سكان البيوت المتهالكة يقضون أوقاتًا عصيبة كل شتاء 

في مختلف محافظات غزة

سكان البيوت المتهالكة يقضون أوقاتًا عصيبة كل شتاء 

تقطن ابتسام أبو نعيم (47 عامًا) مع عائلتها المكونة من سبعةِ أفراد في بيتِ لاهيا شمال قطاعِ غزة، في بيتٍ من الصفيح ينخفض مستواه عن الشارع العام؛ ما يتسبب في غرقه بشكل موسمي. تقول أبو نعيم: "مع كل منخفض جوي وسقوط للمطر يغرق البيت فنهرب إلى بيتِ الجيران لنقي أنفسنا على الأقل ونترك البيت في الداخل بحالةٍ مزرية".

ولا تمتلك أسرة أبو نعيم مصدر رزق أو إعالة من أيّ جهة، فربُّ البيت عاطل عن العمل، وهو حال العديد من السكان في قطاع غزة إذ بلغ عدد العاطلين عن العمل في فلسطين 378 ألفًا في الربعِ الأول من العام الحالي 2022، بواقع 244 ألف في قطاع غزة، بحسبِ إحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. 

وقد كان رب أسرة أبو نعيم يعمل سابقًا أعمالاً حرة كالزراعة أو البيع على الطرقات وفي الأسواق بدخلٍ لا يتجاوز 25 شيكلًا يوميًا (7 دولارات)، وهو ما لا يكفي لسدّ رمق العائلة أو توفير احتياجاتها الأساسيات؛ الأمر الذي يعني استحالة قدرتهم على ترميم البيت والحدّ من الكارثة التي تُلّم بهم كل شتاء.

ويُمثل قدوم فصل الشتاء في قطاعِ غزة تعاسة كبيرة بالنسبة للكثير من السكان الذين يقطنون في مساكنٍ متهالكة وظروف معيشيةٍ قاسية، لاسيما أولئك الذين يقيمون في المخيمات والمناطق الحدودية المهمشة.

في ظروفٍ مُشابهة، يعيش الأربعيني طارق اللوح من مخيم النصيرات مع زوجته وأطفاله الخمسة، في بيتٍ أسهمت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) في إنشاء جزء منه، وهو مسقوف بالنايلون فيما لا تتجاوز مساحته 70 مترًا تنفصل مرافقه عن بعضها ولكل منها مستواه وشكله الخاص، وفقا للجهة التي تبرعت في إنشائه.

يقول اللوح في حديثٍ لـ "آخر قصّة" وقد بدا عليه الضجر من ضيقِ الحال، "أكره الشتاء بسبب المياه التي تُغرِق البيت ولا تترك زاوية فيه إلا تُصيبها، ويؤلمني قلبي على أطفالي وهم يقفون على حافة البيت أو طرفِ بيت أحد الجيران فرارًا من المطر ولكن ليس لدي حيلة".

تعيش عائلتي أبو نعيم واللوح أحوالاً مريرة في كل شتاء، نظرًا لظروفهم المادية الصعبة، ولا يتوقف الأمر عليهم بطبيعةِ الحال، إذ تبلغ نسبة الفقر في قطاعِ غزة 53% بحسبِ الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني؛ ما يعني أنَّ أكثر من نصفِ السكان يعيشون تحت مستوى الفقر.

على الرغم من أنَّ القانون الفلسطيني يحفظ للسكان جميعهم حقهم في توفر مسكنٍ ملائم وفق القانون الأساسي المعدل، في المادة (23) التي تنصّ على أنَّ "المسكن الملائم حق لكل مواطن، وتسعى السلطة الوطنية لتأمين المسكن لمن لا مأوى له".

لكن القانون الذي يرى أن المسكن حق لكل مواطن، يفتقد إلى التطبيق السليم، وفق ما قاله مدير عام الشؤون القانونية في المجلس التشريعي أمجد الأغا، مشيرًا إلى أنَّ العديد من المنازل لا تصلح أن تكون ملائمة للسكان.

وأوضح الأغا في سياق حديثه لـ"آخر قصة" أن توفير مساكن جيّدة للسكان أصحاب الحاجة والذين يفتقدون إلى مساكن ملائمة، يتطلب تمويلاً هائلًا، "فالبيوت في حالة تدمير مستمرة بفعل الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على القطاع وقصف الكثير من المباني" حسبما قال.

في المقابل، تعزو وزارة الحكم المحلي على لسانِ مدير دائرة الإشراف والمتابعة فيها سالم الصفدي، الظروف المعيشية القاسية التي يكابدها أصحاب البيوت منخفضة المستوى في فصلِ الشتاء، إلى البنية التحتية للطرق المتهالكة في قطاع غزة الناتجة عن العدوان الإسرائيلي المتكرر وتدمير الشوارع والممرات المائية التي تساعد على تصريف مياه الأمطار.

ثم عاد الصدفي وقال، إن الأمر يرجع أيضاً إلى ارتفاع منسوب معدل هطول الأمطار على غزة هذا العام، بنسبة خمسة مليمتر فيما كان يتراوح ما بين 2-3 مليمتر سنويًا، ولم تكن بلديات القطاع على استعدادٍ كافٍ بسبب قلّة الإمكانيات المتوفرة لديها"، على حدِّ تعبيره. 

واشتكى من ضعف مصادر التمويل التي كانت تساعد وزارته على دعم البلديات من أجل مواجهة تحديات فصل الشتاء، لاسيما معالجة ترهل البنية التحتية.

في الأثناء، قال محمد نصار مدير الدراسات والإحصاءات في وزارة التنمية الاجتماعية، في حديثه مع آخر قصة إن وزارته نفذت عمليات إنقاذ سريعة ومساعدات لـ 363 أسرة في مناطق متفرقة من القطاع، توزعت ما بين حالتين في خانيونس، و113 في محافظات الشمال، إضافة إلى 80 أسرة وسط قطاع غزة، وحالة واحدة في رفح، وأخيرًا 167 حالة في مدينة غزة.  

وبجانب المساعدات التي قالت وزارة التنمية الاجتماعية إنها قدمتها، قال سمير الخطيب مدير الإمداد والتجهيز في جهاز الدفاع المدني، إنهم عملوا على إنقاذ (157) عائلة من مياه الأمطار التي تراكمت عليها، وذلك خلال المنخفضات الجوية القليلة الماضية من شتاء هذا العام.

ومما هو واضح، فإنّ الشتاء يأتي عاماً بعد أخر ليكشف سوءة الواقع، لاسيما عدم قدرة الجهات المسؤولة على توفير مساكن ملائمة وفقاً للقانون الفلسطيني، وهذا العجز في واقع الأمر يشكل تراجعاً عن قدرتها في صون وتطبيق القانون، غير أنها ترجع هذا التقصير إلى ضعف الإمكانات ومحدودية التمويل، وإلى أن يتحقق هذا الأمر ستبقى الأسر الفقيرة التي تعاني انعدام المساكن الآمنة تدفع ثمناً قاسياً كل شتاء.