بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة في مايو 2021، جلس الفنان التشكيلي الشاب عادل الطويل، يفكر كيف سيعبر عما واجهه الغزيون خلال 11 يوماً من قتلٍ ودمارٍ وتشريد، ليتمكن بعد ستة أشهر من العمل المتواصل، على إنتاج ثلاثة أعمال فنية، على شكل منحوتات تعبر عن كافة فئات المجتمع خلال تلك الفترة.
تمثل العمل الأول ببيت صغير واسمه "بيت البسطاء"، مثل هذا العمل كل من قصف منزله لوقوعه بجوار هدفٍ ما خلال العدوان، بالإضافة لمنازل المواطنين البسطاء في المناطق الحدودية، أما العمل الثاني تحدث عن التدمير الأبراج، يقول الطويل "سواء الموظف أو العامل، بجمع طول حياته القرش على القرش حتى يقدر يشتري بيت في برج، وخلال العدوان، في لحظات، بتلفون قصير بتم إخلاء البرج وتدميره قدام عين سكانه".
أما العمل الثالث من المنحوتات، يمثل قطاع غزة ككتلة واحدة، محاصرة من البر والبحر والجو، من جميع الاتجاهات، ومن جميع الدول المحيطة به.
الطويل 27 عاماَ، فنان تشكيلي خريج كلية الفنون من جامعة الأقصى ومن مواليد مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة، لم تكن منحوتاته الثلاث عمله الوحيد حول الأزمات التي مرّ بها الفلسطيني على مدار العقود الماضية بسبب الإحتلال. كان له في السابق أعمال أخرى، مثل مجموعة لوحات فنية عبرّت عن شكل الحياة التي فُرضت على عيشها داخل مخيمات اللجوء منذ العام 1948.
لا تركز أعماله على الأزمات فقط، بل له العديد من الأعمال التي تهدف إلى توثيق حياة الفلسطيني، تراثه وتاريخه، مثلما وثق في عمل فني عصفور الشمس الفلسطيني، وهو عبارة عن عمل فني مفرّغ بالحفر على قطعة مخصصة من الجلود للأعمال الفنية، استغرق إنجازها قرابة أسبوعان، بعدما تمكّن من رسمه على لوحة فنية.
بدأت تتشكل موهبة الطويل في الرسم منذ الطفولة بدعم من الأسرة والأصدقاء، من ثم تلقية دعماً من مدرس الفنون في المدرسة، الذي منحه اهتماماً بهدف تطوير مهاراته وقدراته بعدما شعر أن لديه اهتمام خاص بتطوير وموهبته. وفور تخرجه من الثانوية العامة، اقترح البعض عليه دراسة التمريض أو المحاسبة إلا أنه قرر الاستمرار بموهبته ودراستها بهدف تنميتها بشكل علمي أعمق.
لم يكتفِ بذلك، حتى أنه انضم للعديد من الورشات الفنية المحلية أو الخارجية عن طريق الأونلاين لتوسيع مداركه الفنية وأساليب فنية وصل لها الفنانون بالخارج سواء من الوطن العربي أو العالم الغربي، لكنه لم يتلقى أيً دعم من وزارة الثقافة الفلسطينية، بحسب ما قال الفنان الشاب.
بعد التخرج، شعر بعدم اهتمام كبير بالفن والفنانين في المجتمع الغزي، لذلك فكر بطريقة يوفر من خلالها دخلاً يمكنه من الاستمرار بتطوير موهبته وقدراته الفنية، ورغب أن يمارس دور مدرس الفنون الذي دعمه خلال مراحله الدراسية، وتقدم لامتحانات التوظيف الحكومية عدة مرات، وعلى الرغم من نجاحه في الامتحانات، لم يحالفه الحظ بالحصول على فرصة عمل في مجال تدريس الفنون.
تعرف خلال السنوات الأخيرة على أكثر مركز يهتمون بالفنانين التشكيليين بأعمالهم وتطوير قدراتهم، مثل "شبابيك، ومركز إلتقاء للفن المعاصر"، تلقى عدة تدريبات عن طريقهم وشعر بأن هناك من يهتم بهم وتنمية مواهبهم، حيث شارك في ورشة عمل عن طريق "إلتقاء" مع فنان تشكيلي أردني -أونلاين- وفيما بعد، كان لابد من اتخاذ خطوة ما.
يجلس داخل مرسمه الخاص، يتحدث لـ آخر قصة، ويقول "لم نجد اهتمام من غالبية من شاركوا في الورشة، ربما بسبب ضعف سوق العمل للفنانين التشكيليين في غزة، وعدم وجود جمهور مهتم، لذا قررت وصديقي تأسيس مركز "ميماس" وهو على اسم أحد أقدم أبواب مدينة غزة القديمة، بهدف توفير مكان لكل الفنانين التشكيليين الراغبين بتنفيذ أعمال فنية".
يتحدث الطويل، حول واقع الفن التشكيلي في غزة بشيء من الإحباط بسبب انحصار الفرص أمامهم واضطراره لشغل أعمال فنية جانبية تدر عليه دخلاً بسيطاً وتمكنه من شراء أدوات لإنتاج أعمال فنية، لم تتوفر لهم بأسواق ومكتبات القطاع، الأمر الذي اضطرهم للسفر إلى مصر بعد عدة محاولات وشرائها من هناك.
وخلال العامين الأخيرين، شارك بعدة معارض فنية محلية لإبراز أعماله، كان من أهمها معرض غزة آرت للفن التشكيلي، كما شارك خلال عام 2021 في معرض بالقدس وآخر في رام الله عن طريق الأونلاين، بعدما لم يتمكن من تقديم تصريح خروج من القطاع إلى القدس والضفة بسبب القيود التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على سكان القطاع.
يُنتج الفنان الشاب، العديد من اللوحات الفنية بعضها يكررها أكثر من نسخة، والبعض الآخر يكتفي بنسخة واحدة منها، ويقول "الفن التشكيلي يحتكم لقانون جنيف الدولي الخاص بالفن التشكيلي، بحيث يمكن الفنان من إنتاج إما 10 نسخ من لوحته بحد أقصى، وإما يرسم لوحة وحيدة منها وهو ما يرفع قيمتها".
وحول عدم اهتمام الجمهور الفلسطيني في قطاع غزة بالفن التشكيلي، أرجع السبب إلى حصص الفنون في المدارس، والتي تتعامل مع حصص الفن والرياضة أيضاً كجزء من الترفيه الغير هام، بينما يتعامل معها الطلاب والطالبات كحصص فراغ لا أكثر، ونادراً ما توفر المدارس مساحة جادة لتعلم الفنون وأنواعها وكيفية استخدام الألوان ورسم الأشياء، مما يساهم بتخريج أجيال فاقدة الاهتمام بالفنون بكافة أشكالها.
مؤخراً، أعدّ الفنان الشاب، خطة لمسار حياته القرب، ربما قد يُمكّنه من إضافة مهارات وخبرات فنية جديدة في حال تمكن من تنفيذه على أرض الواقع، قائلاً "صحيح وضعت خطة لشو بدي أعمل خلال الأيام والأشهر القادمة، ولكن في غزة من الصعب تقدر تتحكم بتنفيذ الخطط بسبب الظروف المفاجئة والأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي نتعرض لها إجباراً وليس خياراً".