نقص المستلزمات الصحية لذوي الإعاقة يفاقم معاناتهم

"التنمية" تقول ليس لديها مخزون

نقص المستلزمات الصحية لذوي الإعاقة يفاقم معاناتهم

لا تتوقف معاناة الأشخاص ذوي الإعاقة عند حدود إعاقتهم؛ بل تمتد لتشمل احتياجاتهم اليومية وكيفية تأمينها، الأمر الذي يفاقم الشعور بالعجز والاجهاد لدى "أم محمد محرم"؛ سيدة خمسينية يعاني 3 من أبنائها من الشلل النصفي والشلل الدماغي، ثلاثتهم في العقد الثاني من عمرهم. 

فضل، محمد، فاطمة؛ كَبروا واعتمادِهم الكامل على والدتهم، سواء في الحركة، تناول الطعام أو الاستحمام، وأي نشاط يومي يحتاجونه، تقول أم محمد "تقدمت في العُمر ولم يعد جسدي يسمح لي بالاستمرار في حَملهم والتنقل بهم، لذا كان ضرورياً أن يعتمدوا على أنفسهم"، ساعدها بذلك عدة جمعيات تُعنى بذوي الإعاقة، حيث مكنتها من الحصول على الإرشادات والتوعية اللازمة، لتتمكن من تعليم أبنائها استخدام الكرسي المتحرك والتنقل فيه.

ونظراً لظُروف إعاقتهم، يحتاج أبناء أم محمد الثلاثة إلى 12 عبوة فوط صحية شهرياً، لكنها تحصل على 3 عبوات فقط من الجمعيات التي تُعني بذوي الإعاقة، وتضطر لشراء المزيد، كما يحتاج أبنائها إلى الغذاء الخاص، وتجديد الكرسي المتحرك من حين لآخر، إضافة إلى المضادات بسبب إصابتهم بمرض الصدفية، وهو داء ليس له دواء في قطاع غزة -بحسب الأطباء- تقول الأم الحائرة "تكلفة العلاج والمراهم الطبية ومراجعات أطباء الجلدية مرتفعة الثمن ودون جدوى، لذا توقفت عن البحث عن علاج للصدفية".

تعتمد بشكلٍ كامل في إعالة أسرتها وتوفير مستلزماتهم الصحية، على المؤسسات والجمعيات التي تدعم وترعى ذوي الإعاقة في منطقتها شمال قطاع غزة، أيضاً على المعونة المقدمة من وزارة التنمية الاجتماعية، رغم أن آخر معونة تلقتها كانت منذ عام ماضي تقريباً.

هذه الاحتياجات لا تقتصر على الأشخاص ذوي الإعاقة في شمال القطاع، بل يمتد إلى جنوبها، حيث تواجه السيدة الأربعينية نهلة أبو شمالة من محافظة خانيونس، نقص في المستلزمات الصحية، خاصة الفوط الصحية، نظراً لإصابتها بشلل نصفي، وتحتاج إلى 4 عبوات فوط صحية شهرياً، تحصل منهم على عبوة واحدة فقط، من خلال جمعيات ذوي الاعاقة، وتوفر البقية على حسابها.

وتبدو واضحة آثار الثقل النفسي للإعاقة عليها؛ فلم يكن من السهل إقناعها بالحديث مع آخر قصة "كبرت وعشت بجسدٍ خالٍ من أي إعاقة، وبدأت حياتي الزوجية بسعادة واستقرار" قالت نهلة، موضحة أن صاروخ واحد أصاب بيتها خلال العدوان الإسرائيلي لعام 2014 على غزة، بعد مرور شهرين على زواجها، فاستشهد زوجها وأُصيبت هي بانقطاع في النخاع، وانهال البيت على أحلامها وسعادتها، ما تسبب في شللها النصفي.

"كان من الصعب تقبل مساعدة الآخرين واعتمادي عليهم بشكلٍ كامل، قيدتني إصابتي، فرفضت الاحتكاك بالآخرين وخاصة الأشخاص ذوي الإعاقة" محاولة منها إنكار وضعها الجديد، يُضاف إلى هذا الثقل النفسي، ثقل مادي بسبب اضطرارها لتوفير احتياجاتها الصحية التي لا يمكن لوزارة التنمية و جمعيات ذوي الإعاقة توفيرها بشكل كافٍ، وقد سبق استخدامها للفوط الصحية، تجربة مريرة في استخدام أكياس القسطرة، فمن المعروف أن الأكياس التي يُأمنها المريض على نفقته، أكثر ثباتاً، ومدة الاستفادة منها أطول من تلك التي توفرها الجهات المعنية.

