اليوم عندما أرى المتابعين يرددون اسمي سماح شمالي كمصورة مبدعة وصاحبة حسّ فني وذائقة ملموسة في التصوير، أشعر بالكثير من الفخر والمسؤولية معًا تجاه تقديم محتوى راقي وهادف ويُقدم رسائلي في الحياة بطرق تعبيرية مختلفة وجذابة ومحسوسة أكثر من مجرد صورة صامتة.
وفي البداية ذاع صيتي على مواقع التواصل الاجتماعي كمصورة أشخاص ومناسبات ابتدعت طريقة جديدة للتصوير خارج المألوف وبعيدًا عن الصور الروتينية الشائعة في تصوير العروسين داخل محل التصوير "الاستديو"، وهي تصويرهم في الأماكن الخارجية حيث الطبيعة والمعالم الأثرية وغيرها كونها أماكن مفتوحة وجمالية أكثر، وكنتُ أول مَن ابتدأ هذه الطريقة التي أصبحت اليوم شائعة.
نجحت الفكرة على الرغم من أن التصوير في هذه الأماكن ليس أمرًا سهلاً، ورغم وجود بعض القلق تجاه تقبل الفكرة نظرًا لأن مجتمعنا الغزي يغلب عليه سمت المحافظة والالتزام لكن سرعان ما انتشرت بطريقة لطيفة وملفتة جعلتني أعكف على تطوير نفسي وصولاً لافتتاح "استديو" خاص بي.
حياتي مع التصوير مليئة بالقصص والمغامرات وربما يُفاجئ المتابعين عندما يعرفوا أنّي لم أدرس هذا التخصص دراسة، بل هو هواية كانت لديّ طورتها من خلال تلقي دورة تدريبية ثم المشاهدة والبحث والمحاكاة والممارسة ثم تكثيف جهودي ومهاراتي لبناء نفسي في المجال وتفردي بأفكار ومشاريع حصرية وخاصة بي، إضافة لمساندة زوجي المصور محمود أبو حمدة الذي دعمني مهنيًا ومعنويًا.
فكرة التنويع في تصويري ليست جديدة، فقد سافرت إلى تركيا مدة 6 شهور بهدف زيادة خبرتي الفنيّة من خلال ممارساتها عبر فضاءات جديدة، وكان اختيار رائع فقد كنتُ أنتقل بين المُدن التركية وأنا مليئة بالشغف والإحساس وحب الاستكشاف الكبير رغم وجود أطفالي الثلاثة معي فكان هذا من أكبر التحديات أمامي.
لكن في تركيا يجد المصور مساحات واسعة للتصوير تِبعًا لاختلاف الطقوس من مكانٍ لآخر من غائمة لصافية فثلجية، وتنوع الطبيعة ما بين جبلية صخرية إلى ساحلية فاتنة، كذلك إلى حدائق غنّاء عذراء مكتنزة بالألوان البرية والمروج المكسوة بالاخضرار فكانت ضآلتي التي وجدتها خاصّة أنني معروفة بحُبي الشديد للطبيعة.
كان لهذه التجربة عظيم الأثر على نفسي بشكلٍ شخصي ومهني، إذ أنني أضفت من خلالها خبرات جديدة ما كنت لأكتسبها في حدود قطاع غزة المغلق، وتعرفتُ على سماوات أكثر زرقة وبهاءً، وتقنيًا كان هناك الكثير من المهارات التي أضافت لمخزوني العملي كمصورة إضافة إلى ذوق الأتراك ولطفهم العالي في العمل أيضًا.
اليوم أعمل على مشروع جديد بطابع مختلف ونوعي وهو ترجمة وتجسيد مقولات مشهورة من خلال الصور ويُدعى هذا النوع من التصوير بالتصوير المفاهيمي، فكان عنوان الصورة الأولى "يعزُ على الإنسان أن يمشي دروبًا لا ينتمي لها؛ ولكنها الحياة!" فيما يظهر في الصورة خريج تمريض يرتدي "كوت" التمريض وسماعة لكنه لا يجد فرصة عمل فيعمل في بيعِ الذرة المسلوقة على أحدِ المفترقات.
لم تأتي هذه الفكرة صدفة، لأن اللغة العربية رفيقتي منذ الصغر فقد كنتُ لا أتجاوز الثانية عشرة من عمري عندما بدأت أحفظ الشعر وأكتب القصص والمقالات، وتجذبني المصطلحات البراقة في اللغة العربية فأنسجها في كتابات إبداعية من حياكتي، وعندما كبرت درست تخصص آداب لغة عربية دون تردد فكان اختياري المفضل الذي انعكس على ذائقتي الفنية في النشر على مواقع التواصل الاجتماعي وفي التصوير أيضًا.
وكنت أطمح إلى مواصلة الدراسة والحصول على شهادة الدراسات العليا لأحقق حلمي في الوقوف في أحد القاعات الدراسية كمُحاضرة وبفضل الله تحقق الحُلم ولكن كان الوقوف في قاعات جامعتي كمُحاضرة في التصوير الاحترافي وليس في اللغة العربية ومنها انطلاقًا للتدريب في المراكز المتخصصة والتدريب الالكتروني أيضًا.
إنَّ المرء إذا ما آمن بنفسه وقدراته فتح بيده سُبلًا للنجاح وتحقيق الأهداف والطموحات في الحياة، فمن الطبيعي أن تواجهنا العديد من العقبات وتلسعنا الكثير من الانتقادات كلما خرجنا عن المألوف بطرق ابداعية خصوصاً أن عملنا مرأي للعامة، لكن متعة الإنجاز مع تقديم ما يليق بواقع المجتمع وثقافته أجمل من التعب الذي نلقاه في المشوار فلذة الوصول دائمًا تستحق.
ودائمًا ما أقدم رسالتي للشباب والفتيات المقبلين على الحياة أقولها إنكم لن تستطيعوا تطوير ذواتكم وأنفسكم وأنتم خلف الأبواب المغلقة، لذلك من الضروري خوض التجارب بكل جرأة وثقة لكسب المزيد من الخبرات وصقل المواهب الكامنة فلكل مجتهدٍ وصبور نصيب من النجاح يُصيبه إذا واصل السعي.