إنه وقت الامتحانات: القلق رفيق الأمّهات    

إنه وقت الامتحانات: القلق رفيق الأمّهات    

 ما الذي يشغل بال الأمهات في مثل هذه الأوقات من السنة؟ وكيف يقضينّ أوقاتهنّ ما بين الأعمال المنزلية والمهام الأخرى؟ وما هي الأعباء الإضافية التي يتحملونها من أجل أطفالهنّ؟.

أسئلة قد تبدو بلا معنى في نظر بعض الرجال مثلاً، لكن في الواقع هناك قلق دائم ينتاب الأمهات في هذا التوقيت من العام (أي مع دخول وقت امتحانات نهاية العام الدراسي الحالي)، خوفًا من التقصير بحق أبنائهنّ، أو على الأقل تخوفاً من احتمال ألا تلبي النتائج مستوى تطلعاتهم. 

"منذ أيام أعلنت منع الزيارات مع الأقارب والجيران، وقررت التفرغ لأعمال المنزل والاهتمام بمتابعة دراسة أطفالي، استعدادًا للامتحانات النهائية"، هذا ما قالته نعيمة مسلّم، (38 عامًا) وهي أم لأربعة أطفال، حالها كحال الغالبية العظمى من الأمهات اللواتي يتفرغنّ لتدريس الأبناء خلال هذه الأيام من السنة.

تقوم نعيمة برعاية أطفالها، أصغرهم في الروضة، أما الآخرون فيتلقون تعليمهم الابتدائي، وتحاول أن توازن بين التعليم والأعمال المنزلية، لكنها تقول إنها في هذا التوقيت لن تفلح في القيام بكل هذا الكم من المسؤولية، حيث يغلب التعليم، القيام بالواجبات الأخرى كالترتيب والتوضيب، وهذا ما يسبب لها قلقاً وتوتراً دائمين. 

سهى، أيضاً وهي معلمة للمرحلة الإعدادية في إحدى مدارس قطاع غزة، وأم لـ 5 أطفال، تصف ظروفها الحالية التي عكفت خلالها على قطع الزيارات بشكلٍ مؤقت: "نستيقظ مبكرًا، لنحضر أنفسنا للذهاب للمدرسة، أجهز أطفالي وأجهز نفسي، وبعد انتهاء الدوام المدرسي، نعود للمنزل لتبدأ رحلة الأعباء المنزلية اليومية، من طهي طعام الغذاء وتنظيف المنزل، وفي الأيام الحالية تدريس الأبناء والاهتمام بهم، عملية يومية مرهقة خاصة لمن تعمل في سلك التعليم".

"مرام" ربة منزل، لم تسعفها الظروف الحالية بمواصلة روتينها اليومي الذي يبدأ مبكرًا في تحضير الزي المدرسي لطفلتيها، مع وجبة فطور خفيفة، وبعدما تتجهان إلى مدرستهما، تستكمل هي أعمالها المنزلية من كنس وتنظيف، ثم تتجمع هي وجاراتها لشرب فنجان قهوة صباحي في أحد منازل الجارات.

قالت مرام التي تعيش قلقاً مستمراً تبدأ أعراضه مع دخول الاختبارات: "هذا الروتين لا يصلح في هذا التوقيت، فمع قرب الامتحانات النهائية تتغير الطقوس، حيث لم نعد نتجمع صباحًا، المنهاج المدرسي ليس بالسهل علينا نحن الأمهات.. في واقع الأمر المنهج صعب ومعقد وبخاصة في المرحلة الابتدائية". 

تشير مرام، إلى أنها تبدأ بشكل لا إرادي تشعر بالقلق قبل دخول الاختبارات بأسبوع واحد على الأقل، وتشير إلى أنها تتملكها حالة من الشعور بالتعرق الدائم، واضطراب النوم، وبخاصة إذا ما تراجعت عن تنفيذ بعض الأعمال المنزلية والخوف من زيارات مفاجئة للأقارب. 

ليست الأمهات وحدهنّ من يغير أسلوب حياتهنّ فترة امتحانات الأبناء، الآباء آيضًا يتحملون بعض المسؤوليات، وتتغير بعض طقوسهم اليومية في سبيل توفير الأجواء المناسبة لأبنائهم. محمود أحمد (46 عامًا)، يعمل موظفًا في إحدى المؤسسات الحكومية، قرر خلال الفترة الحالية مساعدة زوجته في تدريس الأبناء، وقال: "تقاسمت مع زوجتي تدريس الأبناء، وتكفلت بتدريسهم الإنجليزية والرياضيات والعلوم، وهي تكفلت في باقي المواد".

أما باسم (43 عامًا)، الذي بدأ في ارتياد مقهى شبابي برفقة أصدقائه منذ بداية العام الدراسي الحالي، بعدما كان يجتمع في السنوات السابقة مع أصدقائه على سطح منزله، تقريبًا بشكلٍ يومي، يجتمعون للتسامر ولعب أوراق (الشدّة) أو طاولة الزهر، يقول "ابنتي ريم في الثانوية العامة، ومنذ بداية العام الدراسي، قررنا توفير الهدوء لها، فلم نعد نستقبل الضيوف، وأصبحت أجتمع مع أصدقائي خارج المنزل، إلا أنني في الأيام الحالية، أحاول التواجد مع ابنتي بشكلٍ أكبر لمساعدتها فيما تحتاجه في دراستها". 

وخلال فترة دوامه اليومي في العمل، يبادر حسين سليم (51 عامًا)، للاتصال على أبناءه بين الحين والآخر للسؤال عن ظروفهم الدراسية، وعن المادة التعليمية التي يدرسونها وما إذا كانت تواجههم بعض العقبات بحاجة إلى الشرح، مستغلاً أوقات الفراغ أثناء العمل.

من جهته، قدم الدكتور اسماعيل أبو ركاب، أستاذ الصحة النفسية في جامعات غزة، نصيحة إلى أولياء الأمور بضرورة تجنب الضغوطات التي تخيم على الأسرة بسبب الاختبارات النهائية من خلال الموازنة في جدول الأعمال اليومي والدراسي، وكذلك مراعاة الفروقات العقلية واختلاف مستوى الفهم والإدراك والذكاء من طفل لآخر.

وحذر أبو ركاب، من تأثيرات قلق الأمهات على الأبناء وبخاصة خلال فترات الاختبارات، قائلاً: "يجب أن تراعي الأمهات أن هذا التوقيت سيمضي على أي حال ولكن لابد من ألا يترك أثراً سلبياً، وهذا يتطلب منهن تجنب مثيرات القلق والحفاظ على مستوى عال من الهدوء خلال تدريس ابناءهن"، داعياً النساء اللواتي يشعرن بالقلق للقيام بتمارين الاسترخاء. 

وانسحبت أقدام الكثير من أرباب الأسر من الشوارع والمقاهي والمتنزهات خصوصا في ساعات المساء، في دلالة واضحة على توقف كافة رحل الترفيه. وربما سهلت هذه الخطوات الأسرية، سريان قرار الحكومة في قطاع غزة القاضي بمنع الاحتفالات العامة واستخدام مكبرات الصوت في الحواري والأزقة حفاظًا على توفير الأجواء المناسبة وحتى انتهاء فترة الامتحانات لجميع المراحل التعليمية.