السبعيني "الصواف" ينسج الأمل على نوله اليدوي

عن لفة الصوف التي تصنع لوحات فنية

السبعيني "الصواف" ينسج الأمل على نوله اليدوي

أجمل المهن هي تلك التي ورثناها عن آبائنا وأجدادنا وأجمل لحظاتي عندما أرى أعمالي المميزة جاهزة وتسافر من مشغلي إلى منازل آخرين ممن يقدرون الفن والتراث داخل قطاع غزة وخارجه.

أنا محمود الصواف أبلغ من العمر 70 عاماً قضيت أكثر من نصفها أمام نول خشبي كبير، حين بدأت بتعلم صناعة السجاد اليدوي مع أبي وأعمامي، وأصبحت مهنتنا العائلية التي توارثناها حتى سُميت عائلتنا بالصواف نسبة للمهنة، ونفخر دائماً أننا من أصحاب المهن الحرفية اليدوية المهمة.

في مشغلنا الصغير يوجد آلاف السجادات المميزة بتصميماتها الهندسية المزخرفة بالألوان المختلفة، والتي أنتجتها بكد وتعب وسهر يومي من الصباح حتى المساء على آلة النول التقليدية.

وتحتاج مهنتنا للذوق الرفيع في اختيار وتصميم السجادة المراد حياكتها وألوانها التي نختارها بتأني لتكون متناسقة وملفتة للزبائن، وتعتمد صناعة السجاد على الصبر وتحمل الجلوس الطويل أمام النول حتى الانتهاء، إلى جانب الدقة والتركيز لتكون الخيوط منسوجة بشكلها الصحيح دون نشاز أو أخطاء وفق ما تعلمنا وعلمنا أبنائنا.

تتكون عملية تصنيع البساط اليدوي على النول الخشبي، من ثلاثة أوتار خشبية، وخَشبة مسطحة تُسمى بالمَسدية، عليها ما يقارب 400 خيط متراصين جانب بعضهم البعض، أشبه بأَوتار آلة العزف الموسيقي "العود".

وتبدأ عملية النسج اليدوي بأِختار لون الخيط ثم وضعه في "بكرة الخيوط"، يليها مرحلة عد الخيوط على أوتار المسدية بشكل سلس ودقيق، وفي أول 20 خيط تنسج الخيوط بعضها ببعض ومن ثم أُحرك بدالات آلة النول الخشبية كأنني أقود دراجة هوائية، وأكرر العملية حتى يتكون لديّ السجادة التي خططت لصنعها، لأَعرضها فيما بعد داخل المعرض بجانب مشغلي.

عندما بدأ آبائنا وأجدادنا بصناعة السجاد اليدوي، ونقلنا عنهم المهنة، لم تكن هناك آلات أوتوماتيكية لصناعة السجاد بشكل آلي، وهو ما بات منتشراً اليوم، كما كُنا قديماً نعتمد على الخيطان المصنوعة من صوف الخراف، أما اليوم بتنا نستخدم الخيوط المستوردة، والتي نختار منها الألوان والخامة التي تتناسب مع عملنا على الآلة اليدوية.

وتعتبر مهنتنا على النول اليدوي من أعرق الصناعات التقليدية التي اقترنت بحياة الفلسطيني وتاريخه وتراثه وحضارته منذ زمن عقود ماضية، ولكن الإقبال عليها تأثر وتراجع كثيراً بسبب تراجع الظروف الاقتصادية والسياسية الغزّية والتي ساهمت بمنع دخول السياح من مختلف دول العالم إلى القطاع.

في بعض الأوقات، وبسبب الكساد، أجلس وأفكر كيف كان السياح هُم الزبائن المفضلين لمنتجاتنا نظراً لتقديرهم التام للحرف اليدوية وجودة صناعتنا، لكنّ الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ ما يقارب 15 عاماً كان له الأثر الكبير على دخول السياح وحتى عملية إيقاف تصدير السجاد والبساط المصنوع يدوياً إلى خارج فلسطين، وحتى التصدير إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة ومنها القدس.

أما مواطنو القطاع، أصبح الغالبية العظمى منهم يقبلون على السجاد المستورد من الخارج، والمصنوع بآلات أوتوماتيكية نظراً لإنخفاض أسعاره وتراجع مستوى دخلهم خلال سنوات الحصار، في حين يُعتبر سجادنا اليدوي من المنتجات مرتفعة الثمن مقارنة بالمنتج المستورد.