تنمر على مقاعد الدراسة: ذوي الإعاقة ضحية

تنمر على مقاعد الدراسة: ذوي الإعاقة ضحية
تقرير: عمر سعد

في ظل الكثافة السكانية العالية على امتداد هذا الشريط الجغرافي الضيّق "قطاع غزة" تنتشر ظاهرة التنمر كالنمل في الشوارع والمنشآت، كما أكدت دراسات محلية أجريت على طلبة المدارس.

وبين مقاعد الدراسة في مدارس القطاع التي تضم الواحدة منها أكثر من ألف طالب، موزعين على 20 فصلاً بحد أقصى. يجلس عدد قليل جداً من الطلاب ذوي الإعاقة الذين يتعرضون للتنمر بشكل شبه يومي.

ينعكس هذا التنمر على التزام الطلاب ذوي الإعاقة بمقاعد الدراسة، حيث أن عدداً منهم عزفوا عن مواصلة التعليم نتيجة لعدة أسباب في مقدمتها التنمر، يليها قلة الوعي، وعدم مواءمة الطرق والمواصلات، ما جعل المؤسسة التعليمية كابوساً في يقظة ومنام ذوي الإعاقة.

هبة أبو وطفة واحدة من هؤلاء الأشخاص، الذين يواجهون التنمر بشكل دائم. منذ تعرضها قبل ثلاث سنوات لحادث سير خلال قطعها للطريق في عمر 14 ربيعاً، وأصبحت عاجزة عن المشي بشكل سليم، وصار طريقها للمدرسة، مرهون بسلامة عجلات الكرسي المتحرك.

تقول هبة وهي طالبة في الصف الحادي عشر "كنت أواجه كلمات قاسية جداً حتى من صديقاتي المقربات عندما كنت أخبرهم عن طموحي في اقتحام دراسة تصميم الأزياء، وهم يردون بتهكم وسخرية، إمش كالبشر أولاً ثم التحقي بالمدرسة!".

هذا الإيذاء اللفظي، كان سبباً لتعتزل هبة، الناس حيث زادت حساسيتها في التعامل مع الآخرين، وأكملت: "لم استطع الوثوق بنفسي وقدراتي لكثرة الاستهزاء بشكلي وحتى قدراتي الشخصية وطموحاتي".

وأوضحت أبو وطفة أن التنمر بعد الإعاقة له أثر كبير عليها، قائلةً: "لم يعد لدي النشاط والحماس للدراسة ولم أتشجع على فتح الكتب وقراءتها، مما جعلني أواجه ضعفًا في القراءة عما قبل، وبالتالي انخفض المستوى الدراسي".

وتابعت: "لأتخطى هذا التأثير السلبي كان عليّ التحلي باللامبالاة، أدرت ظهري لكل من يتفوه بكلمة تقلل من قيمتي فقط لأنني مختلفة"، لذلك كانت نصيحة هبة للأشخاص ذوي الإعاقة عدم أخذ الكلمات الثقيلة بعين الاعتبار، وتعزيز الثقة بالنفس وقوة الشخصية وعلى حسب قولها: "الطالب الشجاع يتخطى كل شيء".

ووفقًا لإحصائية الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء الصادرة نهاية العام الماضي 2020، فإن حوالي 10% من الأطفال ذوي الإعاقة من الفئة العمرية 5-17 سنة غير ملتحقين بالتعليم، فيما أن نسبة الإعاقة ترتفع لدى الأطفال الذكور عن الاناث من مختلف الفئات العمرية، في حين بلغت نسبة الإعاقة حوالي 15% بين الأطفال من الفئة العمرية 5-17 سنة، بحوالي 17% في الضفة الغربية مقابل حوالي 13% في قطاع غزة.

وعلى عكس هبة بدأت إعاقة رمضان الحركية في اليد وعضلات الوجه عندما فتح عيناه على الحياة، والذي حدثنا عن التنمر الذي رافقه حتى عامه السابع عشر متمثلاً بنظرة الاستهزاء الممزوجة بالعطف.

