قد يبدو للجمهور أن الطريق أمام الموديلز ناعمًا، أضواء، تصوير، وإطلالة لافتة، عدا عن الشهرة والأجر الذي تحصل عليه، لكن من سبقن المسير في هذا الطريق منذ سنوات التقطن الشوك منه، حيث وَاجَهْنَ المعارضة لعملهن على الصعيدين العائلي والمجتمعي.
دينا برجس (33 عامًا) اسم مستعار لفتاة من قطاع غزة تعمل عارضة أزياء أو ما يعرف بـ"الموديلز" منذ 8 سنوات، وعلى الرغم من ذلك إلا أنها اشترطت الحديث لـ آخر قصة بعدم ذكر اسمها.
تقول برجس: "أحببت الموضة والأزياء منذ صغري وأردت العمل فيها، لكنني واجهت معارضة ورفض كبيرين من قبل عائلتي". لم يكن خيار دينا العمل في مجال الموديلز لممارسة هوايتها التي أحبتها فحسب، وإنما لتحقيق الاستقلال المادي.
وأضافت "أردت أن أستقل ماديًا عن أسرتي وبخاصة بعد التكاليف الباهظة التي تحملتها خلال دراستي الجامعية في تخصص الهندسة، الأمر الذي جعلني أتحرج من مطالبتهم بتخصيص مصروف شخصي، لقد كنت أكتفي بالقليل"، لذا حين عُرض عليها فرصة العمل كعارضة أزياء، تمسكت بالفرصة ولم تفكر مرتان.
وقعت برجس في حيرة بين ممارسة الهواية التي أحبتها، وعدم تقبل العائلة لهذا النوع من العمل، لكنها لم تستسلم. فبعد محاولات عديدة استطاعت إقناعهم بالعمل شريطة ارتداء الملابس المحجبة مع إخفاء كامل لملامح الوجه، مشيرة إلى أنها كانت تحصل على أجر مقداره 100 شيكل مقابل كل جلسة تصوير.
وقالت: "اعتقدت أن وجهة نظر العائلة ستتغير مع مرور الوقت، ولكن مرت ثماني سنوات ولم تتراجع عن موقفها، مشيرة إلا تراجع عملها مؤخراً بسبب اكتفاء بعض أصحاب المتاجر بالصور المرفقة مع الموديلات المستوردة، دون الاستعانة بعارضة أزياء.
وأوضحت أنها لا تزال متمسكة بخيار العمل في هذه المهنة، تحت وطأة الظروف الاقتصادية وعدم توفر فرص عمل بديلة، تتيح لها الظهور أمام المجتمع دون خوف.
ووفقا لنتائج مسح القوى العاملة التي أجراها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني للعام 2021، فإن معدل البطالة بين الشباب (19-29 سنة) الخريجين بلغ 53% ( ويشكلون ما نسبته 27% من إجمالي المتعطلين عن العمل). أما على مستوى الجنس فقد بلغ 66% للإناث مقابل 39% بين الذكور.
وتشير النتائج إلى أن هناك فجوة كبيرة في المشاركة في القوى العاملة بين الذكور والإناث، حيث بلغت نسبة مشاركة الإناث في القوى العاملة 17% مقابل 69% للذكور.
بحثنا عن شابات أخريات يعملنّ في ذات المجال، وكان اللقاء مع الموديلز حلا الرمادي (20 عامًا)، أثناء عملها داخل إحدى مولات الملابس بغزة، حيث تقف وسط إضاءة صفراء ترتدي فستانًا أسودًا طويلاً مرتفع الأكتاف، تتلألأ تفاصيله تحت الإضاءة مع حركاتها المتتالية التي تجاري صوت غالق الكاميرا السريع. في كواليس جلسة التصوير حيث تتراكم الملابس التي تم الانتهاء منها، تقول "بدأنا التصوير منذ 5 ساعات، علينا الانتهاء اليوم من جميع الموديلات التي وصلت حديثًا".
تتفقد حجابها وهاتفها بينما تتحدث الرمادي لـ"آخر قصة"، "مجال عملنا ليس سهلاً كما يعتقد البعض، الصور الجميلة هي كل ما يظهر للمتابعين، وفي الكواليس الكثير من الجهد والوقت، حتى على صعيد الحياة اليومية، والاعتناء بالمظهر الخارجي".
