على الفقراء في غزة، الذين يمثلون أكثر من نصفها، وفق آخر إحصاءات، أن يكدوا ضعفين لتحصيل قوت يومهم، وخاصة أن معظمهم لا تغطي المعونات الإغاثية احتياجاتهم كاملة، وبعضهم ممن كان يعمل أحد أبنائه بأجر زهيد من الاحتمال الكبير أنه فقد عمله بسبب الحرب.
"الدقيق والبقوليات لا تكفي للعيش... مقومات كثيرة والاحتياجات متعددة"، هذا ما قاله المواطن عبد الله المصري، الذي نزح عن منزله في بيت لاهيا شمال قطاع غزة متجها إلى أحد مراكز الإيواء في مدارس (الأونروا).
المواطن المصري (45 عاماً)، وهو متعطل عن العمل ومدرج على بند البطالة منذ سنوات، لم يركن إلى ما تقدمه المؤسسات الدولية من معونات للنازحين، فآثر إقامة بسطة ليبيع عليها بعض الحلوى للأطفال الذين نزحوا أيضا عن مساكنهم.
يجلس الرجل قبالة مدخل المدرسة تحت الشمس، وهو يعتمر قبعة بالية، ويغل يده في باقة بالونات يصفها بأنها تخفف عن الأطفال وطأة الخوف والرعب وتنسيهم ألم الحرب.
ويقول المصري الذي فقد منزله، إنه "لولا الحاجة الماسة إلى المال ما جلست هكذا، وأنا مصاب بضغط الدم، وقد جف حلقي لشدة الحر، لكنها ضريبة الحياة والحرية، وعلينا أن نبحث عن لقمة أبنائنا"، مشيرا إلى أنه يعيل ثمانية أطفال، أكبرهم في الثالثة عشرة.
والمضحك المبكي أنه يمنع أطفاله من أكل ما على البسطة مع أنهم مثلهم مثل الأطفال الباقين، كما عبر عن استيائه من حال النازحين الذين انضموا إلى قافلة الفقر ونسبتها 60% في غزة، وخاصة أنهم يعجزون عن شراء الحلويات لأطفالهم، بعدما خسروا ممتلكاتهم وأموالهم، ولم يكن همهم سوى النجاة بأبدانهم وملابسهم.
وإذا قدر لهذا الرجل أن يتدبر يومه بما تدره بيع الحلوى، فإن آخرين ازدادوا بؤسا جراء الحرب، وهم في الأصل مدرجون على قوائم الفقر. من هؤلاء أم محمد جابر، وهي امرأة في عمر الأربعين تقطن مدينة غزة، وتقسم أن أسرتها لا تقوى على توفير المصروف اليومي بعد تعطل زوجها عن العمل بفعل الحرب، وكان يعمل في السباكة بـ30 شيكل يوميا.
وتحتاج أسرة المواطنة جابر إلى مصروف يومي يفوق يومية زوجها، لكنها قالت إن المبلغ السابق كان يكفي لتغطية الحد الأدنى من النفقات. وتذكر السيدة أن طبق الفول يكاد يكون حاضرا في الوجبات الثلاث اليومية، كما اضطرت إلى بيع معونتها الإغاثية المكونة من البقوليات وزيت القلي حتى تشتري بعض علاجاتها.
وفاقت نسبتي الفقر والبطالة بسبب الحصار وانتشار جائحة كورونا، حدود المعقول. ولا تملك هذه المنطقة الساحلية أي موارد طبيعية، فضلا عن أن أكثر من 40% من الأراضي الزراعية و85% من الثروة السمكية أضحت غير قابلة للاستعمال بفعل العدوان.
وينظر الخبير الاقتصادي، معين رجب، إلى محاولات الناس البحث عن مصادر بسيطة، على أنها قد تسهم في خفض مستوى الحاجة اليومية، "لكنها لن تحرك عجلة الاقتصاد التي أعطبتها الحرب". ورغم إشادته بما سماها المحاولات الفردية، فإنه طالب، بضرورة أن تقف الجهات والمؤسسات الدولية أمام مسؤولياتها للجم العدوان وتعويض المتضررين، "والأهم توفير فرص للمتعطلين عن العمل بعد انتهاء الحرب مباشرة".
وكان قد حذر برنامج الأغذية العالمي من احتمال "تفجر أزمة تمتد إلى المنطقة كلها" بسبب "عدم قدرة" كثير من الفلسطينيين في غزة على تحمل مزيد من الضغط.
وقال البرنامج الاثنين إنه يقدم مساعدات طارئة لما يزيد عن 51 ألف شخص شمالي غزة، ويطلب 46 مليون دولار لاستمرار عمله في القطاع.
وقالت مديرة البرنامج في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كورين فلاتشر، إن "الناس في غزة يعيشون أصلا على حافة الفقر، والكثير من العائلات لا تجد ما تسد به الرمق. وساءت أوضاعهم أكثر بسبب انتشار فيروس كورونا والقيود التي فرضت لمكافحته".
وأضافت أن "أكثر الناس لا يتحملون المزيد من الضغط، والظروف الحالية قد تفجر أزمة تمتد إلى كامل المنطقة".