عامٌ جديد بأعباءٍ قديمة: ماذا ينتظر المرضى؟

عامٌ جديد بأعباءٍ قديمة: ماذا ينتظر المرضى؟

في حي الشيخ رضوان غرب مدينة غزة، يجلس الحاج إبراهيم حسين (65 عامًا) على كرسيه المتحرك داخل غرفته التي تحطمت نوافذها تحت وطأة الحرب. وجهه شاحب ويداه ترتجفان، يحدق في الأفق بينما تتناثر بجانبه علب أدوية فارغة لم يستطع إعادة ملئها منذ أشهر.

الحاج إبراهيم مصاب بمرض السكري منذ أكثر من عقدين، ويحتاج إلى جرعات يومية من الإنسولين، يقول بصوت واهن: "اعتدت زيارة الصيدلية كل شهر للحصول على الإنسولين، لكن الآن، أصبحت رحلتي الشهرية مليئة بالإحباط؛ لأن الدواء غير متوفر، أو أن سعره يتجاوز إمكانياتي".

مثل الحاج إبراهيم، يعيش الآلاف من مرضى غزة تحت وطأة أزمة أدوية مزمنة تُثقل كاهلهم، وتدفعهم يومًا بعد يوم نحو المجهول مع دخول العام الجديد دون أي بوادر لحل هذه الكارثة الإنسانية التي تتعمق مع استمرار الحرب على القطاع.

 تشير أحدث تقارير وزارة الصحة الفلسطينية إلى أن 45% من الأدوية الأساسية غير متوفرة في مستودعاتها بقطاع غزة، بما يشمل أدوية الأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم. وطبقاً لورقة حقائق صادرة عن مركز الميزان لحقوق الإنسان حول المرضى المزمنين الذين يواجهون الموت بفعل نقص العلاج، فإن 53% من المستلزمات الطبية الضرورية لجلسات غسيل الكلى مفقودة، ناهيك عن أن  يعاني 61% من المرضى النفسيين من عدم توفر الأدوية الأساسية اللازمة لعلاجهم.

كل يوم، يواجه مئات المرضى خطر الموت؛ بسبب نقص العقاقير المنقذة للحياة، مثل الإنسولين وأدوية السرطان وأدوية الأمراض القلبية. على ضوء ذلك يقول الطبيب رياض مشارقة: "عدم حصول المرضى على أدويتهم في الوقت الملائم يؤدي إلى تدهور حالتهم الصحية، مرضى السكري، مثلًا، يصبحون عرضة لتلف الكلى وأمراض القلب بسبب نقص الإنسولين. أما مرضى الضغط، فغياب الأدوية يزيد احتمال حدوث جلطات دماغية خطيرة".

وبحسب بيانات وزارة الصحة، هناك 2.7 وفاة لكل 1000 مريض من مرضى السكري سنويًا نتيجة مضاعفات ناجمة عن نقص العلاج. كما يُسجل مرضى السرطان أرقامًا مقلقة مع وفاة عشرات المرضى شهريًا، بسبب عدم توفر العلاج الكيميائي.

أسماء علي (40 عامًا)، مريضة بالاكتئاب منذ خمس سنوات، كانت تعتمد على دواء معين لاستقرار حالتها النفسية، تقول بصوت متهدج: "الأدوية ليست متوفرة، بدأت أعاني نوبات قلق لا يمكنني السيطرة عليها، أشعر وكأنني أعيش في دوامة لا مخرج منها".

 وتمنع السلطات الإسرائيلية إدخال الكثير من المستلزمات الطبية والعقاقير الحيوية إلى القطاع، وهو السبب الرئيسي وراء نقص الأدوية في الصيدليات التجارية ومخازن وزارة الصحية.

ويشير القانون الدولي الإنساني بوضوح إلى أن حرمان المدنيين من حقهم في العلاج يُعتبر انتهاكًا خطيرًا. بيد أن المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تنص على أن: "لكل فرد الحق في مستوى معيشي يكفل الصحة والرفاهية له ولأسرته، بما في ذلك الغذاء والكساء والرعاية الطبية".

بالإضافة إلى ذلك، تفرض اتفاقية جنيف الرابعة على القوى المحتلة تأمين الإمدادات الطبية للسكان المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها.

يترافق هذا الانتهاك، مع نظام صحي يعاني ترهلاً من الأصل، في ظل محدودية الإمكانات طيلة أعوام الحصار (17 عاما) التي سبقت اندلاع الحرب في السابع عشر من أكتوبر 2023، ناهيك عن أن الأعمال العسكرية قد عرضت مستودعات الأدوية والمستشفيات لأضرار جسيمة، مما ساهم في إضعاف قدرة القطاع الصحي على تلبية احتياجات السكان.

ومع استمرار الأزمة، من المتوقع أن يواجه المرضى في غزة عامًا جديدًا مثقلًا بالتحديات، حيث تشير التقديرات الميدانية إلى أنه بدون حل عاجل، سيشهد العام الجديد ارتفاعًا في معدلات الوفيات بين المرضى الذين يعتمدون على أدوية حيوية.

 ناهيك عن أن عدم قدرة الأطباء على توفير العلاج للمرضى ومواصلة تقديم الخدمات للجرحى، يجعلهم عرضة للإحباط، وبخاصة في ظل هجرة الكثير من الأطباء مع اندلاع الحرب، الأمر الذي ضاعف العبء على الكادر الطبي القائم، والذي يتعامل يوميا مع المئات من المصابين والمرضى من فئات عمرية مختلفة.

وتقول سميرة سليم (*) إن شح الأدوية في مستودعات وزارة الصحة يجعلها تضطر للبحث عنها في السوق السوداء، وإن عثرت عليها فإن أسعارها باهظة جدا ولا تستطيع دفع قيمتها، مما يزيد الأعباء المعيشية على عليها كونها تنحدر من عائلة فقيرة.

السيدة سليم في العقد الخامس، وتعاني هشاشة في العظام قالت، إنها تواجه صعوبة شديدة مع التكيف مع نقص الدواء، وتتعاظم آلامها تحت وطأة المسكنات التي لا تجدي نفعا مع حالتها. وأضافت "في بعض الأحيان أخذ عقاقير مسكنة، بديلا عن العلاج اللازم لحالتي، لكنه للأسف لم يأتِ بنتيجة، ويبدو أنه زاد حالتي سوءً".

ومن أجل تجاوز هذا التحدي الذي يهدد صحة الآلاف من المرضى، دعت وحدة الأبحاث في مركز الميزان لحقوق الإنسان، المجتمع الدولي إلى، الضغط على إسرائيل لرفع الحصار عن قطاع غزة، وضمان إدخال الأدوية دون قيود.

وخلال ورقة الحقائق طالبت وحدة الأبحاث بضرورة تعزيز الدعم الدولي للنظام الصحي في غزة، مع التركيز على توفير أدوية الأمراض المزمنة والمستلزمات الطبية الحيوية، مشددة على أهمية إنشاء آلية شفافة لتوزيع الأدوية، تضمن وصولها للمحتاجين، خاصة في ظل تقارير عن سوء إدارة بعض المساعدات.

وبينما يفتح العام الجديد أبوابه، يبقى الأمل هو السلاح الوحيد للمرضى في غزة. الأمل في أن تتحسن الأوضاع، وأن تتحقق العدالة الصحية التي طال انتظارها، لكن ذلك لن يحدث إلا بتحرك فعلي وسريع من المجتمع الدولي. المرضى في غزة لا يحتاجون إلى وعود جديدة، بل إلى أدوية تنقذ حياتهم وتعيد لهم حقهم الأساسي في العلاج والعيش بكرامة.