يقف الحاج محمد عبد الرجوح (*) على استحياء بين بائعي البساطات المنتشرة في ميدان فلسطين (الساحة) وسط مدينة غزة، يجمع الحاج عبد الرجوح يديه خلف ظهره، بينما يستعرض بعض مقتنياته الخاصة للبيع، بما في ذلك البطارية المشغلة للإضاءة، وآنية الطهي، و (وابور) الجاز.
لا يملك الرجل الذي تجاوز عامه الخامسة والستين، حنكة الباعة ولا يجيد حيل التجارة، فقد قضى عمره يعمل موظفاً حكومياً، وبعد بلوغه سن التقاعد كان يعيش وزوجته وفتاته المطلقة على مخصصات التقاعد التي بالكاد كانت تغطي احتياجات الأسرة، ومع دخول الحرب لم يتمكن من الحصول عليها، حسبما قال.
وبعدما تعذر عليه الحصول على المال المطلوب لشراء الضروريات بما في ذلك علاجات زوجته التي تعاني أمراضاً مزمنة، اضطر لبيع مقتنياته بما في ذلك اللازمة منها، وقال والدمع محتبس في عينيه: "أيهما أفضل أسرق وأذل نفسي طلباً للحاجة، أم أبيع مقتنياتي؟".
سؤالٌ يثيرُ الكثير من الإحباط نتيجة الحال الذي وصل إليه كبار السن (60 عاماً فما فوق) من كلا الجنسين في قطاع غزة والذين تتجاوز نسبتهم 5% من عدد السكان (107 ألاف فرداً)، ومعانتهم مع الفقر والعوز، ناهيك عن تعقيدات الحالة الصحية والاجتماعية، التي فرضتها الحرب الدائرة في القطاع منذ قرابة العام.
وبالعودة إلى قصة الحاج عبد الرجوح، فإن الرجل الذي غطى الشعر الأبيض رأسه ولحيته، قال إنه يواجه صعوبة في الحصول على المساعدات أسوة بجيرانه، ولديه شك بأنه مستثنى من عمليات التوزيع نتيجة محدودية أفراد أسرته، فيما تعطى أولويات للأسر الكبيرة ولأقرباء من الدرجة الأولى، حسبما قال.
يزم الرجل شفتيه وهو يتابع قوله: "لا طاقة لي للبحث هنا وهناك، ولا قدرة على المزاحمة على نوافذ تسليم المساعدات، لأن ذلك يثير الحنق ويسحق الكرامة، ولم اعتد أن أفعل ذلك، على الرغم من أن هناك الكثير من الأسر تتلقى مساعداتها بدون حاجة أو طلب لدوافع الجميع يعلمها"، في إشارة إلى وجود محسوبية في عملية التوزيع.
في الوقت ذاته اشتكى الرجل الستيني مما اسماه "جنون الأسعار"، والذي تضاعف على نحو لم يشهد له السوق مثيلاً في حروب سابقة، مؤكدا أن هذا الغلاء يحول دون الحصول على الكثير من المستلزمات الأساسية له وللمئات من الأسر المعوزة.
يشهد مؤشر غلاء المعيشة في غزة، ارتفاعا حادا، بنسبة 240% منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 وحتى نهاية شهر أيار/مايو،2024 نتيجةً للحرب الإسرائيلية المستمرة، وفقاً للجهاز المركزي للإحصاء.
وبطبيعة الحال تعيش الأسر الفقيرة سواء تلك التي يقوم على إدارتها كبار السن، أو أنهم أحد أفرادها، على الأساسيات من السلع، ويظهر الجدول التالي مستوى التأثر الطارئ على هذه السلع:
وبعيداً عن الأسعار التي يعاني منها مختلف الشرائح المجتمعية الهشة، تشير البيانات الإحصائية إلى أن نسبة الفقر بين كبار السن في فلسطين بلغت عام 2017 حوالي %27 من مجمل هذه الفئة، ويلاحظ أن هنالك فرقاً كبيراً بين الضفة الغربية وقطاع غزة، إذ بلغت نسب الفقراء من كبار السن في الضفة 18% في حين بلغت في غزة 47%، مع العلم أن نسبة الفقر بين كبار السن لعام 2011 قد بلغت 22 %من مجمل هذه الفئة، بواقع 17% في الضفة الغربية و36% في قطاع غزة. وهذا يعني أن النسبة ارتفعت خلال 6سنوات 11%.
