يقضي أطفال الشقيقين الفلسطينيين هاني ومحمد أبو القرع من سكان مدينة غزة جل يومهم يرقبون النافذة في انتظار عودة أبويهما اللذين مضى نحو شهرين على فقدانهما. وقد خابت آمال الأطفال الذين اعتادوا أن يعود أبويهما إلى المسكن مع حلول مساء كل يوم، وقد مضى وقت طويل ولم يعدا.
لا تعلم أسرة أبو القرع شيئاً عن حال ابنيها وعن سبب اختفائهما المفاجئ خلال الحرب على قطاع غزة والتي تستمر منذ أكثر من 175 يوماً، وكل جهودها في التواصل مع منظمة الصليب الأحمر الدولية من أجل معرفة مصيريهما باءت بالفشل، وفقاً للعائلة.
وغادر الشقيقان وهما في أواخر العقد الثالث من العمر، المسكن الواقع في حي الشيخ رضوان غرب مدينة غزة، صبيحة يوم الخامس والسبعين للحرب من أجل تفقد مسكن العائلة الثاني المقام في حي التوام إلى الشمال الغربي من قطاع غزة بعد أن ذيعت أبناء بين السكان عن انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي وآلياته العسكرية من تلك المنطقة.
منذ ذلك الوقت، لم يعدا، كما لم ترد أي أبناء من شأنها أن تطفأ لهيب شوق أمهما ولوعة أطفالهما وزوجتيهما.
ويكابد الأطفال عناء الانتظار اليومي أمام النافذة على أمل أن يطل الأبوين المفقودين، ولكن دون جدوى. يقول والد الشابين وهو رجل في الستين من العمر يعتمر قبعة بيضاء، إن رجالاً من العائلة ذهبوا إلى المسكن من أجل البحث عنهما، لاسيما أنه كان يساور العائلة الشك بأنهما قد ارتقيا شهداء نتيجة القصف المتواصل على تلك المنطقة، لكنهم لم يعثروا على جثمانيهما أو أي دليل يشير إلى أنهما قتلا على يد جيش الاحتلال. كما أن جهود التفتيش بين قوائم وجثث الشهداء في المشافي، كانت سدى.
ويسود اعتقاد لدى أسرة أبو القرع أن ابنيهما معتقلان لدى الاحتلال، لكن المعضلة التي تواجهها الآن أن الجيش لم يعلن عن قائمة أسماء الأشخاص المعتقلين لديه، ويقول الأب: "ليس لدينا فرصة إلا أن نعيش على الأمل".
واعتقل جيش الاحتلال ما يزيد عن 11 ألفاً من الشبان والنساء من مناطق مختلفة خلال الحرب على قطاع غزة وفق المركز الفلسطيني للإحصاء، وقد أفرج عن بعضهم فيما لا يعرف شيئاً عن مصير الكثير منهم.
أسرة أبو القرع ليست الوحيدة التي تعاني ظروفاً إنسانية صعبة نتيجة فقدان آثر أبنيهما، إذ أن أسرة رأفت عطوة (37 عاماً) من سكان حي شمال غزة، هي الأخرى تعيش ظروفاً مشابهة، وتبدي تخوفاً وقلقاً شديدين على مصير أبنها الذي فقدت أثاره في الأسبوع الثالث للحرب على القطاع.
وقال شقيقه محمود إن أخيه الذي كان يعمل سائق أجرة، فقدت أثاره في حي تل الهوى إلى الجنوب من مدينة غزة، بينما كان يواصل مهمته في البحث عن لقمة العيش لأجل الإنفاق على أطفاله الذين لم يتجاوز عمر أكبرهم ثمانية أعوام.
وأشار إلى أن شقيقه المفقود والذي كان يعيل أسرة مكونة من خمسة أفراد، استقل سيارة الأجرة عصر اليوم الثاني والعشرين للحرب يحمل ركاباً، واتجه بهم إلى حي تل الهوى، ومنذ ذلك الوقت فقدت عائلته التواصل معه، ولا يعرف شيئا عن مصيره هو والركاب ايضاً.
ووصف عطوة ظروف الاختفاء بأنها أكثر وجعاً من ألم الفقد، "لأن الأخير يتلاشى حزنه مع الوقت، بينما المفقود يبقى جرح أسرته مفتوحاً إلى أن يعود أو يعلم شيئا عن مصيره"، وفق تعبيره.
وتعتمد عائلات المفقودين في التعرف على مصير أبنائهم على وزارة الصحة بغزة، حيث تقوم بالبحث في المستشفيات والاتصال بالخطوط الساخنة التي أنشأتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، كما ويبحث في صور الجثث في الشوارع، وصور الرجال معصوبي الأعين الذين تحتجزهم القوات الإسرائيلية ويظهرون في صور عبر الانترنت.
المكتب الإعلامي الحكومي بقطاع غزة، قال في بيانات منفصلة، إن عدد المفقودين جراء الحرب لا يقل عن 8 آلاف شخص، متوزعين بين أشخاص وعائلات ما زالوا تحت أنقاض المنازل التي هدمها جيش الاحتلال على رؤوس ساكنيها، وأفراد قُتلوا في الشوارع وما زالت جثامينهم ملقاة فيها، وآخرون اختطفهم الجيش.
والاعتقاد السائد بين السكان أن السواد الأعظم من المفقودين قد ارتقوا نتيجة أعمال القصف التي طالت مختلف الأحياء والمباني السكنية من أقصى شمال القطاع وحتى جنوبه، حتى لو لم يستدل على أثارهم أو جثمانهم، باستثناء أولئك الذين اعتقلوا على يد جيش الاحتلال الاسرائيلي خلال توغله في الأحياء واقتحامه مراكز الإيواء والتحقيق مع من كان فيها من الرجال والنساء على حد سواء.
ويقوم مبدأ الحماية في القانون الدولي الإنساني، على توفير الحماية لضحايا النزاعات المسلحة، ويفرض على الأطراف المتنازعة احترامهم ومعاملتهم بشكل إنساني، ولم شمل أفراد العائلات التي فرقها النزاع وضمان حق أفراد العائلات في معرفة مصير أقربائهم المفقودين.
وتقول اللجنة الدولية للصليب الأحمر، "لا حرب إلا وصاحبتها أعداد كبيرة من المفقودين وشعور لدى عائلاتهم وأصدقائهم بالقلق والريبة. وكما أن العائلات لها الحق في معرفة مصير أقربائها المفقودين، فإن الحكومات والسلطات العسكرية والجماعات المسلحة ملزمة بتوفير المعلومات وجمع شمل العائلات".
في المقابل، قال المتحدث باسم منظمة الصليب الأحمر الدولية في قطاع غزة، إن المنظمة تلقت ألاف المناشدات من سكان القطاع لمعرفة مصير أبنائهم، مؤكدا أن دور منظمته يتمثل في محاولة إرسال المعلومات عن المفقودين للسلطات الإسرائيلية، ومحاولة الحصول على معلومات حول مصيرهم".
وأضاف مهنا "إذا تلقينا معلومات حول مصيرهم من الجانب الإسرائيلي، نشاركها مع الأهالي فقط، وليس بشكل معلن"، نافياً أن يكون لدى منظمته إحصائيات يمكن مشاركتها عبر الإعلام، على اعتبار أن هذا الملف حساس، كما قال.