6 نصائح لدعم أطفال يعانون الفقد والصدمة

6 نصائح لدعم أطفال يعانون الفقد والصدمة

لم يدر في خلد عائلة الطفل تيم سليم (*) البالغ من العمر ثماني سنوات، أنه سيعيش تجربة من العذاب النفسي القاهر نتيجة تحديات الفقد الناتج عن الحرب وألام النزوح.

كان تيم يعيش حياة طبيعية في إحدى أحياء مدينة غزة، يقضي أيامه في اللعب مع أصدقائه، يتعلم في مدرسته المحلية، ويعود إلى منزله في المساء ليحظى بدفء العائلة. إلا أن كل شيء تغير في لحظة واحدة عندما اندلعت القذائف ودمرت الحي الذي يقطنه جنوب غرب المدنية.

فقد الطفل والديه أمام عينيه في يوم لن ينساه أبداً. اضطر للهروب مع شقيقته الصغرى برفقة عمه إلى مخيم للنازحين في جنوب قطاع غزة، محاولاً التأقلم مع واقع جديد، يحمل في طياته جراحاً نفسية عميقة.

كل ليلة، تغمر الدموع عيني تيم، وفي الغالب كما يقول عمه إنه لا يستطيع النوم، بينما تعيد ذاكرته باستمرار مشاهد الفقدان المروعة. أصبح تيم نموذجاً لكثير من الأطفال الذين عايشوا النزاع وفقدوا أحباءهم، وواجهوا صدمة تفوق قدرتهم على التحمل منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة قبل قرابة عام.

بمرور الأيام، أصبح الصغير يتجنب الحديث مع المحيطين حوله، يتجاهل طعامه، ويرفض الانخراط في أي نشاطات. أحلامه أصبحت كوابيس، وصوته الهادئ يعكس عالماً مليئاً بالخوف والقلق، في الوقت الذي تعجز فيه أسرة عمه على تقديم الدعم النفسي له ولشقيقته الصغرى في ظل تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية.

التعامل مع الفقدان والصدمة:

ما يمر به الطفل تيم ليس حالة فردية؛ إنها تجربة شائعة بين الأطفال الذين يعيشون في مناطق النزاع كقطاع غزة منذ 11 شهراً، ويتوزعون بين خيام النزوح ومراكز الإيواء، وما تبقى من مساكن بعد تدمير عشرات الآلاف منها وإجبار السكان على النزوح.

ولا توجد أرقام دقيقة توثق عدد الأطفال الذي يعانون من ألام نفسية حادة نتيجة الحرب، في الوقت الذي تقول فيه وزارة الصحة الفلسطينية بغزة إن عدد ضحايا الحرب يتجاوز 40 ألفاً، أكثر من 70% منهم من النساء والأطفال. ووفقاً لتقديرات مؤسسات محلية فإن غالبية الأطفال أما فقدوا أباً أو أماً أو أقرباء من الدرجة الأولى أو أصدقاء، عدا عن معاناتهم مع التهجير القسري الإقامة في ظروف إنسانية قاهرة تفتقد إلى الحماية والرعاية والأمان.   

يقول مختصون نفسيون محليون في أحاديث منفصلة مع "آخر قصة" إن الفقدان والصدمة الناتجة عن الحرب والنزاعات المسلحة تعتبر من أكثر التجارب تدميراً لنفسية الأطفال، الذين قد لا يملكون أدوات التعبير عن مشاعرهم أو القدرة على معالجة ما يشاهدونه من مآسي.

وبحسب المختصين فأنه عندما يفقد الأطفال أحبائهم أو يشهدون العنف، يتعرضون لمشاعر الحزن والخوف والاضطراب النفسي، قد يعبرون عن هذه المشاعر بطرق مختلفة، مثل التراجع عن الأنشطة اليومية، فقدان الشهية، الكوابيس المتكررة، والانطواء على الذات، في بعض الأحيان، قد يتجلى الأمر في سلوكيات عدوانية أو تراجع في الأداء الدراسي.

أمام هذا الواقع الملبد بالأذى النفسي، قدم المختصون جملة من النصائح التي من الممكن أن تستثمرها الأسر الفلسطينية قدر الإمكان، من أجل دعم الأطفال في مواجهة الفقدان والصدمة والأثار النفسية الناجمة عن هذه المأساة المستمرة.

ويأتي في مقدمة هذه النصائح:

أولاً: الاستماع الفعّال:

من المهم أن يستمع الآباء والأمهات والأقرباء من الدرجة الأولى للأطفال دون انقطاع أو إصدار أحكام. يجب أن يشعر الأطفال أن هناك من يفهمهم ويهتم بمشاعرهم، وينصت إليه دون نفور أو انزعاج.

ثانيًا: التعبير عن المشاعر

يجب تشجيع الأطفال على التعبير عن مشاعرهم بطرق مختلفة، سواء عبر الحديث والتعبير عما في خواطرهم، الرسم، أو اللعب. هذه الوسائل تساعدهم على إخراج مشاعرهم بطريقة صحية.

ثالثً: خلق روتين يومي

الحفاظ على روتين يومي ثابت إلى حد ما يتناسب مع ظروف اقامتهم، كي يساعد الأطفال على الشعور بالأمان والثبات في ظل التغيرات الكبيرة التي يشهدونها، ومن أمثلة هذا الروتين ممارسة الألعاب الشعبية مثلاً كالحجلة والقفز عن الحبل، القراءة، الكتابة، المشاركة في الأعمال المنزلية، إلخ.

رابعاً: التواصل مع المختصين

في الحالات الأكثر تعقيداً، قد يحتاج الأطفال إلى دعم من مختصين في الصحة النفسية، الذين يمكنهم توفير العلاج النفسي والتوجيه اللازم للتعامل مع الصدمات، وهم غالبا متاحون في المراكز والمؤسسات الصحية التي تعمل على الأرض.

خامساً: تقديم الدعم الاجتماعي

يجب أن يشعر الأطفال بأنهم جزء من مجتمع محب وداعم. الدعم الاجتماعي من العائلة والأصدقاء والمجتمع يمكن أن يلعب دوراً كبيراً في عملية الشفاء من الألآم النفسية، لأنه يشعر الأطفال بأهميتهم وبأدوارهم الفاعلة في المجتمع.

سادساً: التدريبات النفسية

تعليم الأطفال تقنيات التنفس العميق والاسترخاء يمكن أن يساعدهم في التحكم في مشاعرهم والحد من القلق. ولكن في نهاية المطاف، يبقى الأمل هو المفتاح. الأطفال مثل "تيم" يحتاجون إلى الإحساس بالأمل في غدٍ أفضل، ليتمكنوا من تجاوز ما مروا به والعودة تدريجياً إلى حياة طبيعية مليئة بالفرص والآمال.

علينا أن نثق دائماً بأن الفقدان والصدمة ليسا نهاية الطريق، بل بداية جديدة يمكن للأطفال من خلالها التعافي والنمو، إذا حصلوا على الدعم والرعاية المناسبين بدءا من الأسرة والأصدقاء مرورا بالمدرسة والمعلمين/ات وصولاً للمجتمع ككل.