بحثاً عن لقمة العيش.. سيدات يستبدلن طلاء الأظافر بالطين

بحثاً عن لقمة العيش.. سيدات يستبدلن طلاء الأظافر بالطين

هربت حنين أبو صلاح (27 عاماً) القاطنة في منطقة بني سهيلا جنوب شرق قطاع غزة، من الفقر، واحتمت بمشتل زراعي تعود ملكيته لزوجها المريض، وهناك بدأ التحدي.

في الواقع، المشتل مدمر وفارغ تقريباً إلا من بعض الأقاصيص والأشتال، غير أن إرادة حنين التي تربي طفلتين، استطاعت أن تستبدل هذا المشهد بآخر، وتمكنت بعدما بذلت جهداً مضاعفاً إلى جانب أعباءها المنزلية الأخرى من أن تعيد للمشتل ازدهاره. 

نافورة مياه نقية بصوت يضفي صفاء في المكان وحيوية طبيعية، وزهور متفتحة بشكل متناسق وجميل منتشرة في محيط المشتل، وأشجار مختلفة الأصناف والأنواع ما بين الموسمي والدائم وما بين المثمر والزينة. لقد أصبح بعد أشهر قليلة من العمل غير المنقطع مكاناً للتنزه، لكنه بالنسبة لحنين لا ترى فيه إلا حلم يكبر مثلما تكبر الأشتال.

ولجأت نساء عديدات للعمل في الحقول الزراعية-لا تتوفر أرقام دقيقة عن أعدادهن- لإعالة أسرهن في ظل الأوضاع المعيشية والاقتصادية الصعبة التي يعانيها قطاع غزة. وتبلغ نسبة البطالة في صفوف النساء 60 بالمئة وفق تقرير أصدره الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في فبراير/ شباط 2022.

لم تكن تعلم السيدة أبو صلاح أن الصورة التي رسمتها في طفولتها لنفسها كمهندسة، أنها ستتبدد بفعل الظروف الاقتصادية البائسة، وسينتهي بها المطاف مديرة لواحد من مشاتل مدينة خانيونس البارزة والمعروفة.

في السابق، اعتادت أبو صلاح أن ترافق زوجها للمشتل كضيفة بين حين وحين، ولكنه أصيب بمرض الغضروف وتعطل عن العمل، أعقب ذلك جرف الاحتلال للمشتل إبان عدوان 2014، الأمر الذي أفقد الأسرة مصدر دخلها الوحيد، وأحالها إلى طابور ممتد من الفقراء يزيد عددهم عن 50% في قطاع غزة وفق آخر إحصاءات.  

حينها وجدت حنين المنتقبة نفسها أمام تحدي كبير، لذا أثرت بيع مصاغها لإعادة إعمار المشتل، وقد استطاعت تحويله من أرض قاحلة إلى مكان يسر الناظرين.

المفارقة أن حنين لم تكن تملك خبرة كافية في الزراعة، لكنها لجأت إلى الإنترنت واستثمرت فرص التدريب لبناء المعرفة للتعامل مع الأشتال الزراعية بمختلف أشكالها وأصنافها.  

تملك حنين الآن خبرة تسع سنوات، وصار بمقدورها أن تصمم حدائق للمنازل والڤلل التي يثق أصحابها بإبداع حنين الملحوظ ورغبتهم الشديدة في أن تكون لمساتها حاضرة في منازلهم .

ينصب طموح أبو صلاح الآن نحو إكمال تعليمها الثانوي، ومن ثم الالتحاق بتخصص الهندسة الزراعية وقالت: " كل يوم عندي حلم كل يوم بكبر حلمي وبحس إنه الآفاق مفتوحة ولازم أصير أفضل وبفكر بإنشاء ركن سياحي عندي في المشتل ومزرعة أسماك وأكثر من ذلك . "

وإذا كانت حنين قد ولجت مجال الزراعة من باب الأشتال الناعمة، فالفتاة عفاف أبو الخير من سكان شمال قطاع غزة، قد دخلته من الشوك.

وتمكنت عفاف في العقد الثاني من العمر من تطويع شجيرات الصبار، وأقامت مشروعاً خاصا بها: وقالت" لم أفكر في شوك الصبار مطلقاً فقد اعتدت على وخزه، ولكن أفكر بالزهرة البديعة التي تخرج منه بعد فترة من العناية ". 

