لم تجد السيدة الفلسطينية ريهام ديب في منتصف العقد الثاني من العمر، سبيلاً لمعالجة طفلتها التي لم تبلغ الأربعة أعوام والتي أصبحت تعاني تبولاً لا إرادياً، وتتعرض الطفلة إلى حالات تشنج نتيجة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والتي اندلعت في السابع من أكتوبر الماضي.
وقالت السيدة ديب التي تقيم في واحدة من مدارس شمال غرب مدينة غزة الحكومية- والتي اضطرت للجوء إليها بعد تدمير مسكنها الواقع في حي الصفطاوي شمال قطاع غزة- إنها نجت بطفلتها بأعجوبة على ضوء قصف استهدف مسكنها في السابع والعشرين من أكتوبر، ومنذ ذلك الحين فإن طفلتها تعاني انتكاسة في الصحة النفسية.
وأضافت "تنقلنا عبر أكثر من مركز لجوء تحت تهديد القصف والسلاح، على ضوء ذلك تعاني طفلتي حالة نفسية سيئة، فهي كلما سمعت صوتاً مفزعاً تهرع نحوي مسرعة وتصرخ بصوت عال جداً وتنحب دون توقف، حتى لو كان الصوت ناتجاً عن إغلاق باب، وليس لدي قدرة على مواجهة هذه الأزمة وبخاصة في ظل تعطل كافة مراكز التأهيل النفسي الحكومية أو الخاصة".
وبين حين وآخر تحاول السيدة ديب التي لم تكمل تعليمها الجامعي، البحث عبر صفحات الانترنت عن سبل مواجهة الصدمة التي يعانيها الأطفال، وقالت: "أحاول البحث عن حل لهذه الأزمة المعقدة، لكني للأسف لست في أحسن حال، فانا أيضا أعاني ضغطا نفسياً كبيرا بسبب النزوح، ولم يعد لدي طاقة على مواجهة الأمر، ففاقد الشيء لا يعطيه".
وألقت الحرب بظلال سلبية حادة على الصحة النفسية لأطفال قطاع غزة والذين تزيد نسبتهم عن 30% من عدد السكان، وتشير التقارير الصادرة عن وزارة الصحة بغزة، أن 70% من ضحايا الحرب هم من الأطفال والنساء.
ولا يكف الطفل محمد أبو القرع ذو السبع سنوات بالسؤال عن والده الذي فقدت أثاره في الثامن من يناير الماضي، وعلى ضوء ذلك تقول والدته إنه يعاني حالة نفسية سيئة، حيث يخشى النوم في غرفة منفصلة ويفضل النوم بجوار الأم حتى لو كانت الأجواء مستقرة نسبياً ولا تشهد قصفاً جوياً أو برياً.
وأضافت الأم "في اليوم الواحد يسألني طفلي عشرات المرات، متى سيعود أبي، ولأني لا أجد إجابة حقيقية التزم الصمت، فيما هو يستمر في البكاء ويرفض الخروج من المسكن ويستمر بمرافقتي حتى أثناء تأدية أعمالي المنزلية.. في الحقيقة أنا أدرك أنه يعاني صدمة نفسية عميقة لكني لا أجد الطريقة المثلى لمعالجته وبخاصة في هذه الظروف العصيبة التي لا يتوفر فيها مراكز صحية".
على ضوء هذه الأزمة يقول أخصائي الصحة النفسية محمد مهنا إن السبيل الوحيد للتعامل مع الأثار النفسية السيئة التي يعانيها الأطفال نتيجة الحرب على قطاع غزة، هو حرص الأهالي للاستماع إلى أطفالهم واعطائهم مساحة للتعبير عن مشاعرهم تجاه الخوف الذي يعانون منه.
وأوضح منها أن أثار الحرب النفسية السيئة على الأطفال لا يمكن علاجها آنياً وربما تدوم بعض الوقت، لاسيما أن الخطر لم يزل قائما، وإزاء ذلك فأن ما يمكن للأهالي القيام به هو اعطاء الأطفال مساحتهم في التعبير عما يجول في خواطرهم واحتضانهم ومحاولة احتواءهم واشعارهم بالأمان قدر المستطاع.
وعن أدوات التفريغ النفسي التي يمكن للأهالي اتباعها في محاولة للسيطرة على الحالة النفسية المتردية التي يعانيها أطفال القطاع خصوصا أولئك الذين فقدوا أفرادا من أسرهم أو بيوتهم وكذلك النازحين، فقال "هناك العديد من أدوات التفريغ والتي في مقدمتها عزل الأطفال عن مواطن الخطر قدر المستطاع، وحجب وسائل الإعلام عنهم، وابتكار وسائل كالرسم بالألوان أو أقلام الرصاص واستخدام أدوات الرياضة إن توفرت كالقفز عن الحبل أو الحجلة وغيرها، أو رواية القصص لهم وإثارة التنافس فيما بينهم من خلال المسابقات".
ويعد هذا الواقع خرقاً لما نصت عليه قوانين الطفل العالمية ومعايير حقوق الإنسان التي تؤمن للأطفال حماية خاصة، كما تحظر القوانين اساءة معاملة الأطفال أو تعذيبهم أو تخويفهم ويُساءل كل من يقوم بذلك وفقاً للقوانين.