قياساً على ذلك، وبناء على المعطيات الاقتصادية القائمة الآن في ظل الحرب والتي لا تشي بوجود أفق للتعافي قبل (7-10 سنوات) بحد أدنى بعد أن تضع الحرب أوزارها وفق تقديرات اقتصادية محلية، فهذا يعني نسبة الفقر بين كبار السن ستقفز مع حلول العام 2025 حاجز الـ 60%.
وبما أن نسبة الفقر بين أفراد الأسر التي يرأسها مسن في فلسطين كانت أعلى مقارنة بباقي الأسر الفلسطينية، إذ بلغت نسبة الفقر بين أفراد الأسر التي يرأسها مسن 32%، بحسب إحصاءات العام 2021، فإن ذلك يعني أن هذه الأسر ستضطر للاستدانة أو بيع ما تبقى من ممتلكاتها من أجل تجاوز حالة الفقر والعجز التي تعانيها لأجل توفير احتياجاتها الماسة، ما لم يكن هناك تدخلات أممية وحكومية عاجلة لتحسين ظروف هذه الأسر.
على ضوء ذلك، حذر الباحث الاقتصادي أشرف إسماعيل من انحدار واقع الأسر الفقيرة والمهمشة في قطاع غزة بما فيها كبار السن، إلى نحو غير مسبوق في ظل انعدام كافة مصادر الدخل وحرمان الموظفين المتقاعدين من الحصول على رواتبهم كاملة في ظل عجز البنوك عن الإيفاء بالتزاماتها تجاه السكان بفعل تدمير مقارها، واستغلال الصرافين لهذا الواقع باستقطاع فائدة بقيمة 20% من مجمل الراتب لقاء صرفه.
وأكد إسماعيل أن هذا الواقع المتردي يصطدم بحائط الاستغلال الذي يعانيه السكان بما فيهم كبار السن من الارتفاع الجنوني لأسعار السلع الأساسية بما في ذلك الخضار واللحوم وحتى الأدوية والعلاجات، في ظل عدم وجود أدوات رقابية فاعلة من قبل المؤسسة الرسمية.
وقال: "إن استمرار الوضع على ما هو عليه فيما يخص انعدام الرقابة والسيطرة على حالة السوق، وبالتزامن مع عدم وجود أفق للتمكين الاقتصادي للأسر المهمشة بما فيها كبار السن، سواء عبر المساعدات النقدية أو توفير الاحتياجات الأساسية، فإن ذلك يعني أن هذه الفئة ستواجه خطر الموت جوعاً".
على المستوى الصحي:
يعد الإهمال الصحي هو أكثر أنواع الإساءة التي يتعرض لها كبار السن في الأراضي الفلسطينية، ويتبين ذلك من خلال الإحصاءات التي يظهرها الجهاز المركزي للإحصاء:
عندما جئنا لمقارنة هذه النسب مع ما يجري على الأرض خلال الحرب، تبين أن هناك الكثير من الشكاوى المكبوتة في صدور كبار السن من كلا الجنسين، حيث أنهم يواجهون إهمالاً صحياً غير مسبوق على مختلف المستويات، بما في ذلك الرعاية داخل المشافي أو داخل الأسرة نفسها، وإعطاء الأولوية لفئات عمرية أقل في الحصول على الرعاية اللازمة.
عندما عجزت الحاجة خلدية عبد السلام (72 عاماً)، عن احتمال الاعياء الذي أصابها فجأة بعد تناول المعلبات، طلبت من شقيقتها الوحيدة التي تصغرها بعشر سنوات أن تصحبها إلى المشفى. وانتقلت من مسكنها الواقع في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، بواسطة عربة يجرها حمار، إلى مستشفى كمال عدوان، في بيت لاهيا، وبعد احتمال عناء الانتقال قالت إنها لم تحظ بالرعاية الكاملة أسوة بالمصابين والجرحى.
