استشاط المواطن عمار يونس (42 عاماً) غضباً، وضرب كفاً بكف، معترضاً على رسالة وصلت هاتفه النقال من مزود الطاقة الكهربائية (مولد الشارع) في منطقة سكنه بحي النصر غرب مدينة غزة، تفيد برفع تعرفة الكيلو الواط الواحد من التيار الكهربائي (4 أغورات) إضافية لتصبح (4 شواقل) بعد أن كانت (3.6 شواقل).
ويضطر يونس للإبقاء على اشتراك مولد الطاقة، حتى بعد ارتفاع قيمة التعرفة، على اعتبار أنه البديل الأمثل في ظل الانقطاع الدائم للتيار الكهربائي، واللازم لتشغيل جهاز استنشاق البخار لعلاج اضطرابات التنفس، لطفله ذو العامين، والمريض بقصور في الرئتين.
قال يونس إن طفله المريض بحاجة للحصول على ما يعرف بـ"التبخيرة" كل (6 ساعات) وبشكل دوري، وإلا سيواجه تدهوراً في حالته الصحية، معبراً عن امتعاضه من رفع قيمة التعرفة "يستغل أصحاب المولدات حاجتنا دون حسيب أو رقيب، ويرفعون الأسعار كيفما ومتى شاءوا دون أي مبرر مقنع".
ودفعت سنوات الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، إلى تفاقم أزمة انقطاع التيار الكهربائي، إذ يحتاج القطاع إلى نحو 500 ميغاواط، فيما يتوفر 210 ميغاواط فقط، بحسب ما قال رئيس دائرة العلاقات العامة في شركة توزيع كهرباء غزة، محمد ثابت لـ آخر قصة.
نتيجة لهذا العجز، تعتمد شركة توزيع كهرباء غزة على جدول طوارئ مستمر -منذ سنوات- يقوم على ثماني ساعات وصل للكهرباء ومثلها قطع، وقد تصل إلى أكثر من 12 ساعة قطع متواصلة في بعض الأحيان، بداعي زيادة حجم استهلاك المواطنين للطاقة.
ووجه مستثمرون محليون منذ قرابة عشر سنوات مشاريعهم، باتجاه تشغيل شبكة مولدات في الأحياء السكنية كبديل عن التيار الكهربائي الواصل عبر الشركة الوحيدة في القطاع، وذلك عبرّ اشتراك شهري.
وتبلغ قيمة الكيلو واط الواحد (4 شواقل)، بينما سعر الكيلو واط من شركة الكهرباء يبلغ نحو (نصف شيقل) فقط.
واضطر المواطنون للاستفادة من خدمة الاشتراك فيما يعرف بـ"مولد الشارع"، بسبب عدم توفير بدائل للعجز الحاصل في التيار الكهربائي منذ العام 2006، غير أنهم يشتكون بشكلٍ مستمر من ارتفاع تكاليف الاشتراك الشهرية، وبخاصة أصحاب الحالات الإنسانية، كالمواطن يونس.
وحول ارتفاع أسعار ساعة المولدات التجارية، قال ثابت "الشركة ليست الجهة المسؤولة أو المرجعية التي يمكنها التدخل في هذا الأمر أو تحديده، لكنها صاحبة الحق الحصري والقانوني لتوزيع الكهرباء على المواطنين (..) أزمة الكهرباء في القطاع قائمة منذ سنوات، وانسداد الأفق أمام حلول جذرية لهذه الأزمة، دفع المواطنين للبحث عن مصادر أخرى وبدائل، وبالتالي هذه الأجواء كانت بداية ظهور مشاريع المولدات التجارية ومن ثم انتشارها".
وأكد ثابت أن شركة التوزيع تعتبر تمديد كوابل وأسلاك المولدات التجارية على شبكتها وأعمدتها، أمر غير شرعي وغير مقبول، ويضر بمكونات الشبكة وجودة التيار ووصوله بأمان واستقرار للمواطنين، بالإضافة لمضار أخرى كبيرة، تطورت في بعض الحالات لدرجة سرقة التيار والتعدي على مكونات الشبكة واستباحتها ما أدى لحوادث مميتة خلال الفترات الماضية.
بعد موجة الغضب من المواطنين في قطاع غزة على رفع سعر الكيلو واط من مشغلي مولدات الطاقة الخاصة، حاولنا التواصل مع أحد أصحاب تلك المولدات.
بعد عدة محاولات، وافق (ز. خ) -مالك أحد المولدات- على الحديث شريطة عدم الكشف عن اسمه، حيث أرجع رفع تعرفة كيلو واط الكهرباء الخاصة، إلى ارتفاع سعر السولار خلال الأشهر الماضية، فضلاً عن تكلفة الصيانة المستمرة للمولدات والتي تضمن وصول الكهرباء للمواطنين، بحسب وصفه.
وارتفعت أسعار السولار في القطاع بشكل طفيف منذ مطلع العام الجاري بسبب موجة الغلاء العالمي في أسعار المحروقات نتيجة الحرب الأوكرانية الروسية، إذ بلغ سعر اللتر منه في يناير (5.49 شيقلاً)، بينما وصل في إبريل إلى (5.99 شيقلاً).
واعتبر (ز. خ) أن رفع قيمة سعر لتر السولار لـ"نصف شيكل"، شكل تكلفة إضافية سيطر لتحملها وبخاصة أنه يزود (23 منزلاً) بالكهرباء عبر مولده الخاص، لذلك لجأ إلى رفع قيمة التعرفة.
