بينما بدأ العد التنازلي لإنتهاء شهر رمضان، تترقب ماجدة من يطرق بابها حاملاً كسوة العيد لأطفالها، وبعضًا من المساعدات الغذائية التي اعتادت الحصول عليها من المؤسسات والجمعيات الخيرية، ويحصلون أحيانًا على ظرف حلوى صغير، تُخفيه الأم عن العيون حتى يحين صباح العيد، وتقدمها للضيوف إلى جانب القهوة.
ماجدة سليم (35 عامًا) من غزة، هي أم لخمسة أطفال تقول لـ آخر قصة "أنتظر ما تحمله لي المساعدات لتدبير شؤون بيتي، صحيح أن كسوة العيد ليست كاملة، لكنها على أية حال تُسعد أطفالي"، في إشارة منها إلى أنهم غالبًا ما يحصلون على قطعة ملابس واحدة، بنطلون، قميص، أو حذاء لابنتها الكبيرة التي تبلغ 14 عامًا.
ولا يستطيع الأب أن يؤدي دوره تجاه أسرته بالإنفاق عليهم، ليس فقط من أجل وقوفه في طابور البطالة الذي يصطف فيه ما يقارب 50% من أهل قطاع غزة- بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني- وإنما أعجزه مرض الكلى، فهو يخضع لعملية جراحية مرتين كل عام، كما أنه بحاجة دائمة للعلاج، وفي بعض الأوقات يعجزون عن شراء الدواء مرتفع الثمن.
أوضحت ماجدة التي تقطن محافظة شمال قطاع غزة، أنها كانت تعتمد في إعالة أسرتها على ما يعرف بـ"شيك الشؤون الاجتماعية"، وهي مخصصات يعتمدها برنامج التنمية الاجتماعية لمكافحة الفقر ومساندة الفئات المجتمعية الأشد احتياجًا، والتي حجبتها السلطة الفلسطينية منذ نحو عام بسبب ضائقة مالية تمر بها، وفقا لتصريحات وزير التنمية الاجتماعية أحمد مجدلاني.
وتصرف "التنمية" تلك المخصصات لنحو 111 ألف أسرة بمبلغ إجمالي 130 مليون شيكل تقريبًا لقطاع غزة والضفة الغربية، بنظام دفعة تصل ما بين 700 إلى 1800 شيكل لكل أسرة.
في المقابل، قالت المتحدثة باسم وزارة التنمية الاجتماعية في قطاع غزة، عزيزة الكحلوت لوسائل إعلام محلية: "إن وزارة المالية برام الله هي الجهة المخولة بتحديد موعد صرف مخصصات الشؤون للأسر الفقيرة بالقطاع"، لافتة إلى أن وزارتها تعمل جاهدة من أجل التسريع في صرف مخصصات الشؤون.
ليست ماجدة وحدها من تعاني نتيجة متطلبات شهر رمضان في ظل انعدام مصادر الدخل، حيث يقول أبو أحمد عبدو، إن ملامح سفرة الإفطار في رمضان، تتحدد بناء على محتويات الصندوق الإغاثي الذي قدمته مؤسسات خيرية، بقوليات، أرز، سكر، حليب، زيت نباتي، أجبان.
يشير عبدو إلى أنه يضطر أحيانًا لبيع الفائض عن احتياج الأسرة من البقوليات من أجل توفير احتياجات أخرى أكثر إلحاحًا كالخضار، كما وتفعل أُسَر أُخرى في حيّه الشيء ذاته.
يقول الرجل بينما كان يراقب طفله الصغير يلعب على عتبة البيت الصفيحي: "كانوا قديمًا يُخزنون الطعام والحلوى الخاصة برمضان، لكن اليوم الأمر مختلف، تطبخ زوجتي كل يوم بيومه ولا تعلم ماذا ستفعل في اليوم التالي".
ووفق آخر إحصاءات صادرة عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فإن ما يزيد عن نصف سكان قطاع غزة يعتمدون على المعونة الغذائية المقدمة من مؤسسات المجتمع الدولي.
الحال ذاته، تكرر لدى أسرة ليلى أحمد (29 عامًا) من سكان غرب محافظة خانيونس، والتي قالت "نحن لا نلتزم بطقوس وعادات رمضان، فالحالة الاقتصادية صعبة جدًا.. في مطلع رمضان يتوفر التمر والعصير على المائدة، ولكن تنفذ الكمية بعد أيام قليلة ولا أتمكن من توفيرها مجددًا".
تستبدل ليلى طقوس الإفطار بالبدء في تناول العصير، بالماء، وبالانتهاء من تناول وجبة الإفطار المتقشفة بالكاد تقوى على إعداد إبريق الشاي، إن توفر.
في منطقتهم حيث يُقيمون جنوب قطاع غزة، لا تبدو أية مظاهر احتفالية بالشهر، لقد اكتفى الأطفال بصنع فوانيسهم من علب معدنية أسطوانية الشكل، هي في الأصل علب الصلصة والسمن، يقومون بإجراء ثقبين متقابلين أعلى العلبة، وذلك لربط سلك معدني يمكنهم من حمل الفانوس بعد أن يوقدوا الشمع بداخله، ثم يجوبون الشوارع في مشهد جرت العادة على استحضاره منذ سنوات طويلة، ترافقه أنغام "حالوا يا حالوا.. رمضان كريم يا حالو".
بعد أن عادت من شرودها تبتسم الأم ليلى وتقول "واحنا صغار كان الأولاد في الحي يصنعون نفس الفانوس المعدني، وكنا نفرح ونلعب به طوال الشهر، لكن الآن بعد يومين لا نعود نرى هذه الفوانيس في يد أولادنا"، تختفي الفوانيس ويكتفي الأطفال بالذهاب للمسجد لأداء صلاة التراويح، والعودة إلى البيت، حيث يرقدون بانتظار من يطرق بابهم حاملاً ملابس العيد.