يشهد قطاع غزة واقعاً اقتصادياً - معيشياً صعباً، إذ يُقدِم بعض التجّار على إغلاق متاجرهم نتيجة لانعدام الطلب على السلع التي يبيعونها، في حين يعزف المواطنون عن الشراء بعد تأثر قدرتهم الشرائية بفعل الحصار الإسرائيلي والحروب المتكرّرة على القطاع وما ينتج عنها من تداعيات.
قبل بضع سنوات، كان من الصعب استئجار متجر في حي الرمال (مركز غزة التجاري) الواقع وسط المدينة، غير أن المسألة الآن قد تبدو سهلة جداً، فبالإمكان الاستدلال على أي من المتاجر الشاغرة من خلال عشرات الملصقات التي تعلن أن «المحل للإيجار» والمعلّقة على أبواب المحالّ التجارية التي غادرها مستأجروها تحت وطأة الخسائر الاقتصادية التي تكبّدوها، والعجز عن دفع الإيجارات السنوية المستحقّة.
لم يجد محمد جاد الله (47 عاماً) بدّاً من إغلاق متجر لبيع الأحذية وسط مدينة غزة، وذلك نتيجة لتردي الوضع الاقتصادي وعدم قدرته على الإيفاء بدفع الإيجار، نتيجة الخسارة التي تكبّدها بفعل قلة الطلب.
جاد الله، الذي تحوّل من مالك متجر إلى عامل في متجر، يشير إلى أن الأوضاع الاقتصادية المتردّية نتيجة الحصار والحروب المتكرّرة قلّلت من فرص إقامة مشاريع في قطاع غزة، بل وقضت على العشرات من المشاريع المحيطة بمتجره.
ويلفت إلى أن حالة المضاربة القائمة في السوق، وخصوصاً في ظل زيادة العرض، قد قلّصت من حجم الطلب، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن جزءاً أساسياً من أسباب إغلاق المتاجر هو تراجع القدرة الشرائية لدى الآلاف من المستهلكين، نتيجة زيادة الاحتياج في ظل محدودية الدخل.
أحمد حرب (32 عاماً)، هو الآخر يستعد لإغلاق «ميني ماركت» مقام في حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة. لم يكن في حسبانه «الوصول إلى هذا المستوى من الخسارة وتراكم الديون لمصلحة التجار والموزّعين، وصولاً إلى الوقت الذي أصبحنا فيه على مشارف إغلاق الميني ماركت».
ويقول إنه «خلال العامين الأخيرين تقريباً كان البيع بالدّين هو الأسلوب السائد، ولهذا كنا نواجه عجزاً شهرياً نتيجة امتناع عشرات الزبائن عن سداد الديون المستحقّة على كاهلهم بفعل حالة الفقر وانعدام مصادر الدخل، وهذا ما قاد إلى هذه النتيجة».
يضيف: «ليس هناك متاجر تعتمد على البيع النقدي في غزة، لأن معظم الناس يشترون احتياجاتهم بما فيها الأساسية كالبقوليات والدقيق مثلاً بالدين، ولهذا من الصعب أن توصد الباب في وجه الدائنين... في المحصّلة هذا التعاطف قادنا إلى الخسارة».
وبإغلاق حرب لمتجره ستصبح ثلاث عائلات بلا مصدر دخل، إذ إنه يعمل في المتجر مع اثنين من العمّال، ولكل منهم أسرة يعيلها. ويتقاضى هذان العاملان أجراً شهرياً يبلغ 700 شيكل (ما يعادل 217 دولاراً)، وهو أجر يتناقض مع الحد الأدنى للأجور في قطاع غزة والذي حدّدته الحكومة الفلسطينية بقيمة 1450 شيكل (ما يعادل 450 دولاراً).
تشير المعطيات الاقتصادية إلى أن نسبة الفقر في قطاع غزة تنامت خلال الأشهر الثلاثة الماضية، أي بعد جولة الحرب الأخيرة، إلى 89% وفقاً لبيانات مركز الإحصاء الفلسطيني. وربما هذا ما عزّز من فرص انهيار السوق المحلي عموماً، بما في ذلك محالّ الأحذية والألبسة والبقالات وغيرها.
ويبرّر بعض أصحاب المتاجر صرف أجور متدنية للعمّال بتراجع الحركة الشرائية في السوق عموماً، فيما تشير تقديرات إلى أن العجز عن دفع إيجار المئات من العمّال كان سبباً في إغلاق بعض المتاجر.
ويتمثل أبرز مؤشرات الواقع الاقتصادي السلبي في وصول عدد العاطلين عن العمل في القطاع إلى 212 ألف مواطن، وفقاً لبيانات سوق العمل الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطينية، إذ يشير إلى أن نسبة البطالة في السوق المحلية بلغت 45 في المئة.
ويرجع المحلّل الاقتصادي أحمد عليان، الانهيار الذي يشهده السوق والذي نتج عنه إغلاق العديد من المتاجر، إلى عدة أسباب، في مقدّمتها إجراءات الحصار المشدّدة على غزة، وخصوصاً تلك التي أعقبت الحرب الأخيرة، وحجب إسرائيل إدخال البضائع والاحتياجات الأساسية، إلى جانب تراجع وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع. ويوضح أن تضخم نسبتَي الفقر والبطالة كان سبباً إضافياً وراء الانهيار الذي يشهده السوق المحلي، محذراً من مغبة إبقاء الواقع على ما هو عليه، لأن ذلك سيضع قطاع غزة أمام كارثة اقتصادية حتمية.