وحول الاتهامات الموجهة لمشغلي المولدات الخاصة، بسرقة خطوط الكهرباء العامة وبيعها للمشتركين بنفس القيمة (4 شواقل)، لم ينفي (ز. خ) هذا الفعل، وبرره بالقول: "الجميع يفعل ذلك، الأمر ليس متعلق بي فقط".
وتابع حديثه مستخفاً باحتياج المواطنين: "الغاية تبرر الوسيلة، غايتنا ضمان استمرار وصول الكهرباء على مدار الساعة. صحيح أن سعر الكهرباء من طرفنا ثابت سواء كان المصدر من الكهرباء العامة أو المولد الخاص، إلا أن المشترك يجد أن تشغيل مروحة أو مكيف ينقذه من حر الصيف في وقت ينقطع فيه تيار الكهرباء الأساسي، أمر يستحق دفع (4 شواقل) للكيلو واط".
ولدى سؤاله عن الجدوى الاقتصادية والأرباح التي يجنيها أصحاب المولدات الخاصة، قال (ز. خ): "الأرباح جيدة جداً، بل ممتازة. يمكن تحصيل رأس المال واسترداد ثمن المولد بعد أشهر قليلة من العمل".
وعمد مؤخراً عدد من أصحاب المولدات الخاصة، إلى استئجار أسطح عمارات سكنية لإنشاء وحدات خلايا شمسية من أجل توليد طاقة بديلة وبيعها للمشتركين. رغم ما تحمل هذه المشاريع من فائدة لتعويضها انقطاع التيار الكهربائي، إلا أن الصادم يكمن في ثبات سعر بيع الكيلو واط الواحد مقابل (4 شواقل)، مع العلم أن تكلفة إنتاج الطاقة البديلة هي في واقع الأمر أقل من تكلفة إنتاج الكهرباء عبر المولدات، وفق إفادة ملاك مولدات خاصة.
حاجة المواطنين الماسة لتوفير الكهرباء في منازلهم، ربما ساهم بتحويل أصحاب المولدات الخاصة إلى "أباطرة" يتحكمون في وضع تعرفة كيلو/ واط ساعة الكهرباء، دون أي قوانين ضابطة، فضلا عن وجود اتهامات لهم باستنزاف خطوط الكهرباء العامة، وبيعها للمواطنين بقيمة تزيد عن ثمانية أضعاف كيلوواط الكهرباء العامة.
وفي 16 سبتمبر 2020 أعلنت سلطة الطاقة بغزة، عن البدء بتطبيق نظام تعرفة كيلو/ واط ساعة الكهرباء الذي تنتجه المولدات التجارية بـ ٢.٥ شيقل بدل من 4 شواقل، الأمر الذي رفضه أصحاب المولدات واتخذوا خطوات احتجاجية بصدده، مثل إطفاء المولدات لعدة ساعات من اليوم، تزامناً مع قطع الكهرباء العامة، احتجاجاً على التعرفة الجديدة.
نتيجة ذلك، اضطرت اللجنة الحكومية بغزة بعدها بأقل من أسبوعين، لاتخاذ قرار تعديل تعرفة كيلو/ واط ساعة الكهرباء إلى 3.3 شيقلاً، على أن يعرض الأمر على أصحاب الاختصاص وفنيين حكوميين لتحديد تسعيرة جديدة، لكن لم يحدث أي تطور، في حين استمر أصحاب المولدات برفع الأسعار.
تواصلت معدة التقرير مع موسى السماك رئيس اللجنة المكلفة آنذاك، وعند سؤاله عن آخر ما توصلت له اللجنة بشأن تحديد تعرفة كيلو/ واط ساعة الكهرباء، قال إنه لم يعد قائماً في منصبه، رافضاً تقديم أي تفاصيل إضافية حول عمل اللجنة خلال فترة توليه رئاستها.
أما عن دور البلديات، قال رئيس قسم الحرف في بلدية غزة هيثم داود، لـ آخر قصة: "دور البلدية في مسألة تنظيم انتشار المولدات الخاصة، يقتصر على منحها التراخيص اللازمة والمتمثلة في رخصة الحرفة".
وبيّن داود أن هناك عدة شروط لمنح ترخيص مولد تجاري، وقد نص عليها نظام المولدات التجارية لعام 2021 ومن ضمنها، ألا يقل عرض الشارع المقام عليه المشروع عن 10م، ومنع وضع المولدات في الارتدادات الأمامية أو الجانبية أو الخلفية للمبنى وذلك ضمان حرية الحركة حول المبنى، عدم وضع المولدات فوق أسطح البنايات التي يزيد ارتفاعها عن 16.
وبخصوص رسوم الحرفة التي تجبيها البلدية من هذه المولدات، لفت داود إلى أنها تتراوح بين 1050 شيكل وحتى 2050 شيكل سنوياً بحسب القدرة الإجمالية للمولّد KVA.
أما مسؤول اللجنة الفنية في رابطة أصحاب المولدات الخاصة "محمد الزنط"، قال "سعر تعرفة كيلو واط كهرباء المولدات تبلغ 3.6 شيقلاً وفق لوائِحنا، وأي رفع للأسعار من أصحاب المولدات تعد أعمال فردية يتحمل مسؤوليتها من قام بها".
ولفت الزنط، إلى أن المولدات الخاصة في القطاع تستهلك نحو 2 مليون لتر سولار شهرياً، وأن الرابطة سبق وأن اقترحت حلاً لتخفيض سعر الكهرباء من المولدات الخاصة، هو أن تقدم الحكومة دعماً على السولار الخاص بهذه المولدات أو ألا تجني ضرائب عليه، "ولكن هذا الحل لم يلق آذاناً صاغية من الجهات الحكومية" حسبما قال.