حوادث الطرق تثير مخاوف الأشخاص ذوي الإعاقة

نتيجة عدم وجود مواءمة..

حوادث الطرق تثير مخاوف الأشخاص ذوي الإعاقة

في صباح الأول من أكتوبر عام 2007، كانت والدة أحمد ذي الثلاث سنوات تجهزه ليذهب ليومه الأول في الحضانة، وما أن خرج من بيته، شرع في قطع شارع صلاح الدين برفقة ابنة عمته، وهنا بدأ صراع حركة السيارات العشوائية، ومحاولات المشاة في العبور. تمكن أحمد من تجاوز المسار الأول، وقبل أن يقطع المسار الثاني صدمته شاحنة بمقطورتين، وفقد الوعي، واستيقظ بدون قدمه.

حينما حاورنا أحمد 18 سنة لنعرف منه هل أثارت حوادث الطرق المنتشرة في الفترة الأخيرة مخاوف الأشخاص ذوي الإعاقة، رد قائلاً: "أنا عارف نهايتها ومجرب، دايماً بكون حذر".

يزداد الحذر مع ارتفاع نسبة حوادث الطرق مؤخراً في قطاع غزة، فضلاً عن أنه يقيّد حركتهم. وفي رأي الشابة روان شبير، (26 عاما)، من ذوات الإعاقة البصرية، فإن أكثر ما يعيق الحركة هو سرعة السيارات، وافتقار الشوارع لإشارات توضح للسائقين وجود أشخاص ذوي إعاقة من حقهم قطع الشارع بأمان.

روان التي لا تمتلك عصا بيضاء تُعطي دلالة واضحة عن نوع إعاقتها؛ ليتمكن السائقون والمشاة من التعامل معها، تقول إن مواءمة الطرق في غزة لا تراعي احتياج الأشخاص من الإعاقات المختلفة لاسيما الذين لا تظهر عليهم علامات واضحة تُدلي بنوع إعاقاتهم، وتَضيف شبير أن الشوارع الرملية هي أحد المعيقات أيضاً.

معيقات الحركة بالنسبة لمحمد أبو كميل، (33 عاماً)، من الأشخاص ذوي الإعاقة الحركية، هو استخدام الكرسي المتحرك في الشوارع الترابية حيث أنها تصيب كرسيه بالأعطال، ما يجعل أبو كميل يمكث ساعات طويلة خارج المنزل بين المشوار والآخر، حتى لا يضطر لعبور الشارع الرملي المؤدي لمنزله أكثر من مرتين ذهاباً وإياباً.

لا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة لأحمد قنن، الذي أصبح يتخذ قرار الخروج من المنزل بعد محاورات طويلة بينه وبين نفسه، يبحث فيها عن إجابة لسؤال، "هل المشوار يستحق المغامرة؟" وما أن يجد إجابة لسؤاله ويقرر الخروج، تبدأ رحلة المعاناة في البحث عن سيارة تسمح له بالركوب، وزادت صعوبة ذلك بعد عدوان 2021 على قطاع غزة، والذي تسبب بتدمير معظم شوارع منطقة سكنه في حي النصر حيث تعطلت على أثره المفترقات الأربعة المؤدية لمنزله، وفي مرات قليلة يكون أحمد محظوظاً فيجد سيارة، بعد دقائق طويلة تصل لنصف ساعة يقضيها في المشي بطرفه الصناعية. ويُعلّق: "أنا بقدر أمشي لحد ما ألاقي سيارة أما باقي الإعاقات ما بقدروا".

ويبلغ عدد الأشخاص ذوي الإعاقة في فلسطين 92,710 فرداً أي ما نسبته 2.1% من مجمل السكان موزعون بنسبة 48% في الضفة الغربية و52% في قطاع غزة، استناداً إلى بيانات التعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت 2017، الصادر عن الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني.

وفي سياق متصل يرى "محمد أبو كميل" أن الاهتمام بمواءمة الطرق للأشخاص ذوي الإعاقة ضعيف جداً، وغالباً ما يوكل الاهتمام للتعليم والصحة والمشاركة المجتمعية بينما يفترض أن تنطلق المواءمة الحقيقية من الطرق؛ وذلك حتى يتسنى للأشخاص ذوي الإعاقة الوصول لباقي الخدمات والمرافق بسلامة وأمان دون المخاطرة بسلامتهم المرورية، وفق قوله.