وأضافت عبد السلام وهي تعقد منديلا خلف رأسها، "لقد اكتفوا بفحص مستوى ضغط الدم والسكري، ثم حقنوا يدي بالمحلول الملحي لمدة ساعتين، وعندما لم أجد عناية كافية، وسط استحواذ المصابين على اهتمام الطاقم الطبي، أثرت العودة إلى المسكن، وطلبت الحصول على المساعدة من إحدى الجارات التي تعمل في قطاع التمريض".
وتشير البيانات الإحصائية أن نسبة كبار السن المصابين بالأمراض المزمنة بلغت عام 2017، أكثر من 55%، من إجمالي كبار السن.
وترتفع نسبة كبار السن الذين لديهم اعاقة/صعوبة في الأراضي الفلسطينية، وتعد الإعاقة والصعوبة الحركية والبصرية أكثر الصعوبات انتشارا بين كبار السن، وفق نتائج تعدادي (2007-2017) إذ بلغت نسبة الذين لديهم صعوبة بصرية بنحو 22% من إجمالي كبار السن، في حين أن 23% من كبار السن كانت لديهم إعاقة وصعوبة في الحركة واستخدام الأيدي.
وإذا أخذ بالاعتبار حجم الإخطارات التي وجهها جيش الاحتلال للآلاف الأسر لإجبارهم على النزوح، فمما لا شك فيه فإن كبار السن الذين لديهم عجز في النظر والحركة قد واجهوا مأساة حقيقة خلال عملية الانتقال من مكان إلى آخر، الأمر الذي شكلاً خطراً حقيقياً على حياتهم.
ولا توجد مأوي أمنة يمكن أن يلجأ إليها كبار السن في قطاع غزة، لاسيما بعدما اضطرت كل من مركز الوفاء للرعاية والتأهيل لإفراغ نزلائها من كبار السن قبل تدميره، وهو المركز الوحيد الذي كان يقدم خدمات المبيت لنحو 40 شخصاً من كبار السن من كلا الجنسين (25 إناث)، (15 ذكور). فيما أن جمعية رعاية كبار السن (سعاد الأعظمي) والتي كانت تقدم الخدمة النهارية لنحو 70 من الذكور المسنين في مدينة غزة، قد خرجت عن الخدمة بفعل الحرب أيضا.
ولا تتوفر أرقام دقيقة حول أعداد ضحايا الحرب من كبار السن، أو المصابين منهم. في الوقت الذي تقول فيه وزارة الصحة بغزة إن نسبة كبار السن من مجمل الضحايا بلغت 8.6%، فيما أن نسبة الأطفال الضحايا بلغت 33% بينما نسبة النساء بلغت 18.4 من عدد الضحايا البالغ أكثر من 41 ألفاً أرتقوا خلال أحد عشر شهراً.
عدنا إلى قانون الصحة العامة الفلسطيني رقم 20 لعام 2004 والذي من المفترض أن ينظم عملية الرعاية الصحية لكبار السن، ولكن وجدنا أنه لا يتوفر نصوص ولوائح تنفيذية خاصة بكبار السن ضمن قانون الصحة العامة، إذ مازال يخضع كبار السن للأحكام العامة في القانون، وتحديدا للأحكام التي تشير الى واجب وزارة الصحة في إعمال الحق في الصحة لكافة فئات المجتمع شاملاً للرعاية الصحية للفرد منذ الطفولة إضافة إلى الرعاية الصحية ما بعد سن الطفولة، وهذا يعني أنها تشمل فئة كبار السن.
غير أنه لا يتوفر في القانون، أي إشارة إلى ضرورة وجود دور لرعاية المسنين، ومأوى للعجزة، يمكن أن تسهم في حمايتهم في أوقات النزاع على الأقل.
على المستوى الاجتماعي:
تواجه السيدة أمينة حسين (67 عاماً)- التي تعيش في شمال قطاع غزة رفقة زوجها وأبنيها، فيما يقبع ثلاثة أخرين رفقة زوجاتهم وأطفالهم في خيام النزوح جنوب وادي غزة- صعوبة في التواصل مع الوسط المحيط. يقول أبنها محمد، إن والدته التي عرف عنها روحها المرحلة ونشاطها الاجتماعي الدائم، أصبحت تعاني عزلة حادة، وبدأت حياتها تنطفئ شيئا فشيئا بفعل مجريات الحرب التي عزلتها عن محيطها من الأبناء والأحفاد فضلا عن فقدانها أرواح أقرباء من الدرجة الأولى وصديقات وجارات عزيزات.