خرجت أبو الخير من عائلة مهتمة بالزراعة وتملك مشاتل خاصة بها فمنذ طفولتها كانت تلاحظ عمل والدها الذي اهتم بأنواع الصبار النادرة التي يقدر عمر بعضها بأكبر من عمرها وكذلك اخوانها واهتمامهم الجم بالزراعة ونقل النباتات وتوزيعها وبيعها فرسخ الأمر في عقلها وأحبت أن تخوض التجربة في الوقت المناسب .

وكان انطلاق أبو الخير للعمل في مشروعها الشخصي في فترة انتشار الكورونا وانخفاض فرص العمل ففضلت أن تجد فرصتها بنفسها لمحاربة البطالة، إلى جانب طموحها لتحقيق ذاتها بإدارة مشروعها الخاص.

ويشكل عمل النساء في مجال الزراعة نوعاً من أنواع التحدي للبطالة واستمراراً لإثبات المرأة بحقها في العمل والوجود في المجالات المختلفة مهما ازدادت صعوبتها، وتثبت الشابات الثلاث: أسيل النجار وغيداء قديح ونادين أبو روك، قدرتهما على التحدي بعدما حولن أرضاً جرداء استأجرنها بمساحة 3 دونمات لمزرعة موسمية تنتج خضروات موسمية مختلفة وفقاً لحاجة السوق.

عندما أغلقت الدروب في وجه الفتيات الثلاث الحاصلات على شهادات البكالوريوس في التربية والمحاسبة والإدارة كمعظم الخريجين، قررن افتتاح مشروع خاص بهن ويشكل لهن مصدر دخل خاص.

والفتيات الثلاثة من سكان قرية حدودية تشتهر بالزراعة، لذلك وجدن في فيها تربة خصبة لإنبات مشروع يساعدهن على صناعة مستقبلهن، وتحقيق أحلامهن.

بكل تأكيد، لم يكن الأمر سهلاً، فقد اتخذت الفتيات الثلاث قراراً يفوق قوتهن الجسدية ونعومة أيديهن وطبيعتهن الأنثوية الرقيقة، ولكنه الخيار المتاح تقول أسيل، وتضيف: "عانينا من حروق في البشرة نتيجة عملنا المتواصل تحت أشعة الشمس وتعب في الأطراف والظهر لأننا لم نعتد من قبل على مثل هذا العمل الشاق ولكننا كنا أقوياء جداً وتحدينا كل تعب ".

كخلية نحل يتحركن في الأرض بين حراثة وتقليب للتربة ومد لخراطيم المياه البلاستيكية وغرس للشتلات ومن ثم متابعة للنمو والتقنيب وحصاد للثمر وأخيراً إنزاله للسوق وتسويقه من خلال صفحتهن عن السوشيال ميديا، ولم يتوقف المحيط من حولهن عن الدعم والمساعدة خاصة في أوقات الضغط.

عناق حار بعد كل انجاز مهما كان بسيطاً فوجودهن معاً هو ما يقوي عزيمتهن ويدفعهن للاستمرار تقول أسيل: "لازلت أذكر أول قرن بازيلاء نبت وأني أطلقت الزغاريد من شدة فرحتي وعشنا بجو من الضحك والسعادة لأنه أول حصادنا، والحمد لله تكتمل سعادتنا بالنجاح بعد أن أثبتنا عكس ما سمعنا من كلمات الاحباط أننا لن نستمر وسنسقط بعد شهرين واليوم يمر علينا عامان كاملان في مشروعنا".

 ويتميز مشروع الفتيات الثلاثة الذي اسموه (جرين جيرلز) بأنه آمن وعضوي واستخدامهن للأدوية محدود جداً حيث إنهن لا يقطفن أياً من الثمار حتى انتهاء فعالية الدواء بعكس الكثير من المزارعين الذين يستعجلون القطاف، وفق إفادتهن.

تشرح أسيل التحديات التي يواجهنها كفتيات فتقول: "وجودنا في منطقة حدودية بعيدة عن السوق تتطلب منا جهداً في النقل والتوزيع وصعوبة في مد خطوط المياه، لذلك تكون التكلفة عالية جداً مقارنة بغيرنا من المزارعين وهذا يقلل الربح الذي نتقاسمه".

ومثلت الزراعة أسلوب حياة لكثير من المناطق في قطاع غزة فشكلت مصدر غذاء للأسر، ووفرت فرص عمل وكانت السيدات يعملن بالتعاون مع أزواجهن في الأرض دون أن يتقاضين أجراً على ذلك ولكن بدأت السيدات الآن بشكل واضح بالاستقلال بمشاريعهن الزراعية.