قبل سنوات مضت كان من الصعب مشاهدة فتاة تمارس الرياضة بالزي الخاص على شاطئ البحر في قطاع غزة، على اعتبار أن هذا السلوك مخالف للعادات والتقاليد في هذا المجتمع المحافظ، غير أن الواقع الآن قد تغير إلى حد كبير.
مع ساعات الصباح الأولى، تتوافد النساء إلى الكورنيش الواقع إلى الغرب من مدينة غزة، لممارسة رياضة المشي وهي الرياضة الأوسع انتشارا في أوساط الإناث.
ومع هذا النشاط الملحوظ للرياضة النسائية، إلا أنه لا تتوفر أرقام دقيقة عن اعداد النساء اللواتي انخرطن في الأنشطة الرياضية بغزة. ولكن يبدو السؤال الأكثر إلحاحاً: هل أصبح القطاع أكثر انفتاحاً، أم أن النساء استطعن فرض موهبتهن على المجتمع؟
وقبل الإجابة على السؤال، حاولنا الرجوع لجذور الحركة للرياضة النسائية في قطاع غزة، فوجدنا وفق بحث بعنوان: الرياضة النسوية في قطاع غزة: واقع وطموح (دراسة تاريخية تحليلية من منظور نسوي) تعود جذور الحركة الرياضة إلى ما قبل النكبة 1948، غير أنها نشطت في حقبة الخمسينات (إبان الإدارة المصرية للقطاع)،
وطبقاً للإفادة التي سجلها البحث نقلاً عن أحد أعمدة الرياضة في قطاع غزة الحاج سالم الشرفا، فإن الفترة الممتدة من (1959-1967)، كانت قد شهدت انفتاحاً على الرياضة النسائية، "حيث كانت تنضم الفتيات إلى الأندية الرياضية ويوظبن على ممارسة التمارين أكثر من الذكور".
وأشار الشرفا إلى أن الأهالي كانوا يتقبلون فكرة ممارسة الفتيات للرياضة ويساعدنهن على الانخراط في الأنشطة الرياضية في تلك الحقبة، فضلا عن السماح لهن بالمشاركة في بطولات خارجية كالصين والسويد والدول العربية.
ومن الواضح أن واقع الرياضة النسائية مرت بمراحل اضطراب، وفقاً للحالة السياسية، حيث تراجعت في أواخر ثمانيات القرن الماضي، بفعل اندلاع أحداث انتفاضة الحجارة، ثم استعادت نشطها النسبي بعد توقيع اتفاق أسلو (1994- 2000)، ثم تراجع نشاطها مع دخول انتفاضة الأقصى وما تبعها من أحداث داخلية استمر انعكاسها إلى ما بعد العام 2010.
بالعودة إلى السؤال الآنف، فإن أنعام أبو قينص (37 عاماً)، مدربة لرياضة البيسبول والسوفتبول، وهما رياضتان حديثتا عهد في قطاع غزة، قالت إن المرأة هي التي تستطيع أن تفرض رغبتها، حتى لو كانت تتعارض مع رغبة المجتمع.
وأشارت أبو قينص إلى أنه تأسس اتحاد لأنواع جديدة من الرياضات في قطاع غزة عام 2017، وقد انضمت إلى نادي النصر العربي وبدأت بمتابعة الفرق الرياضية الناشئة للفتيات، مبينة أن رياضة البيسبول والسوفتبول وجدتا إقبالا كبيرا لتعلم مهاراتهما، رغم معارضة أهل الفتيات بالانضمام.
وقالت "استطعت إقناع الأهل بأهمية اشراك فتياتهن في الأنشطة الرياضية التي يغربون بالمشاركة فيها، وبعض الأهالي حضر التدريبات لاكتساب المزيد من الثقة".
وحصلت أبو قينص على جائزة أفضل لاعبه لعام 2020 للبسيبول، بتشجيع من عائلتها وإسنادها في المباريات. وعندما قامت بتأسيس فريق كرة قدم للفتيات دون سن 18 عاماً، قالت إنها رافقت الفتيات المنخرطات في الفريق في رحلتي الذهاب والإياب إلى النادي، وصولا إلى مرحلة تغيرت فيها الثقافة السائدة بأن الرياضة للذكور فقط.
ويتقاطع ما قالته المدربة أبو قينص، مع أقوال الصحفية والباحثة الرياضية نيلي المصري، والتي أشارت إلى أن النساء الرياضيات استطعن كسر القالب التقليدي الذي كان سائدًا، "فالعادات والتقاليد المجتمعية التي كانت تمنع المرأة من ممارسة كافة الأنواع الرياضية منذ سنوات ليست قليلة، ضربت بها المرأة عرض الحائط" حسبما قالت.
وفي تأريخها لنشاط الرياضة النسائية في غزة، قالت المصري إن أكثر أنواع الرياضة التي تمارسها النساء في قطاع غزة وهي لعبة الشطرنج، وهي لعبة يلعبها شخصان على رقعة الشطرنج بستة عشرة قطعة لكل لاعب، تتحرك هذه القطع حركات معينة والهدف من اللعبة هو الإماتة وتهديد الملك بأخذ حتمي، ولا يشترط أن تنتهي اللعبة بالإماتة ففي بعض الأحيان يستسلم اللاعبون حين يتيقنون من خسارتهم.
وأفادت أن المجتمع قبل سنوات قليلة مضت، كان يعتبر أن الرياضة سلوك غير مناسب للمرأة، غير أن مشاركة العديد من النساء في مسابقات المشي" المارثون" التي نظمها العديد من المؤسسات النسوية المحلية، وكذلك المنظمات الدولية، شكلت اختراقاً للنمطية التفكير تجاه ممارسة النساء للرياضة في الأماكن العامة.
في المقابل، قالت هلا الحسيني، رئيسة لجنة المرأة في الاتحاد الفلسطيني للثقافة الرياضية (غير حكومي)، إن النساء الفلسطينيات بحاجة إلى مساحة آمنة، ومكان لممارسة النشاط الرياضي الخاص بهن.
واعتبرت الحسيني أن النساء يلجأن إلى رياضة المشي بشكل أكبر، لكونها أسهل الرياضات التي تستطيع كافة الفئات العمرية من ممارستها.
وأكدت الحسيني في سياق تصريح صحفي، أن التوعية بأهمية الرياضة بالنسبة للنساء، أمر في غاية الأهمية، من أجل كسر الصورة النمطية في المجتمع حول حق المرأة في ممارسة الرياضة، مشددة على أهمية ألا تكون ممارسة الرياضة لفئة معينة أو عنصر معين، أو لون معين، "فهي لكل البشر ويجب أن تُمارس من الجميع".