وأشار إلى أن والدته توزع الآن وقتها ما بين سجادة الصلاة ووسادة النوم، وتعاني فقدان الشهية، وترفض النزول إلى الشارع وتخشى النظر من النافذة، ولا تنفك عن السؤال المصحوب بالبكاء: متى ستتوقف الحرب؟، مؤكداً أن الأسرة أدركت أن الأم تعاني ألاما نفسية حادة، نتيجة واقع الحرب، لكنها لا تملك الأدوات اللازمة لمساعدتها على التخلص من هذه الأزمة النفسية.
ويقضي كبار السن في قطاع غزة الذين يرزحون تحت ظلال الحرب، أكثر من 18 ساعةً يومياً في قلق وتوتر، يعجزهم عن ممارسة حياتهم. بعدما كانت تشير الإحصاءات إلى أن حوالي 60% من كبار السن كانوا يقضون ما معدله 14 ساعة ونصف يومياً في أنشطة العناية الشخصية (النوم والأكل والشرب والرعاية الصحية والعبادات الدينية)، وما يقرب 4 ساعات في التآنس والمشاركة في المجتمع المحلي، كالزيارات العائلية والمشاركة بمناسبات الفرح والحزن، وما يقرب ساعة وثلاث دقائق في تقديم خدمات المجتمع المحلي ومساعدة الأسر المعيشية أي الأعمال التطوعية. وفق ما أشارت إليه بيانات مسح جهاز الإحصاء المركز عام 2021.
من جانبه، ذكر الاخصائي النفسي محمد مهنا، أنه من الضرورة بمكان أن تتوزع الجهود المؤسساتية بين الفئات الهشة بما فيها الأطفال والنساء وكبار السن، وذلك لأجل دعمها إسنادها ومساعدتها على تجاوز محنتهم في ظل الحرب.
وأكد مهنا، أنه وبلا شك فأن النزوح يؤدي إلى صدمة نفسية، خاصة بالنسبة لأولئك الذين يعانون بالفعل من أمراض مزمنة، في الوقت الذي يعد توفير الملاجئ الآمنة للأفراد المسنين أمرًا ضروريًا من الناحيتين القانونية والإنسانية، وتتجلى هذه الحاجة في ظل تعرضهم للأذى الجسدي والاضطراب العاطفي وعدم كفاية الرعاية أثناء الصراعات.
وقال الاخصائي النفسي: "على الرغم من الجهود المبذولة، لا تزال هناك فجوات في الدعم الذي تقدمه المنظمات المحلية، والتي غالبًا ما تتجاهل العديد من مشاريع الإغاثة لكبار السن، وتركز بدلاً من ذلك على احتياجات المجتمع الأوسع".
وأضاف "نظرًا لحالتهم الهشة (أي كبار السن)، فإن اتباع نهج أكثر تركيزًا تجاه رعايتهم ورفاههم، أمر بالغ الأهمية، كما أن تقديم المساعدات الإغاثية والمأوى والمساعدة الطبية يمكن أن يحسن نوعية حياتهم بشكل كبير أثناء الأزمات ويخفف من حدة الأذى النفسي".
على المستوى القانوني:
الواقع الذين يعيشه كبار السن في قطاع غزة على ضوء الحرب القائمة والتي لا يوجد أفق لوقفها، لا يتناقض فقط مع ما نصت عليه مبادئ الأمم المتحدة لكبار السن، وخطة عمل مدريد الدولية للشيخوخة 2022، والقانون الدولي الإنساني، وثلاثتهم اجمعوا على تعزيز وحماية حقوق كبار السن كجزء من منظومة حقوق الإنسان، ولكن أيضا مع خطة التنمية المستدامة للعام 2030 التي تديرها وزارة التنمية الاجتماعية الفلسطينية.
