإعاقة في مجالات التعليم أو العمل أو الأماكن العامة هي "عادية" من وجهة نظر قائليها، غير أن المختصة النفسية فلسطين ياسين قالت إنّ الكلمات والتصرفات غير اللائقة التي تواجهها هذه الفئة ينتج عنها الكثير من الأذى النفسي؛ ما يؤدي إلى العزلة التامة وعدم القدرة على تقبل الذات وتطويرها.

وأضافت المختصة ياسين "هم يواجهون صعوبات جمّة فيما يتعلق بالحياة الاجتماعية والارتباط، نتيجة بعض العادات والتقاليد التي لا تتقبل ارتباط الأصحاء بالأشخاص ذوي الإعاقة، وهذا تحدي أخر يضاف إلى قائمة التحديات السابقة".

ووفقاً للدراسة التي أعدها الباحث عابد فإن عدد المتزوجين من ذوي الإعاقة بلغ 20.189، أما غير المتزوجين 17.313، وجاء عدد الأرامل 5.998، بينما بلغ عدد المطلقين 1.008، وأخيرًا أظهرت الإحصائية أنّ هناك 154 شخص من ذوي الإعاقة الذكور متعددي الزوجات.

ولم يتسنى "لآخر قصة" الحصول على رد وزارة التنمية الاجتماعية على طلبها بإجراء مقابلة مع الأشخاص المخولين بذلك، للإفصاح عن دورها تجاه تجاوز العراقيل التي تواجه الأشخاص ذوي الإعاقة في مجالي التعليم والعمل على حد سواء.  

ومما لا شك فيه فإن الدعم النفسي مهم للأشخاص ذوي الإعاقة، وفق الأخصائية ياسين التي قالت: "التعزيز والدعم المعنوي من العائلة يزيد من ثقتهم بأنفسهم ويساعدهم على تخطي الأزمات رغم ضعف الوعي في التعامل مع هؤلاء الأشخاص الذين هم بحاجة إلى الدمج في كافة مجالات الحياة وإلى معاملة تليق بقدراتهم العقلية الفذة فالكثير منهم لديهم قدرة عالية على التركيز والإنتاج المتميز".