وعبر رمضان عن معاناته مع التنمر: "كان طلاب المدرسة يبتعدون عني لذا كنت وحيداً دون أصدقاء خاصة خلال المرحلة الإعدادية، وحتى بعيداً عن مقاعد الدراسة مجمل أصدقائي اثنان على الأكثر".

أبرز النتائج :

العُزلة وقلة الثقة بالنفس وتدني المستوى الدراسي، كانت هذه نتائج ما تعرض له رمضان من تنمر، وقال: "المسألة لا تحتمل المجاملة، في الحقيقة كان للتنمر تأثيراً على ثقتي بنفسي نوعاً ما، وأيضاً على المستوى الدراسي لعدم قيامي بواجباتي المدرسية وكرهي للمدرسة والمعلمين والطلاب".

لا يعي الطالب رمضان كيفية مواجهة التنمر، غير أنه عبر عن اعتقاده بأن تكون "الامبالاة" حلاً لهذه المشكلة التي يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة داخل المؤسسة التعليمية.

من جهتها أكدت المرشدة التربوية رويدة كامل وجود التنمر داخل المؤسسة التعليمية، موضحة أن أكثر من يعانيه هم فئة ذوي الإعاقة.

وقالت كامل التي تمارس مهنة الارشاد التربوي منذ 27 عام: "المدرسة مجتمع صغير داخل مجتمع كبير تسوده هذه الظاهرة، وهذه في الأساس مشكلة مجتمعية كبيرة يعاني منها جميع الأفراد".

وأوضحت أن أغلب الأشخاص ذوي الإعاقة لا يلجؤا للمرشد التربوي عندما يتعرضون للتنمر، ويعود ذلك لانعدام الثقة بالناس المحيطين بهم، بالإضافة إلى ظنهم أن المرشد التربوي سيعاملهم كباقي الناس، وأحياناً يكون لعدم ثقتهم بأنفسهم بشكل كافي.

وحول أثر التنمر داخل المؤسسة التعليمية على الطلاب، قالت: "إن التنمر يؤدي لتراجع المستوى العلمي لدى الطلبة وأحياناً قد يقود إلى الفشل في إكمال التعليم، وخارج نطاق الدراسة يؤدي إلى اضطراب السلوك أو الانعزال".

ومن النتائج التي نوهت إليها المرشدة بقلق، وهو عند تعرض شخص ذوي إعاقة للتنمر أو الإساءة قد يرد بالمثل مما يؤدي إلى اكتساب التنمر كصفة ملازمة له، معتبرا إياها دفاعا عن النفس.

ولمواجهة هذه النتائج شرحت رويدة معاملتها بشكل خاص مع الطلبة ذوي الإعاقة: "أقوم بخلق أجواء دافئة ومريحة للطلبة ليتسنى لهم التعبير عن مشاكلهم باطمئنان ولتعزيز الثقة بيني وبين الطالب، أحافظ على سرية الحديث أمام باقي الطلاب والهيئة التدريسية وحتى في حياتي الخاصة".

وأكملت حديثها: "كذلك أتابع أداءهم داخل الصف ومنه العلامات والامتحانات لتحفيزهم على رفع مستواهم الدراسي، مع وضع خطة ارشاد سنوية تشمل كل طالب من ذوي الإعاقة على حدة لمتابعة سلوكه وإنجازاته الدراسية، بالإضافة إلى عقد ندوات إرشادية لتوعيتهم بكيفية الاندماج بالمجتمع".

ونصحت المرشدة التربوية العائلات التي تضم شخص من ذوي الإعاقة بإشراكهم في أعمال المنزل لتعزيز احترام الذات والاحساس بالإيجابية عبر اعتبارهم عضواً فعالاً لديه إنجاز ملموس، وتذليل العقبات أمامهم بتوفير الإمكانات المسهلة لحياتهم اليومية.

لمطالعة المزيد من التقارير التي تهتم بالتركيز على حقوق ذوي الإعاقة في الحصول الخدمات المقدمة من  الهيئات المحلية، عبر الرابط التالي:

https://drive.google.com/file/d/1JLolWgZJjm73rFP4HRMuhQIPLEaFP58_/view