في العام 1999، تعرف مجموعة من الفنانين الشباب بغزة على مجموعة فنانين من اليابان بغزة خلال معرضهم "سبع ملائكة من طوكيو"، أُقيم بقرية الفنون والحرف. لم يكن لدي الشباب الثلاثة حُلم الوصول إلى كوكب اليابان، كما لم تكن موهبتهم الفنية قد نمت لمستوى يُمكنهم المشاركة في معارض ومتاحف دولية.
ثلاث فنانين من غزة، عشقوا موهِبتهم وعملوا على تنميتها خلال سنوات المراهقة ثم مرحلة الشباب، حيث اندمجوا ضمن مؤسسات ترعى الفن والمواهب الشبابية مثل جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في بداية مشوارهم الفني، لكن لم تستمر طويلاً، وفي عام 2010، قرر ثلاثتهم مع أصدقاء آخرين، افتتاح مقر مركز التقاء كمكان يجمعهم في ظل غياب الرعاية والدعم من المؤسسات الرسمية مثل وزارة الثقافة والاتحادات الفنية.
محمد الحواجري، 45 عامًا، فنان فلسطيني يتقن العديد من الفنون مثل الرسم والتصوير والفن الترتيبي، إضافة إلى عمله ديجيتال آرت "فنون رقمية"، حيث يعد من الفنانين المجربين لعدة أنواع من الفنون، كان واحدًا من سبع فنانين افتتحوا مركز إلتقاء، وهو أحد الفنانين الطلائع الثلاثة الذين التقوا بفنانين من اليابان عام 1999، يقول لـ آخر قصة "كانت مجرد صورة التقطناها مع فنانين اليابان، واعتقدنا أن الأمر انتهى، ولم نكن نتخيل يومًا أن لوحاتنا ستعرض في اليابان".
مرت السنوات حتى عام 2016، في حينها وصلت أحد الفنانات اليابانيات إلى غزة، وكانت أحد المشاركين في سبع ملائكة من طوكيو، باحثةً عن ثلاثة فنانين إلتقطت سابقًا صورة تذكارية معهم، لتسأل أين هم؟ وماذا حل بهم؟، بالفعل وصلت إلى الحواجري وزملائه الفنان رائد عيسى والفنان سهيل سالم، لتتفاجأ بموقعهم الفني والمرحلة المتقدمة التي وصلوا لها من الفنون.
عادت الفنانة اليابانية إلى موطنها بعد انتهاء الزيارة، لكن تواصلها مع الفنانين بغزة لم ينتهِ، وخلال الاتصالات المتواصلة، فكرت بتنظيم رحلة لثلاثتهم إلى اليابان، وافِتتاح معارض للوحاتهم هناك، لم يكن الأمر بالهين، واستغرقت الترتيبات حتى وصولهم لليابان قرابة ثلاث سنوات، قضوها ما بين الحصول على دعم من فنانين آخرين، والقدرة على السفر إلى خارج القطاع بسبب العديد من التعقيدات، وحتى إرسال لوحاتهم بشكلٍ مسبق عن طريق البريد لتحضير الترتيبات.
بعد فشل المحاولة الأولى للسفر، بسبب إغلاق معبر رفح البري، الرابط بين القطاع ومصر، تدخل السفير الياباني في فلسطين لتسهيل خروجهم من غزة، والذي نجح بذلك، لكنّ افتتاح معرضهم الأول، تم قبل وصولهم إلى اليابان.
استمرت الرحلة شهرًا، جابوا بلوحاتهم ولقائاتهم مع الجمهور الياباني 4 مدن يابانية كبرى، منها "طوكيو، يوكوهاما"، وتنوعت موضوعات رسمهم الفني، الحواجري تركزت على رسم الحيوانات، وعيسى حول النوافذ الخضراء المزينة بالنباتات والزهور، أما سالم تنوعت لوحاته ما بين الواقع المعيش في غزة ورسم الوجوه والطبيعة الفلسطينية، وهو ما لفت نظر الجمهور الياباني الذي تعود على مشاهد القتل والدمار في غزة بحسب ما وصف الحواجري.
ربما الواقع السياسي والاجتماعي الحالي في القطاع، لا يساعد الفنانين على التواصل مع الخارج وتطوير مهاراتهم وخبراتهم بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ أكثر من 16 عاماً، وفرضه قيود على الحركة والتنقل، إلا أن بدايات الحواجري وزملائه كانت مختلفة باختلاف الظروف الحالية، حيث كانت بداية إنشاء السلطة الفلسطينية في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي، والتي أحدثت نوع من الانفتاح والانفراجة، الأمر الذي مكنهم من المشاركة في ورشات عمل فنية بالخارج، أبرزها، المشاركة في ورشات فنية مع دارة الفنون بعمّان.
تبدلت الأحوال السياسية، إلا أنها كانت دافعًا للفنانين الشباب لمواصلة مشوارهم الفني والمهني من خلال تجميع أنفسهم في مركز التقاء، حيث يوفر لهم المكان والأجواء المناسبة لإنجاز أعمالهم الفنية وعرضها، وتوفير مساحة للفنانين الناشئين للتعلم والمشاركة في عرض أعمالهم وربطهم مع فنانين آخرين خارج غزة، في محاولة من إلتقاء لسد فراغ عجزت المؤسسات الرسمية المعنية عن سده.
كان من المفترض أن ترعى وزارة الثقافة الفلسطينية، الفنانين الموهوبين لتثقل مهاراتهم التي تعبر عن الواقع والحالة الفلسطينية، إلا أنها لا تقوم بهذا الدور بحسب ما قال الفنان الحواجري "للأسف وزارة الثقافة تحصل على أقل دعم من موازنة الحكومة، وبحسب معلوماتي لا يتعدى 1% من الموازنة الحكومية، وذلك من أكبر المصائب الثقافية".
كما استهجن من عدم وجود اتحاد خاص يجمع الفنانين التشكيليين كما هو معمول به في الدول العربية المجاورة، وقال "نحن لدينا مسميات فقط، لكن ولا جهة من هذه المسميات فاعلة وتقوم بدورها في دعم الفن والفنانين وثقل مهاراتهم وخبراتهم أو توفير المعارض لهم لدعمهم ودعم أعمالهم"، تلك كانت أبرز الأسباب التي دفعتهم لتشكيل مركز إلتقاء الثقافي بغزة.
بعد التحديات المتعددة التي واجهتهم، يعملون حالياً على تطوير الفكرة "التقاء"، من خلال التواصل الفردي مع فنانين من جميع دول العالم، سواء العربية أو الغربية، حيث كان لهم العديد من المشاركات في معارض بدول عربية وأوروبية، إلى جانب معارضهم المتنقلة في اليابان منذ عام 2019، وحتى اليوم، حيث من المقرر أن ينظموا معرضهم القادم باليابان مع نهاية أبريل القادم، الذي يستمر لقرابة شهرين، إلى جانب معرض آخر في برلين.