وهذا يعني أن هذه الفئة أصبحت خارج ناطق حسابات المنظمات الأممية التي وضعت رؤية تنموية من أجل مستقبل وعالم أفضل، لاسيما فيما يتعلق بضرورة توفير التمكين الاقتصادي والاجتماعي لكافة الفئات الهشة، وتوفير بيئة نظيفة، والمساواة والعدالة الجندرية في توفير كافة الخدمات للنساء والرجال الذين يعانون ويلات الحرب في غزة.
يتجلى هذا التناقض، في الواقع الذي يعانيه كبار السن بسبب النزوح والتجهيز القسري، وتحمل مشقة الانتقال من مكان إلى أخر، والإقامة داخل خيام مهترئة لا تصلح للعيش الأدمي، والاضطرار للبحث عن الحطب بديلاً عن غاز الطهي، والبحث كذلك عن الماء، وبخاصة مياه الشرب.
يتساءل المسن خليل أبو سليم: أين المنظمات الأممية من حماينا، وتوفير بيئة أمنة لنا يتوفر فيها المأكل والمشرب، بعيداً عن حالة الذل التي نعانيها في خيام النزوح؟ يقول أبو سليم في الثالثة والسبعين من العمر، والذي قضى أكثر من ثلاثين عاما في مهنة التمريض، "من غير المعقول أن يترك كبار السن ليردوا إلى أرذال العمر دون شفقة أو رحمة، وأن يواجهوا مصيراً بالموت المحتم في ظل عدم احترام القوانين وقصف أماكن النزوح".
وتابع: "المجتمعات المتحضرة تحفظ كرامة كبار السن غير أننا هنا ندفع ضريبتين، ضريبة الحرب وضريبة الذل والإهانة وملاحقة المساعدات والحصول على الطعام عبر التكايا وموائد الخير، والبحث عن أغطية وفراش ودواء".
يظهر استطلاع آراء أكثر من ثلاثين شخصاً من كبار السن التقتهم (آخر قصة) وجاهياً، أنهم يعانون من أنواع مختلفة من التهميش والتمييز على أساس العمر، الإعاقة، البعد الجغرافي عن مراكز الخدمات، وهو ما يشير إلى عدم حصول هذه الفئة على الخدمات بشكل عادل.
ومن الناحية العملية، لا يوجد قانون خاص بكبار السن في فلسطين، وفق ما قاله المحامي شادي الدنف، مشيراً إلى أن وزارة التنمية الاجتماعية تلتزم كجزء من مؤسسات السلطة الفلسطينية، بالمعاهدات والاتفاقيات الأممية الخاصة بحقوق الإنسان والمرأة والأشخاص ذوي الإعاقة والتي تشمل كبار السن.
وأضاف الدنف "لا يوجد لدى وزارة التنمية الاجتماعية إطار قانوني خاص ومنفصل لحماية حقوق كبار السن حتى قبل اندلاع الحرب، إذ مازالت الوزارة تعتمد على الأطر الحقوقية والقانونية الواردة في وثيقة الاستقلال والدستور الأساسي الفلسطيني، وقانون وزارة الشؤون الاجتماعية لعام 1955".
وأكد أن وجود قانون خاص بهذه الفئة، لن يحميها من ويلات الحرب، ولكنه على الأقل سيخفف من وطأتها، عبر توفير شبكة أمان وحماية اجتماعية وتمكين اقتصادي وصحي واجتماعي.
وأعدت وزارة التنمية الاجتماعية، خلال العام 2012 وثيقة قانونية لكبار السن، لكنها لم تعرض مسودة القانون على المجلس التشريعي ولا مجلس الوزراء للنقاش، وجرى تجميدها منذ ذلك الوقت، وفق إفادة مصدر حكومي.
في المقابل يقول المحامي الدنف: "الآن وبعد استمرار الحرب التي أثرت صحيا واقتصاديا ونفسيا بشكل خاص على كبار السن، يتبين مدى الحاجة إلى مراجعة مسودة قانون كبار السن وتطويرها بغية إقرارها لأجل حماية حقوقهم وصون كرامتهم".
