في مخيم دير البلح للاجئين وسط قطاع غزة، تقف على جانب الطريق العام الحاجة الخمسينية مريم صالحة "أم إياد"، يوميًا منذ ساعات الصباح الباكر وحتى قبل أذان المغرب بقليل، طيلة شهر رمضان لتَصنع وتبيع القطايف لزبائنها، بمساعدة أبنائها.
تعلمت أم إياد المهنة من زوجها الخباز، الذي اعتاد على بيع القطايف لزبائنه في رمضان طيلة أكثر من 20 عامًا حتى توفي، لتكمل هي وأبنائها المشوار من بعده، وتقول "عندما توفي زوجي، قررنا الاستمرار ببيع القطايف الذي ساندنا في كثير من الأوقات والأزمات. فزوجي كانت له سمعة جيدة في مجال صناعة القطايف، ولديه الكثير من الزبائن في دير البلح والمنطقة الوسطى بالعموم، لأنه تميز بطعم مختلف، تعود عليه الزبائن".
في رمضان من العام الماضي، فقدت منزلها بمخيم دير البلح، بعدما تعرض للتدمير خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في مايو 2021، كما فقدت ابنها البكر -وهو من ذوي الإعاقة الحركية- وزوجته وأبناءه خلال القصف، واضطرّت لاستئجار منزل، تقول "السنة وضعنا أصعب من السنوات الماضية، أولادي بدون عمل، وفرصتنا في رمضان نصنع القطايف، حتى نقدر نجمع قيمة إيجار المنزل".
زبائنها الذين اعتادوا على تواجدها في كل عام، أتوا هذا العام غير متوقعين وجودها، كان بعضهم يعتقد أن "أم إياد" رحلت بعد أن تدمر منزلها في العدوان الاسرائيلي الأخير، إلا أنهم سعدوا لتواجدها وصنعها للقطايف بالنكهة المميزة التي اعتادوا على تذوقها في كل عام.
مع آذان المغرب، ترحل الأم لمنزلها، لتعد ليلاً عجينة القطايف لليوم التالي، وتوفير ما يحتاجونه من الفستق المحمص وغيره من المكملات، فيما يبقى الأبناء نيام داخل مكان البيع في الشارع، لحراسة المكان وأدوات خبز القطايف، ويستمر الحال حتى إنتهاء الشهر والعودة للمنزل.
أم إياد، هي واحدة من عشرات النساء اللواتي تجاوزت أعمارهنّ الخمسين عامًا ومازلنّ يعملنّ في الأسواق بقطاع غزة، دعمًا وإسنادًا لأسرهنّ في ظل تفشي البطالة بين صفوف الشباب، وارتفاع نسبة البطالة بالقطاع لقرابة الـ 50% بحسب آخر إحصائية للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
تقول بائعة القطايف "يا ريت عندي دكان صغيرة أقدر أفتح فيها المشروع، وكل يوم نقدر نسكرها وأدوات صناعة القطايف داخلها، لكن الحالة صعبة ومن سيء لأسوء، رمضان فرصتنا للعمل، وبعد انتهاء الشهر نعود ونجلس في المنزل، ونادرًا ما يحصل أبنائي على عمل متقطع".
ويبلغ عدد الإناث في فلسطين 2.63 مليون أنثى من مجموع السكان المقدر في منتصف 2022، بحسب بيان للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني صدر في بداية مارس الماضي، وذكر أن النساء ترأست 9% من الأسر بقطاع غزة خلال العام 2020، فيما ارتفعت نسبة مشاركة النساء في القوى العاملة إلى 17% خلال 2021، بعدما كانت انخفضت إلى 16% خلال 2020. وبلغ معدل البطالة بين النساء المشاركات في القوى العاملة 43% مقابل 22% بين الرجال للعام 2021.