- كدّيش بتحبني؟
- ايش؟ . اه. اه
بحبّك.
- يعني كدّيش. ؟
- بحبّك قد المخيّم.
- بس؟
- لا بحبّك كدّ المخيّم وعدد اللاّجئين
عدد كروت المؤن
و عدد كياس الطّحين ..
ربما يكون النص الآنف، محض رسالة عامية كتبت وانتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي باللهجة الفلسطينية القروية، تعبيرًا عن الحب بين عجوزين. لكن في الواقع هل كان الأجداد قادرون على التعبير عن الحب بهذه الجرأة؟
بالتأكيد لم يكن الأمر سهلًا في مجتمع تطغى فيه النشوة الذكورية على كل السلوكيات، أن يبوح الرجل الموصوف بأنه يُكسَر على كتفه "النبوت" كناية عن قوته، بحبه لحبيبته أو لزوجته.
في المقابل، هل جربت يومًا أن تسأل جدتك عن الحب قديمًا فيما يعرف بـ"أيام البلاد"؟ بكل تأكيد فعل ذلك الكثير منّا بعد إلحاح بدافع الفضول لتكوين صورة عن هذا الحب. غير أن الإجابة في الواقع لم تكن شافية إذ تكتفي الجدات دائمًا بابتسامة ومقولة "يووه خلص"، مع حمرة خجل تعلو الوجنتين.
قلّة من الجدات اللواتي امتلكن الجرأة للحديث عن ذكريات أيام الصبا. الحاجة صفية واحدة من أولئك النسوة اللاتي قررن مسح التجاعيد عن وجوههن وبُحنَ بتفاصيلِ اللقاء الأول.
تقول الحاجة صفية وهي في العقد الثامن من عمرها، قابلت زوجي أثناء موسم الحصاد، فيما كان يجني الثمار مع أخوتي، وبينما هم كذلك كان يرمقني بنظراتٍ خاطفةٍ جعلتني أهرب من الفور إلى البيت.
لا تزال تُصر هذه الحاجة رغم بوحها ببداية حصول الحب بينها وبين "رفيق عمرها"، كما يحلو لها تسميته، على وصف التعبير عن الحب بأنه "عيب"، ولا يجب أن تبوح الفتاة قبل الزواج بذلك مهما فاض الشوق في جوفها تجاه من تحبه.
أما العجوز التسعينية "آمنة" المكناة بأم "عبد الله"، فتجيب على سؤال: هل أحببتِ زوجكِ قبل الخطبة؟ قائلةً "يُه كثير كنت أحبه. كان يأتي راكبًا فوق الجمل ع حارتنا وأول ما أشوفه خدودي يحمرن".
لكن وعلى الرغم من ذلك، لم تبح آمنة لزوجها بحبها له حتى بعد خطبته، إذ كان من العيب كما تقول، أن تبوح الفتاة بذلك، وفي نظرها الحب هو شيء في القلب يشعر به المحبوب من دون تصريح.
تضيف الجدة وهي تجلس على فرشة اسفنجية قد سويت بالأرض: "إذا لم ينطق لساني بهذا، فالعيون وحدها كفيلة بأن تخبره بكل شيء".
تستذكر الجدة، أساليب التعبير عن الحب بعيدًا عن النظرات، قائلة: "الحبيب فقط كان يكتفِ بأن يهدي حبيبته برتقالةً، أو خسةً يقطفها من أرضه، أو يترك لها زهرةً من نبات (تمر حنة) بالقرب من بئر الماء، تجدها عندما تأتي لتعبئة الجرة.
في قصة مختلفة بطرافتها وقسوتها في آنٍ واحد، سردتها الحاجة لطيفة -٩٢عاما- "زوجي هو ابن عمي، وقد كان يحبني كثيرا، غير أنه تزوج من بنت المختار استجابة إلى رغبة أبيه، وفي الوقت نفسه لم يكن يقبل بارتباطي من أي من الشباب".
تضيف الحاجة لطيفة ببساطتها وحسها الفكاهي "سرقنا قطار الزمن ولكن تزوجنا عندما بلغت الـ ٣٥ عامًا(.) لقد كان ابن عمي شديد الغيرة، إذ أنه كان يشتاط غضبًا كلما يراني في الحقل. كان يحبني كثيرًا ويشتري لي حلوى النمورة".
ولا تزال تذكر الحاجة لطيفة زوجها حين كان يهديها الورد دون مناسبة، وتقول "رغم قسوته بين حينٍ وحين، إلا أنه كان حنونًا عطوفًا وينادني دائما بـ"حبيبتي" رغم أن اللقب كان فجًا ووقعه كبير على أسماع أبويه".
أما بالنسبة للرجال فالقصة مختلفة: إذ اكتفى الحاج حسن السعيد من قرية كفر راعي بالضفة الغربية، بوصف المرأة في حقبة الخمسينيات، بأنها "كانت كتفًا للرجل، أو كما يقول المثل الشعبي "الزلمة جنة والمرة بنا"، في إشارة إلى مدى قدرتها على بناء الأسرة.
ويشير السعيد وهو في الثمانين من عمره، إلى أن المرأة كانت تقوم بواجبها في بيتها وتشارك الرجل القروي في الحقل، وتساعده في الأعمال الزراعية والجني "وهذا الفعل بالنسبة للرجل هو أسمى درجات الحب"، مبينًا أنَّ النساء قديمًا كُن أكثر قناعةً وكانت مقولتهن الشهيرة "طول ما في طحين وزيت، سَبْعَين في البيت". "أما اليوم فقد اختلفت النساء وصرن أكثر اعتمادا على الرجل، ولهذا فنساء الماضي لا يمكن أن يعُدن مطلقا" على حدِ وصفه.
الحاج السبعيني أبو سليمان من سكان مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، قال إنه تزوج بالطريقة التقليدية (زواج صالونات)، غير أنّه نعت زوجته بـ"ست النساء"، وأردف قائلًا بابتسامة خجولة: "أم سليمان هي كل شيء بالنسبة لي".
وأشار الرجل الذي يضع عِقالًا فوق رأسه، إلى أن كلمات الأهازيج والأغاني الشعبية القديمة كانت دليل على وجود الحب وبخاصّة عندما كانوا يرددون "لقعدلك ع الدرب قعود.. حلوة يا أم عيون السود".
وذهب أبو سليمان إلى ما ذهب إليه سابقه بقول: "الحب لم يكن معروف بالطريقة التي تحتفلون بها اليوم، فالحب قديمًا تمثل في التعاون بين الرجل وزوجه، واهتمامها بحسن مظهره وسمعته أمام الناس وحسن تربيتها لأبنائه وحفظه في غيابه، أكثر منه تعبيرًا عن مشاعرها بالإفصاح الكلامي".