وكفل القانون الأساسي الفلسطيني حق مواءمة الطرق للأشخاص ذوي الإعاقة، وأوضح في المادة 12 من قانون رقم 4 لسنة 1999 بشأن حقوق المعوقين، أن المواءمة تهدف إلى تحقيق بيئة مناسبة للمعوقين تضمن لهم سهولة واستقلالية الحركة والتنقل والاستعمال الآمن للأماكن العامة.

سهولة الحركة

وتقول عُريب القُبج، مستشارة تضمين الأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمعات، أنه يتعين على الجهات المسؤولة استثمار تأهيل الطرق والمواءمة في مكانها، بما يتناسب مع المعايير العالمية التي توفر الحماية المرورية وسهولة الحركة لكل أفراد المجتمع بما فيهم كبار السن والحوامل والأطفال وليس الأشخاص ذوي الإعاقة فحسب، ووصفت هذه العملية بكونها غير مكلفة مقارنة بالاستمرار في تشييد الطرق بالمواصفات الحالية وتكفل أعباء إعادة تأهيلها لاحقاً، ويتحقق ذلك من خلال خفض ارتفاع الأرصفة، واستوائها بالشوارع عند المفترقات، ووجود أماكن مهيأة بجانب الإشارات الضوئية يتمكن من استخدامها المشاة لإيقاف حركة السيارات والسماح لهم بالعبور، وإعادة تأهيل الإشارات الضوئية، وممرات المشاة، وضرورة توعية السائقين والمشاة احترام الإنسانية ومسؤوليات كل منهم تجاه الآخر في استخدام الطرق.

ويتفق في ذلك أحمد وروان ومحمد، الذين يطالبون إلى جانب مواءمة الطرق، بتكثيف حملات التوعية، وأن تكون مستمرة ومتطورة ويُشارك في التخطيط لها وتنفيذها الأشخاص ذوو الإعاقة، ويطالبون أيضاً بأن تكون الجهات المسؤولة أكثر جدية في التعامل مع قضية مواءمة الطرق، لاسيما مع وصول عدد حوادث الطرق في 2021 إلى 1991 حادثة سير، نتج عنها 1004 إصابة بين بسيطة ومتوسطة وخطيرة، و46 حالة وفاة حتى تاريخ 20 نوفمبر 2021، وفق دائرة الحوادث في الإدارة العامة للمرور والنجدة.

وأضافت عُريب، تعود معظم قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة لثقافة تقبل الاختلافات البشرية حتى تتشكل لدينا قناعة في وجود الأشخاص ذوي الإعاقة، وحقهم في التضمين في المجتمعات، ويتثمل ذلك في إشراكهم في عمليات التخطيط لإنشاء الطرق قبل التنفيذ، ولتجاوز العقبات المادية، لابد من الاستفادة من التقدم العالمي في مجال الطرق، والبحث عن آليات جديدة للتخطيط والتنفيذ وفق الإمكانيات المتاحة، ومسؤولية البحث وإيجاد بدائل هي مهمة الجهات المسؤولة عن مواءمة الطرق.

من جهته يقول المحامي بهجت الحلو، منسق التوعية والتدريب في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، أنه بموجب البند الأول من المادة 13 في الفصل الرابع من قرار مجلس الوزراء رقم 40 لسنة 2004 باللائحة التنفيذية للقانون رقم 4 لسنة 1999 بشأن حقوق المعوقين، فإن مراعاة أن تكون الشوارع والطرق والممرات والدروب ممهدة يجب أن تتم بالتنسيق بين وزارة الشؤون الاجتماعية والمواصلات والحكم المحلي، وجميعهم مسؤولون لاتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأشخاص ذوي الإعاقة من المخاطر المرورية.

ويقول خليل الزيان، المتحدث الرسمي باسم وزارة النقل والمواصلات، أن معدلات الحوادث خلال 2021 مقارنة بالأعوام السابقة حتى شهر نوفمبر ليست الأعلى، لكن النسب انخفضت في فترات الإغلاق بسبب جائحة كورونا، ما أدى إلى قلة حركة المواطنين، بينما نسبة الارتفاع الملحوظة ناتجة عن إنهاء الإغلاق، كما أن فصل الصيف هو الأعلى في معدلات الحوادث وذلك بسبب زيادة حركة المواطنون الناتجة عن العطل الصيفية، وأوضح أن وزارة النقل والمواصلات تحاول تخفيف الحوادث في هذه الفترة من خلال خطة عمل بالتعاون مع جهاز الشرطة لمتابعة الأماكن المزدحمة وسرعة السائقين الزائدة، وتشمل الخطة توفير الحماية المرورية للأشخاص ذوي الإعاقة، وفق قوله.

