وكالة شينخوا
تجمع آلاف الفلسطينيين في مشهد مأساوي قبالة مقرات الغرفة التجارية المنتشرة في مناطق قطاع غزة الخمس لتقديم طلبات للحصول على إذن عمل داخل إسرائيل، وذلك للمرة الأولى منذ موجة التوتر الأخيرة في مايو الماضي.
واصطف الفلسطينيون من فئات عمرية مختلفة حاملين أوراقهم الثبوتية أمام مقرات الغرفة التجارية من أقصى شمال القطاع حتى جنوبه لتسجيل أسمائهم للحصول على إذن العمل الذي يأخذ وقتا لخروجه سواء بالقبول أو الرفض الإسرائيلي.
ويقول المتواجدون الذين اشتكى غالبيتهم من الفقر في تصريحات منفصلة لوكالة أنباء ((شينخوا))، إن تهافت السواد الأعظم من السكان على التسجيل جاء لإعلان كلمتهم الأخيرة بأنهم بحاجة إلى العمل في إسرائيل لتجاوز أوضاعهم الاقتصادية الصعبة.
واعتبر هؤلاء ومن بينهم حملة شهادات جامعية عليا وموظفين سابقين في السلطة الفلسطينية أن فتح المجال للعمل داخل إسرائيل بمثابة بصيص أمل وسط نفق مظلم أجبروا على العيش فيه لسنوات عديدة من المعاناة.
وتفرض إسرائيل منذ العام 2007 حصارا مشددا على القطاع الساحلي، الذي يقطنه أكثر من مليوني نسمة بعد أن استولت عليه حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالقوة. ومنذ ذلك الحين تدهور الوضع الاقتصادي في القطاع حيث يعيش سكانه في ظروف معيشية صعبة.
ويقول الفلسطيني غسان قويدر ل(شينخوا) إن سكان القطاع يعانون منذ 14 عاما في ظل عدم نجاح طرفي الانقسام الداخلي الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة من حمايتنا من الفقر الذي نعيشه.
ويضيف قويدر البالغ من العمر (35 عاما) والذي كان يعمل موظفا في السلطة الفلسطينية لأعوام عديدة بصوت متقطع "لقد تم قطع راتبي بعد عام من الأحداث في غزة بسبب اتهامي بدعم حركة حماس".
ويتابع وهو يحمل في يديه وثائقه الرسمية وينتظر دوره في التسجيل "طيلة الأعوام الماضية أصبحت برفقة عائلتي المكونة من 7 أفراد فقراء لا نستطيع الحصول على احتياجات الحياة الأساسية".
ولسوء الحظ فأن الوضع المعقد سواء بين حماس وإسرائيل أو بين حركتي حماس والتحرير الوطني الفلسطيني (فتح) التي يترأسها الرئيس محمود عباس، ألقى بسكان غزة في نفق عميق ومظلم دون أي أمل في المستقبل، بحسب قويدر.
ونتيجة لذلك، قرر الرجل وثلاثة من أصدقائه التقدم بطلب للحصول على تصاريح عمل في إسرائيل. وقال "الشيء الوحيد الذي نحتاجه هو أن نعيش في مستوى مستقر وأن نبقي عائلاتنا واقفة على قدميها".
وقاطعه السائق محمد الزهارنة الذي كان ينتظر دوره في تسجيل بياناته قائلا: "منذ أكثر من ثلاث سنوات لم أستطع شراء أي ملابس لأولادي الثلاثة".
ويضيف الزهارنة البالغ من العمر (38 عاما) الذي تخرج من الجامعة في العام 2009 وزوجته العام الجاري إن الشهادات الجامعية أصبحت دون فائدة فهي لا توفر فرص عمل داخل القطاع الذي يعاني أزمات متتالية اقتصادية واجتماعية وصحية.
ويحمل الزهارنة وهو من مدينة غزة حركتي حماس التي تسيطر على القطاع وفتح المتواجدة في الضفة الغربية المسؤولية عن الظروف الصعبة التي يعيشها برفقة عائلته، قائلا "لا أحد منهما يهتم بالناس وإنما تهتمان فقط بمصالحهما الشخصية".
