في مناطق النزاع والحروب كالأراضي الفلسطينية أو السودان وغيرها من الدول التي تشهد صراعاً، يصبح التوتر والقلق جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية للسكان.
تترافق هذه الظروف مع مشاعر الخوف والاضطراب النفسي بسبب الانعدام المستمر للأمن، وفقدان الأحبة، والتهجير القسري، وصعوبة الوصول إلى الموارد الأساسية مثل الطعام والماء والرعاية الصحية.
ففي قطاع غزة على سبيل المثال، يواجه السكان عموما والنساء والأطفال على وجه الخصوص صدمات نفسية مؤلمة نتيجة ما يواجهون من عنف غير مسبوق، أودى بحياة ما يزيد عن أربعين ألفاً من الضحايا أكثر من 70% منهم من الأطفال والنساء. فضلا عن عشرات آلاف المصابين والمفقودين. الأمر الذي انعكس سلباً على الصحة النفسية للمواطنين الذين يرزحون تحت ظل القصف دون وجود أفق لوقف إطلاق النار.
في هذا السياق، أصبح من الضروري الاستماع إلى خبراء يعملون في مجال الصحة النفسية حول تطوير خمس استراتيجيات فعالة لمواجهة التوتر والقلق للحفاظ على الصحة النفسية والقدرة على الصمود في مثل هذه الظروف الصعبة التي يعيشها السكان منذ قرابة العام.
أولاً: الاعتناء بالنفس، الأولوية للصحة الجسدية والنفسية
الاعتناء بالنفس يشكل أساساً مهماً في مواجهة التوتر والقلق. يجب أن تكون الصحة الجسدية أولوية قصوى، فالتغذية السليمة، والنوم الجيد، وممارسة التمارين الرياضية الخفيفة يمكن أن تسهم في تحسين الحالة النفسية. حتى في ظل النزاعات، يجب محاولة الحفاظ على روتين يومي يشمل وجبات غذائية متوازنة قدر الإمكان، وممارسة بعض التمارين البسيطة مثل المشي أو التمدد.
النوم هو الآخر عنصر أساسي في تحسين الصحة النفسية. لذا يجب البحث عن طرق تساعد على النوم بشكل أفضل، مثل تقليل التعرض للأضواء الساطعة قبل النوم، أو ممارسة تقنيات الاسترخاء مثل التنفس العميق أو التأمل، أو تجنب الاستماع إلى الاخبار أو ملاحقتها على منصات التواصل الاجتماعي، وخصوصا المجموعات الإخبارية التي تحتوي في كثير من الأحيان على أخبار مضللة.
ثانياً: بناء شبكات الدعم الاجتماعي
الدعم الاجتماعي يعد من أهم الأدوات لمواجهة التوتر والقلق في أوقات النزاع. التواصل المستمر مع الأصدقاء وأفراد العائلة يمكن أن يوفر إحساساً بالانتماء والأمان، ويساعد في التخفيف من الشعور بالعزلة. يمكن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أو المكالمات الهاتفية للتواصل مع الآخرين، حتى وإن كانت الظروف المحيطة تفرض قيوداً على اللقاءات المباشرة.
بناء مجتمع صغير من الدعم يمكن أن يكون مفيداً أيضاً. يمكن أن يتكون هذا المجتمع من الجيران أو الأشخاص الذين يواجهون نفس التحديات، حيث يمكن تبادل النصائح، والتفريغ والدعم المعنوي، وحتى المساعدة المادية عند الحاجة.
ثالثاً: الاستفادة من التقنيات النفسية
التقنيات النفسية مثل التنفس العميق، والتأمل، والتصور الإيجابي، يمكن أن تساعد في تقليل التوتر والقلق. تقنية التنفس العميق، على سبيل المثال، تسهم في تهدئة الجهاز العصبي، وتقلل من مستويات الكورتيزول، وهو هرمون الإجهاد. يمكن ممارسة التنفس العميق عن طريق الجلوس في مكان هادئ، وأخذ شهيق بطيء وعميق من الأنف، ثم زفير طويل من الفم، مع التركيز على التنفس فقط.
التأمل هو الآخر يمكن أن يكون أداة قوية لمواجهة التوتر. ليس بالضرورة أن يكون التأمل معقداً؛ يكفي الجلوس بهدوء لبضع دقائق والتركيز على الحاضر بدلاً من الانشغال بالأفكار المقلقة. يمكن أن يساعد التأمل في تخفيف القلق وإيجاد لحظات من السلام الداخلي حتى في ظل الفوضى المحيطة.
رابعاً: توجيه التركيز نحو الأمور الإيجابية
في ظل النزاع والحروب والكوارث، قد يكون من الصعب رؤية الأمور الإيجابية، ولكن من الضروري محاولة توجيه التركيز نحوها. يمكن أن تشمل الأمور الإيجابية الصغيرة مثل النجاح في توفير وجبة للعائلة أو الحصول على طرد غذائي، أو القدرة على قضاء وقت مع الأطفال في اللعب أو التعلم. الاحتفاء بهذه اللحظات الصغيرة يمكن أن يعزز الشعور بالإنجاز ويخفف من وطأة القلق المستمر.
التفكير الإيجابي، بالرغم من صعوبته في أوقات النزاع، يساعد في مواجهة القلق. يمكن محاولة استبدال الأفكار السلبية بأخرى إيجابية، والتركيز على الأشياء التي يمكن التحكم بها بدلاً من القلق بشأن الأمور الخارجة عن السيطرة، كالتطلع إلى إعادة اعمار المسكن والتخطيط إلى شكله المستقبلي، تعلم المهارات الحرفية والمعرفية تجاه الكثير من الأمور التي يمكن أن تساعدك في العمل، إعادة تدوير بعض المنتجات وتحويلها إلى أدوات تساعدك على التعامل مع الظروف الصعبة.
خامساً: طلب المساعدة المهنية عند الحاجة
إذا كانت مشاعر التوتر والقلق تتفاقم بشكل كبير وتؤثر على الحياة اليومية، قد يكون من الضروري طلب المساعدة من متخصصين نفسيين. المنظمات الإنسانية غالباً ما توفر خدمات الدعم النفسي في مناطق النزاع، سواء عبر جلسات مباشرة أو من خلال الدعم عبر الهاتف. الحصول على المساعدة المهنية يمكن أن يوفر استراتيجيات إضافية للتعامل مع الضغط النفسي، ويقدم العلاج المناسب في حالات الاضطرابات النفسية الأكثر شدة. وهناك العديد من المؤسسات المحلية التي تعمل على ذلك ويمكن التعرف على خدماتها عبر الانترنت.
علينا أن نعي بحقيقة أن مواجهة التوتر والقلق في مناطق النزاع تعد تحدياً كبيراً، لكن من خلال الاعتماد على استراتيجيات عملية مثل الاعتناء بالنفس، وبناء شبكات الدعم الاجتماعي، والاستفادة من التقنيات النفسية، والتركيز على الإيجابيات، يمكن تحسين القدرة على الصمود والحد من الآثار النفسية السلبية. في نهاية المطاف، القدرة على مواجهة التحديات النفسية في ظروف النزاع تساعد الأفراد على البقاء أكثر تماسكاً واستقراراً رغم كل الصعاب والظروف القاهرة المحيطة.
التخلص من القلق