يَقفُ علاء حسونة (7 أعوام) مُحتَضِنًا كرة القدم وكأنَّها كَنزه الثمين، رغم تهالكها إثرَ تلّقيها العديد من الضربات من جدران المخيم، مستخدمًا وأصدقاؤه باب بيتهم مرمى للعب، وأحذيتهم لتحديد مساحة الملعب وهو عبارة عن ممر صغير يفصلُ بيتهم عن بيتِ جيرانهم ولا يتجاوز بضع أمتار. يقضمُ قطعةً من الخبزِ على عجلةٍ من أمره ويلتحقُ سريّعًا بأصدقائه المتواجدين في أزقة المخيّم نحو الملعب، فيما تعلوا أصواتهم بين فينةٍ وأخرى فرحين بتسديد هدف وكأنهم في ملعبٍ حقيقي.
يقطن علاء في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، ذلك المخيم الذي لا تتجاوز مساحته 588 دونم، فيما يبلغ تعداد سكانه 16 ألف نسمة، يقول: "هاد المكان الوحيد اليّ بنقدر نلعب فيه لأنه الشوارع التانية للسيارات، وما بنقدر نروح على ملعب لأنه الدخول بفلوس، بنلعب في فترة الصبح وخلص لأنه العصر بكونوا سيدي وستي والحجات الكبار قاعدين هنا". يباغتنا صوت أحد كبار السن المُتعطشين للهدوء بعد تسديدِ هدف من الفتية، قائلًا: "بس يا ولد انت واياه، روسنا بتجعنا".
في أزقة المخيم يتزاحم الفتية مع الفتيات مع كبار السن، الجميع يُحاول أن يجدُ مساحةً لنفسه، يضيف علاء في حديثه لآخر قصة: "كمان البنات بدهم يلعبوا والكرة بتضل تروح لعندهم. الكل بقلنا روحوا العبوا بعيد.. وين نروح؟" سادت الحيرة في رأس الصغير، أين يقع ملعبهم الدائم دون مضايقة الجيران؟ ليس علاء وحده؛ بل الكثير من الأطفال يقفون حائرين في اختيار مكان لعبهم.
ولاء أبو غزالة (12 عام)، من سكان مخيم المغازي، هي أيّضًا تشكو من إيجاد مكان للعب، تُمارس مع صديقاتها لعبة الحجلة التي تُرسَم على الأرض وتحتاجُ مسافة أكبر بكثير من زُقاق بيتها الضيق. تقول الصغيرة ولاء: "كل يوم بلعب هان ولكن أحيانا ما بقدر ألعب عشان بكون قاعد ابن جيرانا وصحابه، وأحيانًا بنات جيراننا كلهم بنزلوا في الشارع وهو ما بوسع أكثر من بنتين".
يُفتقد قطاع غزة لمساحاتٍ خضراء للعب الأطفال الذين يُمثلون نصف سكانه تقريبًا، وفق إحصائية لمركز الإحصاء الفلسطيني، تُشير إلى أن نسبة الأطفال في فلسطين تُشكّل نحو 44.2% من إجمالي السكان، وتُشكّل في قطاع غزة لوحده 47.5%.
ويحتاج الأطفال لتفريغ طاقاتهم من خلال اللعب لكنَ المخيم الذي هو أشبه بكتلة خرسانية يفرضُ عليهم ألعاب محددة ضمن شروط مخصصة واستخدام أدوات بسيطة. فيما ينص قانون الطفل الفلسطيني على أن اللعب حق من الحقوق التي كفلها القانون رقم (7) لسنة 2004م، في المادة (40) التي تقول: "الحق في الراحة ومزاولة الألعاب، لكل طفل في المدرسة الحق في وقت للراحة ولمزاولة الألعاب والأنشطة المناسبة لسنه والمشاركة بحرية في الحياة الثقافية وفي الفنون".
وتتقلص المساحات المفتوحة تدريجيًا في قطاع غزة، نتيجة الزحف العمراني المدفوع بالكثافة السكانية، حيث يصل العجز في الوحدات السكنية في القطاع لـ120 ألف وحدة، وفقاً لإحصاءات وزارة الأشغال العامة والإسكان.
هذا الأمر، انعكس سلبًا على الأطفال الذين كانوا يستثمرون المساحات الفارغة بين المباني حتى أولئك الذين يقطنون خارج المخيمات، لغايات اللعب والترفيه. قلّةٌ منهم ينحدرون من أسرٍ ميسورة، التحقوا بالنوادي الرياضية والملاعب المُعشبة لممارسة هواياتهم التي كانت في السابق تنبت من الحارات مثلما تنبت فروع الأشجار.
أمام هذا الواقع كان من الضروري، التعرف على الدور المبذول من قبل وزارة الحكم المحلي لتعزيز حضور المساحات الخضراء والمفتوحة للأطفال. قالت مديرة دائرة التخطيط العمراني في الوزارة، أمل محيسن: "إنَّ هناك مخططات تم عملها على أرض الواقع بمساحة 3160 دونم ما بين مرافق للأطفال ومدارس ومنتزهات، وهناك الكثير من المخططات التي تعمل الوزارة على إنشائها على أرض الواقع واستغلالها لكافة فئات المجتمع وللأطفال تحديدًا، وذلك تحت وطأة ظروف صعبة يعيشونها منذ سنواتٍ ماضية".
أضافت محيسن في سياق حديثها لـ"آخر قصة"، "نحاول الضغط على الجهات المعنيّة (لم تسميها) لتوفير مساحات من أجل إنشاء مدارس للأطفال ومرافق عامة، ومنتزهات في ظلّ ازدياد حجم السكان".
وتابعت: "لكن هناك ما يُعرقل العمل على أرض الواقع، حيث نجد أماكن مفتوحة تحولت لسكنيّة، كما نواجه صعوبة في إيجاد ممول يدعم المشروع ويسدّ ثغرات الضعف في إنشاء الحدائق، وتوفير تعويضات للسكان في حال تم إخلاء أماكنهم".
بناءً على ما سبق، نستنتج أن المساحات المطلوبة للأطفال كحق من الحقوق الأساسية، ستبقى مُغيّبَة عن خارطة التطورات العمرانية التي تسير بوتيرة متسارعة في قطاع غزة تحت وطأة غياب الممول، وتعاظم العجز في الوحدات السكنية.