ودفعت الظروف السياسية والاقتصادية بالزهارنة إلى اعتبار الفقر عدو الإنسان ولهذا أقف بين جموع الناس للتسجيل للعمل داخل إسرائيل لجني المال من أجل إعالة أسرتي، مبديا حزنه الشديد على حاله قائلا " لن يغفر لنا أطفالنا إذا أبقيناهم يعيشون في ظروف قاهرة".
ولم يختلف الحال كثيرا لدى النجار معين عواد البالغ من العمر (52 عاما)، الذي كان محظوظا للعمل سابقا داخل إسرائيل قبل 17 عاما كون خلالها مبلغا ماليا استفاد منه في بناء منزل لأولاده.
ويقول عواد الذي يعيل أسرة مكونة من تسعة أفراد ل(شينخوا) إن العامل في إسرائيل يحصل على أجرة يومية 120 دولارا بينما في القطاع بالكاد يحصل على راتب شهري يصل إلى 200 دولار وهذا فارق كبير.
ومع ذلك يأمل عواد أن يتمكن من العودة إلى عمله في إسرائيل مرة أخرى لكسب المزيد من المال لبناء مستقبل أبنائه كما فعل بالسابق لأعوام طويلة.
وقالت الإذاعة الإسرائيلية العامة إن مجموع التصاريح التي منحتها إسرائيل للعمال الفلسطينيين من غزة للعمل داخل المناطق الإسرائيلية بلغ 7000 تصريح بعدما كان عددهم نحو 5000 عامل وتاجر في أغسطس الماضي.
في المقابل قالت وزارة العمل التي تديرها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة، إنه لم يتم التنسيق معها بخصوص وجود موافقة إسرائيلية على إصدار تصاريح عمال.
وذكر بيان صادر عن الوزارة أن استقبال الغرف التجارية للأعداد الكبيرة من العمال وما شهدناه هي مسؤولية "نحملها للاحتلال ونعتبره نتاج الحصار الظالم" على الشعب الفلسطيني.
واعتبر البيان أن الانقسام الفلسطيني وتهميش القطاع من خطط التنمية أحد أهم أسباب تفاقم نسب البطالة، داعيا إلى وضع الحلول للحد من البطالة وتشغيل العمال وإيجاد فرص عمل مناسبة لهم.
وسمحت السلطات الإسرائيلية في العام 2019 للمرة الأولى لسكان القطاع بتقديم طلبات عمل فيها بعد ما كان عدد العاملين في إسرائيل من غزة قرابة 120 ألفا قبل سيطرة حماس على القطاع.
وفي حينه ساهم عمل 120 ألف عامل من سكان غزة في إسرائيل بحوالي 20 في المائة من الاقتصاد الفلسطيني في القطاع، بحسب الخبير الاقتصادي من غزة معين رجب.
ويقول رجب ل(شينخوا) إن إسرائيل حال سماحها للعمال بالعمل مرة أخرى ستكون خطوة تحقق مصالح الجانبين، مشيرا إلى أن إسرائيل بحاجة إلى عمال مؤهلين وستفيد الفلسطينيين بأنهم سيتغلبون على الفقر من خلال كسب المال الذي يضمن لهم حياة كريمة.
ويعتبر أن دخول عمال القطاع إلى إسرائيل سيؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد الوطني في غزة وسيستمر في ضخ الأموال في الأسواق مما يعني عودة النشاط التجاري في القطاع، معربا عن أمله في تحقيق هذه الخطوة في أسرع وقت ممكن.
وتأتي الخطوة الإسرائيلية في ظل المفاوضات غير المباشرة التي توسطت فيها مصر مع حماس للتوصل إلى اتفاق تهدئة طويل الأمد بعد أشهر من التصعيد العسكري الأخير في مايو الماضي.
ووصل وفد من حماس برئاسة هنية وزعيم الحركة في قطاع غزة يحيى السنوار الأحد الماضي ، إلى القاهرة وأجرى مباحثات مع رئيس المخابرات العامة المصرية عباس كامل، في أجواء إيجابية وتفاهم متبادل.
وكانت مصر قد رعت في 21 مايو الماضي اتفاقا للتهدئة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية المسلحة في غزة وعلى رأسها حماس، أنهى جولة توتر دامت 11 يوما.