وبحسب دراسة تحليلية أجراها الباحث في شؤون ذوي الإعاقة مصطفى عابد، شملت دراسته 92 حالة من الأشخاص ذوي الإعاقة في المناطق الشرقية من محافظة خانيونس للعام 2022، تبين أن الاحتياج الكبير لديهم تمثل في المستلزمات الطبية التي تصدرت أعلى قائمة الدراسة بنسبة 73.9 %، بينما كان الاحتياج للأدوات المساعدة والحقيبة الصحية بنسبة 69.6 %.

وبلغ عدد ذوي الإعاقة في قطاع غزة 128 ألف، بنسبة 6.7%، وذلك بحسب ورقة حقائق أصدرتها جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية والجمعية الوطنية للتأهيل في القطاع، بينما بلغ عدد ذوي الإعاقة في المنطقة الشرقية من خانيُونس 5200 بحسب ما قال عابد لـ آخر قصة، وأوصت دراسته  بضرورة  تلبية احتياجات ذوي الإعاقة وتوفير مستلزماتهم واحتياجاتهم الطبية الخاصة، كذلك تنفيذ برامج ترفيهية وألعاب وأدوات مساعدة، وحقائب صحية، إلى جانب استمرارية خدمات العلاج الطبيعي والدعم النفسي.

وتنص المادة (10) من قانون المعوقين للعام 1999، تتولى وزارة التنمية الاجتماعية مسؤولية التنسيق مع الجهات المعنية، للعمل على إصدار بطاقة المعوق في المجال الصحي، تشخيص وتصنيف درجة الإعاقة لدى المعوق، ضمان الخدمات الصحية المشمولة في التأمين الصحي الحكومي مجانًا للمعوق وأسرته.

لطيفة الجعبري ناشطة في مجال الإعاقة، أفادت بوجود تأييد وتحرك مجتمعي نحو ملف الإعاقة، وخاصة المطالبة بتفعيل "بطاقة المعوق" التي من شأنها تقديم رُزمة من الخدمات التأهيلية النفسية، الاجتماعية، الدعم القانوني والتمكين الاقتصادي، بهدف دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع الفلسطيني، ونوهت إلى أن "البطاقة تم إقرارها كقَانون وليس كموازنة، وهي بحاجة لأن تكون في خطة الحكومة، من خلال قرار سياسي وموازنة مالية ليتسنى تطبيقها".

من ناحيته أوضح غسان فلفل مسؤول ملف التأهيل للأشخاص ذوي الإعاقة في وزارة التنمية الاجتماعية بغزة، أن وزارته تعمل على توفير احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة حسب توزيعهم في محافظات غزة، وبما تسمح به إمكانياتهم.

وعن نسبة الاحتياج الكبير للفوط والحفاضات الصحية، علّق "فلفل"، قائلا: "نُوفر الأدوات الصحية والمساندة بشكل مجاني، لكن مخزونها من الحفاضات والفوط الصحية ينفذ في غضون يومين بسبب الاستهلاك اليومي لها، وعدم توفرها لدى الوزارة في الوقت الحالي".

ونوه إلى أن الوزارة تعمل على توفير المزيد من احتياجات ذوي الإعاقة اليومية في قطاع غزة  خلال المتبرعين والمؤسسات الدولية المهتمة وذات العلاقة.

ولفت مسؤول ملف التأهيل إلى أن المسؤولية تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة، هي مسؤولية مجتمعية أولاً، كما تقع على عاتق وزارتي التنمية الاجتماعية والصحة، وقد أثمر التعاون بينهما عن تشكيل "اللجنة الوطنية للإعاقة" التي تم اعتمادها من قبل الأمانة العامة لمجلس الوزراء في غزة، وستكون مهامها متابعة الملف الصحي للأشخاص ذوي الإعاقة وتوفير تأمين صحي يعفي ذوي الإعاقة الشديدة بشكل كامل من رسوم العلاج.