الرقص المعاصر.. أسلوب حياة "مهند" في مواجهة التحديات

الرقص المعاصر.. أسلوب حياة "مهند" في مواجهة التحديات

يقف على المسرح وسط مجموعة من الراقصين الشباب، بثبات وثقة، ليؤدي دوره المنوط به بحركات جسدية متناسقة، معبرًا عن قضايا وتحديات مختلفة يواجهها هو وآخرين داخل مجتمع قطاع غزة، بطريقة الرقص المعاصر.

مهند صمامة، شاب من قطاع غزة، يبلغ من العمر 25 عامًا، درس التربية الرياضية في الكلية الجامعية. بدأت رحلته في تعلم واتقان الفن المعاصر منذ الطفولة، تقريبًا قبل 10 سنوات، بعدما بدأ بمشاهدة فيديوهات رقص معاصر لفنانين عبر الانترنت، وقد جذبته الموسيقى والحركات الجسدية التعبيرية المصاحبة لها.

منذ الطفولة عشق الرياضة، ربما لأن والده ووالدته يعملان مدرسان للتربية الرياضة، لعب كرة القدم، وأصبح يطمح لأن يكون لاعبًا نجمًا في المستقبل، لكن وبسبب صعوبة وصول لاعبي القطاع للنجومية العالمية، قرر الغوص في رياضة الرقص كونها تعتمد على قدرة الجسد على الحركة المتناسقة مع الموسيقى، وبناء أنماط وأشكال مختلفة من حركات الجسد.

بدأ مسيرته خلال مراحل التعليم الأساسية، وقتها، كان يستغل الاستراحة ما بين الحصص المدرسية ليباعد بين المقاعد الدراسية داخل الفصل، مستعرضًا بعض الحركات لزملائه المهتمين بمشاهدة حركات هيب هوب. لم يتلقى تشجيعًا من أشقائه حينها، إلا أنّ والديه دعماه بشكلٍ مطلق، مشجعين إياه على فعل ما يحب.

خلال السنوات الأولى وحتى عام 2015، ركز على متابعة الفيديوهات التي تبث على قنوات يوتيوب، درس حركات الجسد، مجربًا تقليدها في غرفته، وأصبح يبحث، عن معنى وهدف كل حركة، وكيف يتم توظيفها لفهم اكتمال الرقصة التي تعبر عن موضوعًا ما، ومن هم الراقصين، خاصة العرب منهم، وما هي أنواع الرقصات الخاصة بكل منطقة جغرافية وثقافة، والاختلافات فيما بينهم، لكي يكمل عملية بحثه عن اللون الخاص به.

وقال الشاب في سياق حديثه مع "آخر قصة"، "بعد 3 سنوات بديت أطلع للناس، حبيت الناس تشوف مهند ماذا فعل خلال تلك المدة، لكن اكتشفت أنه ما في قبول لهذا النوع من الرقص، تعرفت على راقصين من غزة وبدأنا التجمع وممارسة أنشطة رياضية على شاطئ البحر". ليفكر فيما بعد في كيفية مواءمة الأنشطة والرقصات الخاصة بهم كراقصين بين المجتمع، وتوظيفها في انشاء القصص والرياضات المختلفة داخل النوادي الرياضية لترسيخ مفهوم الرقص المعاصر مع المجتمع المحلي.

فيما بعد، تعرف على أصدقاء يجيدون ممارسة "الهيب هوب" وهو ما شجعه على تأسيس أول فريق للرقص المعاصر، وتمكين هؤلاء الأشخاص من خلال ورشات تدريبية للرفع قدراتهم وتطويرها بقالب الهيب هوب، ليقوم بدمج الدبكة الشعبية لانشاء مزيج مفهوم أقرب لما يتناسب مع المجتمع، أَطلق عليه "ستيب سكول" وكان الهدف نشر هواية الهيب هوب والرقص المعاصر في القطاع، حتى أنه تمكن من أخذ مساحات في الجامعة الإسلامية ونوادي رياضية متنوعة لعرض انتاجاته المتنوعة في محاولة منه لنشر المضمون وليس أنشطة الرقص. 