في حين أكد رامي المصري، مدير المشاريع في وزارة الحكم المحلي، أن الشكاوى التي تصل الوزارة تشير إلى أن مخاوف حوادث الطرق على الأشخاص ذوي الإعاقة زادت في الفترة الأخيرة.

وقال المصري إن وزارة الحكم المحلي تلتزم في مواءمة الطرق بالمادة 37 و38 من نظام الأبنية المُعدل في محافظات قطاع غزة الصادر في يناير 2020، وحينما سألت معدة التقرير عن المدة الدورية لتطوير معايير مواءمة الطرق، رد بأن طواقم الوزارة لم تجلس خلال الخمس سنوات الأخيرة مطلقاً لإعادة النظر في معايير المواءمة المعمول بها.

وأضاف "الوزارة لا تستطيع مواءمة كل الطرق، وتوفير الإشارات وممرات المشاة لعدم توفر القوالب الخاصة لصنع مثل هذه الأرصفة والممرات في القطاع".

في حين يُعزي "الزيان"، عدم مواءمة الطرق إلى القيود المفروضة على عمل الوزارات نتيجة الاحتلال والحصار والانقسام، حيث أن الاحتلال الإسرائيلي يمنع إدخال أي مواد تتعلق بالسلامة المرورية وبما فيها المواد المستخدمة في مواءمة الطرق للأشخاص ذوي الإعاقة، على حد تأكيده.

وفيما يتعلق بأولوية مواءمة الطرق وتوفير الإشارات، قال: "ليست جميع الأماكن تحتاج لإشارات عاجلة مثل الشوارع الفرعية، وتعمل الوزارة بأولوية على الشوارع المكتظة والأكثر خطورة".

رقابة وتنسيق

في الغضون، قابلت معدة التقرير، غسان فلفل مدير دائرة تأهيل وإدراج الأشخاص ذوي الإعاقة في وزارة التنمية الاجتماعية، لاسيما أنه يناط بوزارته دوراً رقابياً وتنسيقياً حسب القانون للتعامل مع الوزارات الأخرى التي يقع على عاتقها مسؤولية المواءمة للقيام بدورها.

يفيد فلفل أن وزارة التنمية الاجتماعية تقوم بتوجيه شكاوى وكُتب رسمية تصلها من المواطنين للوزارات المختصة، وحسب قوله، فإن الوزارات تتفاعل إيجابياً مع الشكاوى والكتب الموجهة لها، وتُقر بأدوارها الرسمية وفق القانون، إلا أنها تبرر التقصير بأن تطبيق المواءمة يحتاج وقت كبير ومراحل تدريجية ولا يوجد موازنات تكفي لذلك.

ويُضيف "فلفل": "بعض البلديات تتقاعس في الاستجابة، حيث قامت بلدية النصيرات مؤخراً برصف شارع المقبرة، ولم تراعي مواءمته للأشخاص ذوي الإعاقة، وحينما قمنا بمراجعتها بررت ذلك بأن الشارع لا يسكنه أي شخص من ذوي الإعاقة، في حين أنه يتوجب على البلديات مواءمة كافة الطرق بغض النظر إن كان يسكنها ذوو إعاقة أم لا، وذلك ليتسنى للأشخاص ذوي الإعاقة استخدامها في حال الوصول لمنطقة أخرى أو القيام بأنشطة اجتماعية في المنطقة".

في المقابل يقول المحامي بهجت الحلو " إن التمييز في اتخاذ التدابير بحق الأشخاص ذوي الإعاقة المتعلقة بالسلامة على الطرق يشكل انتهاكاً خطيراً لمبدأ المساواة أمام القانون".

وفي الوقت الذي لم يتسنى لنا فيه معرفة أعداد ذوي الإعاقة الذين خلفتهم الحوادث المرورية، أكدت وزارة التنمية الاجتماعية، ارتفاع الشكاوى وخطورة عدم المواءمة على الأشخاص ذوي الإعاقة.

لمطالعة المزيد من التقارير التي تهتم بالتركيز على حقوق ذوي الإعاقة في الحصول الخدمات المقدمة من  الهيئات المحلية، عبر الرابط التالي:

https://drive.google.com/file/d/1JLolWgZJjm73rFP4HRMuhQIPLEaFP58_/view