ينهمك نازحون في مدرسة عمرو ابن العاص، الواقعة في حي الشيخ رضوان شمال غرب مدينة غزة، في البحث عن الماء منذ ساعات الصباح الأولى. يتحصن أكثر من 400 شخص داخل المدرسة منذ صباح التاسع من أكتوبر الحالي (اليوم الثالث للحرب على قطاع غزة) بينهم أطفال ونساء وكبار سن، كانوا قد نزحوا من شمال القطاع هرباً من القذائف والصواريخ التي تطلقها الطائرات الإسرائيلية.
لتوه عاد أحد النازحين يدعى سالم جمعة -37 عاماً- يحمل جالوناً معبء بالماء منتقلاً به مسافة تزيد عن نصف كيلوا متر، إلى المدرسة التي لجأ إليها هو وسبعة من أفراد عائلته، قائلاً: "ليس لدينا ماء منذ يومين، واضطررت لحمل الجالون والبحث في الشوارع والطرقات عن ماء لدى ما تبقى من سكان الحي، وبالفعل ظفرت بتعبئته بعد قطع مسافة طويلة".
وأضاف جمعة وهو مزارع يملك أرضاً في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة التي تعرضت للسحق بفعل القذائف الصاورخية التي يطلقها سلاح الجو الإسرائيلي منذ إعلان حالة الحرب على القطاع في السابع من أكتوبر. وقال: "لقد سحقوا أرضنا وذهب المحصول هباء وها نحن نازحون الآن وليس بمقدورنا الحصول على ماء من أجل الاستمرار في الحياة".
ويواجه النازحون مأساة بالغة نتيجة الحرمان من الماء بسبب نفاذ مخزون الخزانات الخاصة بالمدارس التي يأوي إليها الناس. وما يزيد الأمر تعقيداً أنه لم يعد بإمكان محطات تحلية المياه العمل في ظل الظروف الراهنة التي تتسبب بانقطاع مستمر للكهرباء.
النازحون ليس وحدهم من يعاني من شح المياه، السكان أيضا داخل الأحياء التي لم تنزح رغم ضراوة القصف وشدة التهديد، يعيشون معاناة كبيرة. وبالانتقال إلى مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة الذي غادره الكثير من سكانه قسراً تحت وطاة تهديد جيش الاحتلال الاسرائيلي الذي أجرى اتصالاً مباشراً بالسكان وطالبهم بإخلاء المخيم والنزوح إلى جنوب القطاع، يعيشون معاناة كبيرة نتيجة الحرمان من المياه منذ أسبوع.
وقالت أمنة الحساسنة (44 عاماً) إن محزون المياه لدى أسرتها نفذ منذ بضعة أيام، وأنهم محرومون من ممارسة حياتهم اليومية بفعل هذه الأزمة. وأشارت إلى أن اتصالاتها بمحطة توزيع المياه المحلاة لم تفلح وإنها تعتذر عن تقديم خدماتها بفعل انقطاع الكهرباء المستخدمة في تشغيل المضخات.
وأوضحت السيدة الحساسنة إلى أنها استئذنت جارتها التي نزحت إلى جنوب القطاع، قبل أن تقوم باستخدام مخزون المياه لديها، وقالت: "لقد استعنت بمخزون جارتي من الماء، حيث قمت بإفراغ الخزان خاصتها في جالونات وقمت بنقلها رفقة أبنائي إلى مسكننا" مبينةً أن هذا خياراً أخيراً وبعد نفاذ تلك الجالونات لا تعلم كيف ستواجه الظروف.
ووضعت السيدة خطة لاستخدام المياه لديهم، على ان يقتصر الاستخدام على غسل الأيدي والوضوء وداخل دورات المياه فقط. مشيرة إلى أنها محرومة من الاستحمام هي وأبناءها منذ أكثر من سبعة أيام.
وفي واقع الأمر يعاني سكان قطاع غزة من ردائدة المياه وشحها بسبب تلوث الخزان الجوفي، الأمر الذي يجعل من المياه الواصلة إلى المساكن عبر خطوط يصطلح عليها بـ(خطوط البلدية) تستخدم فقط في غسل الأواني، بعيداً عن الشرب أو الاستحمام. فيما كان يعتمد الغالبية على المياه المحلاة (مدفوعة الثمن) التي تبيعها شركات خاصة، ويعتمد عليها في الاستخدام اليومي.
ويعبر السكان عن قلقهم الشديد نتيجة هذا الشح الذي قد يعرضهم لحرب أخرى (الموت عطشاً)، إذا لم تضع الحرب أوزارها.
من جهتها، حذرت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل لاجئي فلسطين (الأونروا) من أن أكثر من مليوني شخص في قطاع غزة يواجهون خطر نفاد المياه، بشكل أصبح يهدد حياتهم.
وقال فيليب لازاريني المفوض العام للأونروا إن المياه: "أصبحت مسألة حياة أو موت. من الضروري أن يتم توصيل الوقود إلى غزة لتوفير المياه لمليوني شخص".
وأشارت الوكالة الأممية إلى عدم السماح بدخول الإمدادات الإنسانية إلى غزة منذ أسبوع. وقالت إن المياه النظيفة تنفد من القطاع بعد توقف عمل محطة المياه وشبكات الماء العامة.
وذكرت أن الناس يُضطرون الآن إلى استخدام مياه غير نظيفة من الآبار بما يزيد مخاطر انتشار الأمراض المنقولة عبر الماء. وأشارت الوكالة إلى انقطاع الكهرباء عن غزة منذ الحادي عشر من تشرين الأول/أكتوبر بما أثر على إمدادات المياه.
وتنفد المياه أيضا من قاعدة الأمم المتحدة جنوبي قطاع غزة، التي نقلت وكالة الأونروا عملياتها إليها ويحتمي بها الآن الآلاف بعد أن أصدرت إسرائيل إنذارا للسكان طالبتهم فيه بترك بيوتهم في الأجزاء الشمالية من القطاع.
ووفق الأونروا، في غضون الاثنتي عشرة ساعة الماضية فقط، شُرد مئات آلاف الأشخاص. وتتواصل موجة النزوح مع تحرك الناس إلى الجزء الجنوبي من قطاع غزة. وقد وصل عدد المشردين خلال أسبوع إلى ما يقرب من مليون شخص.
وشدد المفوض العام للأونروا على الحاجة إلى إدخال شاحنات الوقود إلى غزة الآن. وقال: "إن الوقود هو السبيل الوحيد لتوفير مياه الشرب الآمنة للناس، وبدون ذلك فسيموتون من الجفاف الحاد، ومن بينهم أطفال صغار وكبار في السن ونساء".
وأضاف أن المياه هي شريان الحياة الوحيد المتبقي لغزة، مناشدا رفع الحصار الآن، المفروض على المساعدات الإنسانية.