المتاجر الإلكترونية... ملاذ النساء في زمن البطالة

المتاجر الإلكترونية... ملاذ النساء في زمن البطالة

حين قررت الالتحاق بالجامعة أخبروها أن مجال اللغة الانجليزية هو الأوفر حظاً من بين المجالات الأخرى في سوق العمل، لكن أحداً لم يخبرها أن فرص التوظيف ضئيلة جداً في مجتمع بلغ فيه معدل البطالة للأفراد (20- 29 سنة) الحاصلين على مؤهل علمي دبلوم متوسط أو بكالوريوس (69.2 %)، وفقاً لآخر احصاءات صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني خلال العام 2020. 

مضى قرابة 6 سنوات على نخرج "أسماء محسن" الجامعي، خلال هذا الوقت لم تتوقف عن متابعة الوظائف وتقديم الامتحانات لتعمل في سلك التعليم، لكنها لم تحصل على أي فرصة حتى ولو بعقد مؤقت، وهي أم لطفلين وتفتقد أسرتها للدخل الثابت.

تقول محسن لـ آخر قصة "كنت بحاجة للعمل ليس فقط بسبب الظرف الاقتصادي الصعب، لكنني أردت دوماً مراكمة الخبرات، والحفاظ على تواصلي مع الآخرين"، وبعدما أُغلقت الأبواب جميعها في وجهها قالت إنها لجأت لإنشاء متجر إلكتروني لملابس الأطفال.

وهذا ليس المشروع الأول في قطاع غزة، حيث تفيد التقديرات المحلية، بحسب دراسة أجراها المختص في مواقع التواصل الاجتماعي عز الدين الأخرس، راصداً خلالها الانتشار الواسع للمتاجر الإلكترونية، والتي بلغت حوالي 750 متجراً إلكترونياً في غزة، فيما تشكل الإناث 60% من مجموع العاملين في مجال التجارة الإلكترونية.

وبالعودة إلى قصة "محسن" فهي ترى أن إقامة مشروع متجر إلكتروني ليس سهلاً كما يتخيل البعض، حيث تواصلت السيدة مع أقربائها في تركيا، وقد استغرق المشروع قرابة خمسة أشهر من البحث ومحاولة فهم طبيعة السوق المحلي ونوعية المنتجات التي تلبي حاجته، إلى أن صار واقعاً.  

وعن المعوقات التي تواجهها، أخبرت أن الوضع السياسي والأمني المتعلق بالإغلاقات المتكررة للمعابر يتسبب في تأخير وصول الحجوزات عن موعدها إلى الزبائن، مما يدفعهم للاعتذار عنها، وهذا يعتبر شكلاً من أشكال الخسارة بالنسبة لها.

علاوة على ذلك، فقد فقدت السيدة "محسن" بيتها خلال العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة في مايو الماضي، "لقد كانت 2021 العام الأسوأ على الإطلاق، حيث كنت أحتفظ بالبضاعة في بيتي، وفقدتها مع التدمير الذي حلّ بنا".

ولم تحظ محسن بالتشجيع في محيطها، حيث اعتبر من حولها أن خوضها لمجال التجارة سيكون صعباً عليها، والبعض اعتبرها مغامرة، تقول مبتسمة "في بعض الأوقات تكون فعلاً مغامرة، لكنني سعيدة على أي حال"، وتزداد ثقتها بما تفعله، حين تجد أن عملها يساعدهم في تأمين احتياجاتهم، خاصة بعد أن انتقلوا للإيجار بسبب فقدانهم لمسكنهم في العدوان.

وقد قاربت نسبة البطالة في قطاع غزة 50%، بينما بلغ معدل البطالة بين النساء المشاركات في القوى العاملة 43% مقابل 22% بين الرجال، بحسب بيان الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني الصادر في آذار/ مارس 2022. 

نور محمد، سيدة أخرى قررت إقامة متجر إلكتروني، ولاقت نفس المعارضة من عائلتها، التي اعتبرت أن تحويل موهبتها في النقش على الزجاج والرسم على أطباق وأكواب البورسلان إلى مهنة، هو مضيعة للوقت وخسائر بلا منفعة، لكنها رفضت الاستسلام لتتجاوز بذلك أكثر من 8 أعوام وقوفاً في طابور البطالة.

نور (32 عاماً) هي خريجة بكالوريوس ميكروبيولوجيا، بعد انتهاء دراستها واصلت تطوير قدراتها في مجالها من خلال الالتحاق بالتدريبات اللازمة والتطوع أيضاً، وقد حصلت على مزاولة المهنة، تقول بأسى "رغم أهمية تخصصي إلا أن الوزارات الحكومية تقاذفتني فيما بينها، من الصحة إلى وزارة التموين، اعتبروا أن هذا التخصص لا يوجد له مجال للعمل في غزة ولم يعترفوا به"، وأضافت "سئمت الانتظار وأردت المشاركة في تحسين الوضع الاقتصادي لعائلتي، فأولادي يكبرون واحتياجاتهم في ازدياد".

في هذه الحالة، وجدت نور نفسها أمام خيار واحد وهو إنشاء متجر إلكتروني لبيع مشغولاتها. وبالفعل أنشأت نور صفحة على تطبيق "انستغرام" ونشرت صوراً لأعمالها، وبدأت تتحول المشغولات من هدايا تقدم بالمجان إلى الأصدقاء، إلى سلعة تدر دخلاً عبر الزبائن.

صحيح أن العائد المادي ليس كبيراً، حسبما أشارت نور، إلا أنها تشعر بالرضا فهو يوفر الاستقلالية المادية على صعيدها الشخصي، كما أنها تمكنت من الحصول على دعم إحدى الجمعيات المحلية التي تُعنى بالمشاريع الصغيرة، مما مكنها من الإنفاق على الأدوات اللازمة والتسويق لها بشكل أوسع.

وأرجع الباحث المختص في مواقع التواصل الاجتماعي الأخرس، انتشار المتاجر الالكترونية، إلى مساعي الشباب الحثيثة في قطاع غزة لمواجهة البطالة، مستثمرين بذلك عامل تفاعل السكان مع مواقع التواصل الاجتماعي.