مهمشون على مقاعد الدراسة: حقائب فارغة وزي بالٍ

مهمشون على مقاعد الدراسة: حقائب فارغة وزي بالٍ

الضجة التي أحدثتها أقدام الزبائن في الأسواق المحلية استعداداً لشراء الزي المدرسي والحقائب والقرطاسية، لا أثر لها في حي "نهر البارد" الواقع غرب محافظة خانيونس جنوب قطاع غزة.

في هذا الحي الذي تقطنه أكثر من مئة أسرة من معدومي الدخل في بيوت من الصفيح والخيام التي يغطيها البلاستيك، تنعدم مظاهر استقبال العام الدراسي الجديد الذي بدء اليوم الاثنين التاسع والعشرين من أغسطس.

يقف الطفل توفيق زعرب (10 أعوام) على مدخل زقاق مؤدي إلى بيته، وهو يحمل بيديه عدداَ من زجاجات الماء الصالح للشرب والتي عبأها من خزان المياه المحلاة المقام على بعد أمتار من المسكن وبجواره أخوه "محمد" الذي كان يقضم خبزاً يابساً محشواً بالزعتر، ولا يعلم الاثنان عن مظهر العام الدراسي أي تفاصيل، سوى أنهما سيغادران المسكن باتجاه المدرسة بعد ثلاثة أشهر من الإجازة الصيفية بزي قديم.

يستعد كلاهما إلى الذهاب للمدرسة، محملين بحقائب بالية كانت قد تبرعت بها إحدى المؤسسات الإغاثية المحلية، السنة الماضية، واضطرت أمهما لرتق ثقوبها استعداداً للعام الدراسي قبل أيام.

أسرة الطفل "زعرب" ومعها حوالي 130 أسرة تقطن هذا الحي المتهالك، والذي يعيش فيه حوالي 400 طفل يعانون من ظروف معيشية قاهرة، محرومون من أدنى حقوقهم الصحية والترفيهية. وتعد هذه العشوائية هي واحدة من أصل ثمان وعشرون عشوائية موزعة على مختلف محافظات قطاع غزة، ويعيش عليها آلاف السكان ممن تقطعت بهم السبل ويعانون الفقر وانعدام المسكن وعدم القدرة على دفع الإيجارات لأصحاب الشقق السكنية.

الأب الأربعيني غير المتعلم وزوجته الثلاثينية التي انقطعت عن الدراسة منذ المرحلة الإعدادية، يحرصان على ذهاب طفليهما إلى المدرسة، متأملان أن يعيشا حياة كريمة بتعليمهما ويحققان ما لم يستطع والديهما تحقيقه.

تقول الأم:  "أنا شديدة جداً ع ولادي لازم يروحو عالمدرسة حتى لو مش عارفة أعلمهم وأراجع معهم بأرسلهم لجارتي تعلمهم وتتابع معهم".

ويضطر الأطفال القاطنون في هذا الحي، للسير إلى أقرب مدرسة مشياً على الأقدام بمقدر نصف ساعة تقريباً، وإن حالفهم الحظ تقلهم إحدى عربات الكارو التي تمر بالجوار.

وتحتضن 10 مدارس حكومية واقعة على حدود مدينة خانيونس ما يزيد عن 2000 طالب وطالبة من المرحلة الابتدائية حتى الثانوية، ويلتزم طلابها بالدراسة كل عام بشكل منتظم، إلا في أوقات الاجتياحات الاسرائيلية التي يزيد فيها خطورة التعليم والوصول للمدارس من قبل الطلاب ومدرسيهم.

ووفقاً لوحدة العلاقات العامة في مديرية شرق خانيونس بوزارة التربية والتعليم، فإن الوزارة تنوي البدء اليوم الاثنين بفعاليات التفريغ النفسي للطلاب والتي تشمل عدداً من الألعاب والأنشطة الترفيهية، وستستمر لمدة أسبوع واحد.  

تقول أم "توفيق" وهي تجلس على فراش مهترئ وتستخدم طبق بلاستيكي للتهوية: "فش عنا أجواء لأشي، الفقر أكلنا، كان نفسي أكسي أولادي للمدارس زي كل هالصغار، ويفرحو بالزي بس الوضع مش سامح ما عنا شيكل بالبيت وبننتظر مؤسسة توفرلنا زي مدسي وشنط".

وتتابع السيدة المكتنزة: "من هان لوقت ما تتوفر الكسوة المدرسية، مضطرة أبعتهم بالملابس القديمة، بعد ما خيطت حقائبهم وأحذيتهم القديمة".

وأسرة "زعرب" هي واحدة من الأسر التي طالها وحش البطالة المقدر نسبتها بـ 46% في قطاع غزة، وفقاً لآخر إحصاءات.

ولا تتوقف محاولات رب الأسرة عن البحث عن عمل ليحسن من وضع أسرته المكونة من 4 أفراد، وهي من الأسر الأقل عدداً في الحي، موضحاً أن أطفاله كما كل أطفال العالم لديهم احتياجات ورغبات ويكثرون الطلب في بعض الأحيان، ولكنه يضطر لتقديم وعود "كاذبة" أحياناً لتأجيل قضاء احتياجاتهم.

ويؤكد محمد فحجان منسق مساعدات نهر البارد، أن الحي يفتقر لأدنى مقومات الحياة، وأن احتياجاته تشمل جميع مناحي الحياة، من مأكل ومشرب وملبس وكسوة المناسبات ومواد تنظيف وغيرها، وأن بعض المؤسسات الإغاثية تدفع باتجاه تقديم إعانات لأهالي الحي في محاولة لتغطية جزء من احتياجاتهم الماسة.

ويشير فحجان إلى أن جميع سكان الحي يعتمدون على المساعدات في كل المواسم، بدءً من شهر رمضان مرورا بالأعياد، وموسم المدارس، ذلك أن معظم أرباب الأسر عاطلون عن العمل.

وأوضح أنه في موسم كهذا (مواسم المدارس) يجري التنسيق مع عدد من المؤسسات لتوفير كسوة المدارس لطلاب الحي، "ولكن تشترط بعض المؤسسات توثيق عملية التوزيع خلال استلام الأهالي للمساعدات، وهو أمر للأسف تعايش معه أهالي الحي اضطراراً للحصول على ما يغطي احتياجات أبنائهم" .

وفي بيان صادر عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، تلقت آخر قصة نسخة عنه، فإن الوكالة استلمت حتى الآن أكثر من نصف عدد الكتب، ليتم تسلم بقية الكتب المدرسية قبل نهاية الشهر الحالي على الطلبة الملتحقين بمدارسها على مستوى محافظات قطاع غزة.

وأشار رئيس برنامج التربية في الأونروا فريد أبو عاذرة، أنه سيجري تسليم الكتب للطلبة في أول أيام الدوام الدراسي، موضحاً أن جميع الطلبة من الصف الأول وحتى التاسع، سيتسلمون قرطاسية تتكون من رزمة كراسات (60 ورقة)، وكراستين للغة الإنجليزية، بالإضافة إلى أقلام.

 وقد عبرت بعض الأمهات اللواتي تعاني أسرهن من فقر مدقع وأخريات ينحدرن من أسر محدودة الدخل، من خلال صفحات الفيسبوك، عن عدم كفاية هذا العدد من الدعم الأممي المقدم للطلبة، نظراً لأن حاجة أبناءهم من القرطاسية، هي أكثر من ذلك بكثير، على حد تقديرهم.