دخلت الفتاة القادمة من الأردن، عالم الموديلز قبل عام، وأثناء دراستها الجامعية لتخصص التصميم الداخلي والديكور، قادتها الصدفة إلى مصور كان يبحث عن فتاة ترتدي الأزياء المطرزة لصالح إحدى المتاجر، وبعد التجربة وجدت أن النتائج مرضية، وأن لديها حضور أمام الكاميرا.
على عكس سابقتها، لم تواجه حلا أيّ معارضة من عائلتها "لقد نشأت في جو منفتح اجتماعيًا، وأهلي يعلمون حجم اهتمامي ومحبتي لمجال الموضة والتصوير"، مضيفةً: "على الصعيد العام، لم أواجه انتقادات، أعتقد أن الناس بدأت تُولي أهمية لهذا المجال وتعترف بالجدوة المادية، ومساعدته في الترويج لصالح المتاجر".
وتتعاون الرمادي مع الماركات والمتاجر المختلفة، داخل غزة، محققة نوعًا من الاستقلال المادي، مؤكدة أنها تولي الدراسة الجامعية أهمية قبل العمل، "مع الأخذ بعين الاعتبار أن مجال الموضة يتطور في غزة وهذا يجعلني مهتمة بتطوير نفسي فيه" كما قالت.
ويشكل عمل الفتيات في قطاع غزة، في مجال الموديلز، أسلوبًا جديدًا لعملية تسويق البضائع وخاصة ملابس النساء والفتيات، حيث تزايدت أعداد العاملات في هذا المجال مؤخرًا مع انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، والتي فتحت المجال أمام المحال التجارية لمنافسة تسويقية جديدة في عرض الملابس وجذب الزبائن.
"فيسبوك وانستجرام" هي أبرز التطبيقات التي يستخدمها سكان قطاع غزة، وهذا أتاح للعديد من الفتيات تصوير ونشر يومياتهم وطريقة لباسهم وطعامهم، وعرضها للمتابعين على صفحاتهم الشخصية، حيث تنامى عدد المتابعين، يومًا بعد يوم، حتى أصبح بعضهم يمتلك الآلاف مما مكنهنّ من دخول مجال التسويق دون تخطيط على الأغلب، حيث أن مستوى الرواج والشهرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، هي إحدى أهم المعايير التي يتم بناءً عليها اختيار الموديلز.
سلمى شراب (21 عامًا)، واحدة من الفتيات اللواتي يعملنّ في مجال التسويق عبرّ شبكات التواصل الإجتماعي، تحاول انتقاء المحتوى الذي تقدمه بعناية، وبطريقة مختلفة عن سابقاتها، كذلك الجهة التي تتعامل معها كي تحافظ على دعم عائلتها واحترام المتابعين لعملها، متجنبة التعليقات السلبية.
وتعتمد في عملها على التسويق لأماكن ومنتجات إلى جانب عرضها للملابس كموديل، من خلال تصوير فيديوهات قصيرة تنشرها عبر تطبيق انستجرام، وتقول شراب "أميل إلى الإبداع في إظهار تفاصيل زيارتي للمكان وملاحظاتي عليه، أختار الملابس الواسعة، أريد للمتابع أن يركز على الموديل وليس الجسد".
ويتميز عملها بالتنوع للمنتجات والأماكن التي تسوق لها، لكنّ الأهم طريقتها في الحديث والشرح المرافق للمشاهد، حيث تعتقد أن الموديلز ليس مجرد عرض للملابس، بل هو أسلوب حياة بالنسبة لها تبرز من خلاله مهاراتها في التسويق وإثارة فضول جمهورها لجذبهم نحو السلع.
لا يخلوا الأمر من بعض التعليقات السلبية التي تتلقاها شراب، أبرزها "الهدف المال"، وتعلق على ذلك "أنا مقتنعة أن هذا المجال هو توسيع لأفكاري ومعارفي ودائرة علاقاتي، حتى على صعيد دراستي لطب الأسنان أنا بحاجة للتسويق أيضًا"، لذا هي ترى أن الجهد المبذول الآن قد يساعدها في الترويج لحياتها المهنية مستقبلاً.