في الأثناء، رأت أطر رسمية داخل وزارة التنمية الاجتماعية أنه لا يمكن نفي وجود نهج تنموي وتمكيني للأفراد بغية تقليل الاعتماد على المساعدات الإغاثية وتمكين هذه الفئة المهشمة، ولكن هذا النهج يحتاج إلى موارد مالية وبشرية لتحقيق هذا التوجه ويتطلب تدخلاً دولياً لحماية حق كبار السن وغيرهم من الفئات الهشة، في ظل هذه الحرب التي لم تراع أي من المعايير والمواثيق القانونية.
ومن المتوقع وفق أبحاث محلية، أن ترتفع نسبة كبار السن مع حلول العقد القادم إلى أكثر من 8% من عدد السكان، لذا لا يمكن الحديث عن حماية اجتماعية دون وجود ضمانات لعيش كريم للمسن، بمعنى الحد الأدنى الممكن من الدخل والذي يوفر لكبر السن الحياة الكريمة.
وتجدر الإشارة إلى أن برنامج المساعدات النقدية الذي تتولى وزارة التنمية الاجتماعية إدارته، والذي يستهدف نحو (109 ألف أسرة) متوقف منذ بدء الحرب، باستثناء الحصول على بعض المساعدات الطارئة والعينية وتوزيع الغذاء. وبحسب سجلات وزارة التنمية الاجتماعية التي عدنا إليها، فإن عدد المستفيدين من برنامج المساعدات النقدية في قطاع غزة بلغ، 38.143 فرداً. وذلك خلال العام 2021. وغالبية هؤلاء الأشخاص لم يحصلوا عليها منذ اندلاع الحرب على غزة.
هذا الواقع انعكس سلباً على الأسر المعوزة التي يعيش في أوساطها كبار سن من كلا الجنسين، والذين يعتمدون عليها في تغطية نفقاتهم، بما في ذلك العلاجات والحفاظات والمأكل والمشرب.
في الأثناء، يقول مصدر حكومي رفض الكشف عن اسمه، إن وزارته مكبلة الأيدي في ظل تعقيدات الوضع الأمني الخطير الذي يواجهه العاملون في القطاع الحكومي، وأنه لا يمكن التأكد من أحقية جدوى غياب عدالة توزيع المساعدات والتي تتولى إدارتها جهات مختلفة بما في ذلك الوزارة نفسها، فضلا عن عدم اتاحة الفرصة أمام التدخلات العاجلة لمساندة الفئات المجتمعية المختلفة بما فيها كبار السن.
وفيما يخص تحسين الخدمات المقدمة لكبار السن في خيام اللجوء وبخاصة النساء اللواتي ليس لهن معيل أو سند عائلي ولا يستطعن القيام بمسؤولياتهن، قال المصدر الحكومي: "نحن حريصون كل الحرص على تقديم الدعم الكامل وفق الإمكانات المتاحة، لكننا وفي ظل الظروف التي نعيشها اليوم يصعب تغطية كافة الاحتياجات".
وعلى صعيد أهمية مراعاة توفير مساعدات نقدية للأسر الهشة بما في ذلك التي يرأسها كبار سن، ودعمها صحيا واقتصاديا واجتماعيا، أكد المصدر الحكومي أن وزارة التنمية الاجتماعية تعمل عن كثب ع المنظمات والهيئات الدولية والأممية المعنية من أجل تغطية الاحتياجات الماسة بما في ذلك تقديم مساعدات نقدية.
في المقابل، وجه المصدر دعوة إلى المجتمع الدولي، "بضرورة الوقوف أمام مسؤولياته تجاه تعزيز تدابير الحماية الفاعلة للمدنيين بما في ذلك النساء والأطفال وكبار السن والأشخاص من ذوي الإعاقة، من أجل اتاحة الفرصة أمام الجهود الحكومية لممارسة دورها بشكل فاعل".
وإلى أن تأخذ هذه الدعوة صداها، أو تضع الحرب أوزارها، سيبقى كبار السن عاجزون عن مواجهة الفقر والإهمال الصحي، والعنف والاقصاء والصدمات النفسية، وكافة أشكال التهميش.
(*) أسماء مستعارة
كبار السن في قطاع غزة