توالت العروضات في عدة مسارح داخل قطاع غزة المحاصر للعام 15 على التوالي، كما شارك في عدة مهرجانات محلية ودولية. منها مهرجان "جَمعة" مع المتحف العربي الأمريكي في فيلم "شهيق"، وقام بإنتاج فيلم "رقم" بدعم من مؤسسة فلسطينيات، كما شارك عام 2019 في مهرجان "ربيع السلام" كمصمم رقصات فن معاصر يعبر عن قضية المهرجان التي تمحورت حول "راشيل كوري" ناشطة السلام الأمريكية التي تم قتلت بجرافات الاحتلال الإسرائيلي في رفح جنوب القطاع إبان أحداث انتفاضة الأقصى عام 2000. وأضاف من خلال تصميماته لوحات فنية على أغاني الفنانة الراحلة "ريم بنا".

استمر بتطوير مهارته رغم افتقاد القطاع إلى مدربين أصحاب خبرة في هذا المجال، حتى عمل مع الفنانة الفلسطينية "فرح صالح" المتواجدة حاليًا خارج فلسطين، على موضوع "أرشيف الجسد" الذي يتحدث عن اللاجئين الفلسطينيين. كما تعاون مع فريق "يا سمر" من الناصرة، مقره نيويورك، مكتسبًا خبرات من مسؤولة الفريق "سمر حداد" لتطبيقها في أعماله.

كما أنّ مهند قام بتوظيف الإضاءة الحديثة ضمن رقصاته المعاصرة، ولم يستطع استكمال عروضه المضيئة لعدم توفر الأجهزة اللازمة، والخبراء التقنيين لانشاء أعمال التي يتم فيها دمج الرقص مع الألوان المضيئة.

خلال تلك المسيرة، واجه العديد من التحديات على أرض الواقع والتي أجبرته على استخدام الحيل في تنفيذ بعض الأنشطة بهدف ضمان الاستمرار، يقول صمامة "حتى خلال تنفيذ فيلم شهيق، كنت أنزل على التصوير مبكرًا منذ بداية النهار، حتى لا يتم إيقاف العمل عليه، أو التعرض لمضايقات في الأماكن العامة".

عمل صمامة على تدريب العديد من الفتيات في سن طفولتهنّ، إلا أنّ العديد منهم لم يستمروا في هذا المجال ومنعن من قبل أسرهنّ بسبب العادات والتقاليد، فضلا عن منع وزارة السياحة في غزة الفتيات اللواتي تجاوزن الـ 14 عاماً من اعتلاء المسارح، حسب ما قال.

وعلى الرغم من سفر أفراد فريقه، واحدًا تلو الآخر إلى خارج القطاع بحثا عن فرص أفضل، وانسحاب الفتيات اللواتي تجاوزن العمر المحدد. لم يتوقف "مهند" عن الحلم والدراسة وتطوير قدراته وخبراته في تصميم الرقصات وإخراج الأعمال الفنية وانتشاره بين المؤسسات الفنية والثقافية، والمدارس الحكومية، حتى أطلق بداية العام الحالي 2022، فريق "حي للفنون المعاصرة" والذي يتكون 12 فردًا.

بحث الشاب عن راقصي هيب هوب، ولاعبي باركور، ورياضات أخرى، مكونًا فريقه الحديث، بهدف دمج الفنون فيما بينها لإنشاء لوحة فنية متنوعة ومتكاملة، متجمعين في أماكن محددة لممارسة التمارين والرقصات الناتجة عن دمج أكثر من فن ورياضة في أعمال فنية جديدة، وعن اسم الفريق يقول "سميته حي للفنون المعاصرة، كوني أفكر في إحياء الفنون من جديد، إلى جانب إحياء المناطق المختلفة التي ينتمي لها كل فرد من أفراد الفريق".

ويعتبر صمامة التواجد داخل الأراضي الفلسطينية وممارسة الفن المعاصر، هو أكبر التحديات التي يواجهها أي فنان فلسطيني، كون البيئة في غالبيتها لا تتقبل فن الرقص المعاصر سواء للشباب أو الفتيات، وهو ما يدفعه للتعبير عن تلك التحديات من خلال تصميمه لرقصات يقوم بتأديتها على المسرح برفقة آخرين، بالإضافة لتعرضه إلى ضغوطات تسببت بها الحروب المستمرة على القطاع.

وقال"كل الضغوطات علينا كأشخاص إضافة للحروب، بتخلي عند الشخص ضغط نفسي وحركات لا إرادية، لو بدنا نحكي كيف بدنا نوظفه، فبمجرد حركتي أو مشيتي المعتادة هادي، أو الحركات الدائرية الراقصة، تكون عبارة عن تفريغ للضغط الانفعالي، فما بالك وانت قاعد بترقص، وبترقص أنواع مختلفة من الرقص الارتجالي، والتفريغ من خلالها"، ليكون هو أسلوب الحياة اليومية لمهند وفريقه.